هل يجوز لصاحب العقار طلب مبلغ تأمين أكثر من شهرين؟.. "الإفتاء" ترد

كتب: عبدالوهاب عيسي

هل يجوز لصاحب العقار طلب مبلغ تأمين أكثر من شهرين؟.. "الإفتاء" ترد

هل يجوز لصاحب العقار طلب مبلغ تأمين أكثر من شهرين؟.. "الإفتاء" ترد

يطلب بعض المؤجرين تأمينًا يزيد عما حدده القانون، لأسباب عديدة، أبرزها ضمان تغطية المبلغ للتلفيات التي قد تحدث للعين المؤجرة، أو لضمان استيفاء الشهور المتأخرة على المستأجر. 

وتلقت دار الإفتاء سؤالا جاء فيه: "ما حكم ما يدفعه المستأجِر من مَالٍ زائدٍ على القيمة الإيجاريَّة للمؤجِّر؛ لبيان الملاءة المالية، وضمان المتلفات التي قد يتسبب فيها المستأجر أثناء مدة تأجير العين، وقد يتم سداد قسط مُتأخِّر من الإيجار منها، وهل يجوز للمُؤجِّر أخذ هذا المال الزائد؟ وهل له أن يتصرف فيه كما يشاء؟".

وأجاب الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الجمهورية، بأنه يجوز لـمُؤجِّر العين أن يأخذ من المستأجر مالًا زائدًا عن الأجرة بقيمة شهرين من الإيجار، كما هو مُقرَّرٌ في القانون، فإذا تَرَاضيا على الزيادة جاز، ويتَملك الـمُؤجِّر هذا المال، ويحق له التصرف فيه، ثم يَرُدُّه إلى المستأجر عند انتهاء العقد، ويكون هذا المال لضمان سداد ما يتلف من العين الـمُؤجَّرة، أو لاستيفاء ما على المستأجر من مُتأخِّرات الأجرة. 

وأضاف في فتواه، قرر الشرع العقود وأجاز التعامل بها؛ لحاجة الناس لتبادُل المنافع والمصالح بينهم، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه ابن حِبان: "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا" أي: ينفع بعضهم بعضًا.

وما زالت حاجة الناس إلى عقد الإجارة تزدادُ مع تغيُّر المجتمعات وتطور أحوال الناس، وهو ما يتسبب في إضافة بعض الأوصاف إلى العقود؛ لتحقيق المصالح، وخاصة في عقد الإجارة باعتباره من أكثر العقود احتياجًا إليه.

وبالتحليل الفقهي لهذه المعاملة المسؤول عنها نجدها تتكون من:

أ) مُستأجِر يطلب تأجير عينٍ من مُؤجِّر.

ب) مالٌ يدفعه المستأجِر للمؤجِّر وهو ينقسم إلى قسمين:

الأول: الأجرة؛ وهي مُقَسَّمة على أقساط.

الثاني: مال زائد على هذه الأجرة يدفعه المستأجر ليأخذ منه الـمُؤجِّر ما تحتاجه العين من إصلاح لما تلف مدَّةَ الإجارة، وهذا المال بقسميه مقابل الانتفاع بالعين الـمُؤجَّرة.

ج) ألفاظٌ يُعبَّر بها عن إرادتي المستأجِر والـمُؤجِّر، وهي تشتمل على عبارتين:

إحداهما: تدل على إرادة تأجير العين.

والثانية: تختص بالمال الزائد حيث تدلُّ على أن المراد من دفع هذا المال هو ضمانة الملاءة للتأجير، وأن يكون تحت حساب ضمان المتلفات في العين، إضافةً لجبر العجز في سداد الأجرة إن وقع، وكذا سداد الفواتير المستحقة، كالكهرباء والمياه وغيرها.

وهذا الاجتماع بين عقد الإجارة والدَّيْن، ليس من قبيل القرض الذي جرَّ نفعًا؛ إذ النفع في هذه المعاملة للمستدين لا الدائن.

وهذا العقد الجديد -غير الـمُسَمَّى فِقْهًا- صحيح مشروع للأدلة التالية:

- لأنَّ الأصل في العقود الإباحة، ولأنه لم يقم دَليلٌ على تحريم هذا العقد.

- ولما رواه أبو داود في سننه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ».

- ولما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كان يسير على جَملٍ له قد أعيا، فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا لي، وضربه فسار سيرًا لم يسر مثله، قال: «بِعْنِيهِ وقِيَّةٍ». قلت: لا. ثم قال: «بِعْنِيهِ». فَبِعْتُهُ بِوقِيَّةٍ واستثنيت عليه حُمْلانَهُ إلى أهلي، وفي لفظ رواية الإمام مسلم: على أن لي ظهره إلى المدينة، وفي لفظٍ آخر أخرجه أبو داود في سننه: واشترطت حُمْلانَهُ إلى أهلي، ووجه الدلالة في الحديث؛ اجتماع عقدين جائزين في عَقدٍ واحدٍ هما: البيع والإعارة.

- ولما أخرجه أبو داود في سننه أن سفينة رضي الله عنه قال: كنت مملوكًا لأم سلمة فقالت: أُعتِقكَ وأشترط عليكَ أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عشتَ، فقلتُ: إن لم تشترطي عليَّ ما فارقتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عشتُ، فأعتقتني واشترطَتْ عليَّ، ووجه الدلالة في الحديث اجتماع العتق وشرط الخدمة مع عدم نقض الشرط للعتق.

وليس في هذه المعاملة دَيْن في ذمة المستأجر؛ لأنَّ وضع المال عند الـمُؤجِّر إنما هو من أجل ضمان سداد ما يُتْلَف من العين الـمُؤجَّرة في مدة الإيجار، أو لاستيفاء ما على المستأجر من متأخرات الأجرة؛ وعلى هذا التكييف فيَثْبُت هذا المبلغ في ذمة الـمُؤجِّر مِلْكًا له لحين انتهاء مدة العقد؛ وله التصرف فيه بكافة التصرفات الناقلة للملكية؛ وهذا يتماشى مع ما ذهب إليه الحنفية –واختاره مجمع الفقه الإسلامي الدولي بقراره رقم (6140) في دورته الخامسة عشرة بمسقط بسلطنة عمان سنة 1425هـ، 2004م-: من أَنَّ النقود لا تتعين بالتعيين، وإنما تقوم أبدالها مقامها. ومعنى هذا: أَنَّ حق المستأجر لا يتعلَّق بذات المال الزائد على القيمة الإيجاريَّة التي دفعها للمُؤجِّر في بداية عقد الإيجار؛ وإنما يَثْبُت مقدار هذا المال في ذمة الـمُؤجِّر ويُوفِّيه للمستأجر بعد انقضاء مدة الإيجار، وتصح المقاصة منه مقابل ما وقع من تلفيات في العين الـمُؤجَّرة، أو استيفاء ما استحقه من أقساط أجرة عجز المستأجر عن سدادها.

أما عن حَدِّ هذا المال الذي يُدفع للتأمين في عقود الإيجار؛ فقد ضبط القانون هذه المسألة بقيمة شهرين من الأجرة؛ وذلك كما جاء في المادة 18 من القانون رقم 52 لسنة 1969م؛ حيث نَصَّت أنَّه: [لا يجوز أن يزيد مقدار التأمين الذي يدفعه المستأجر على ما يعادل أجرة شهرين] اهـ، وتَأكَّد هذا بما جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون 49 لسنة 1977م؛ وهذا من الـمُشَرِّع إنما هو من الشروط الـمُكَمِّلة للعقد، فإذا تَرَاضى أطراف العقد على الزيادة على ذلك فلا مانع.

وبناءً على ذلك: فيجوز لـمُؤجِّر العين أن يأخذ من المستأجر مالًا زائدًا عن الأجرة بقيمة شهرين من الإيجار -كما هو مُقرَّرٌ في القانون-؛ فإذا تَرَاضيا على الزيادة جاز، ويتَملك الـمُؤجِّر هذا المال، ويحق له التصرف فيه ثم يَرُدُّه إلى المستأجر عند انتهاء العقد، ويكون هذا المال لضمان سداد ما يتلف من العين الـمُؤجَّرة، أو لاستيفاء ما على المستأجر من مُتأخِّرات الأجرة.


مواضيع متعلقة