رؤية الرسول للقرآن فى القرآن!
لقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الكتاب، أى القرآن، رؤية كاملة لكامل الكتاب، وقد يكون ذلك فى ليلة الإسراء والمعراج، أو فى مكة مع أولى إشارات البعثة، ولكن الرؤية سبقت التنزيل السمعى لآيات القرآن بترتيب الآيات والسور مكية ومدنية من أول آيات سورة العلق التى هى أول آيات تنزل «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ» إلى آية «كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ»، ومع ذلك جاء ترتيبها فى الجزء الثلاثين بين قصار السور، وحتى آخر آية فى القرآن والتى مكانها سورة المائدة وهى فى العشرة أجزاء الأولى من القرآن «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»، ولاحظ أن الكمال يعنى تمام نزول آيات القرآن كلها بلا نقصان، وكذلك يعنى أن من يعمل بقراءة القرآن يكتمل له سعادة الدارين الدنيا والآخرة.
ولقد استخدم القرآن حروف كلمات (رأى ورؤية وأراك ويريك).. «إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِى مَنَامِكَ»، «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ»، «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ». لاحظ الربط بين آفاق الكون الممتدة بلا حدود وحركة النجوم والكواكب والدروب وأصغرها درب اللبانة الذى يحتوى شمسنا وكواكبنا المعلومة لسكان الأرض وبين جسد الإنسان العاجز عن الجرى بأكثر من عدة ساعات، ولكن تفاصيل الخلية الواحدة فى جسده بما يدور فيها من جسيمات حول النواة مماثلة لدوران الكواكب حول الشموس. وتكتمل المعجزة بالفرق بين رؤية المادة بحدود العين ورؤية حركات النجوم والكواكب على بُعد ملايين بل تريليونات السنوات الضوئية باستخدام التليسكوب العملاق، ومع ذلك يتحدى القرآن بثلاثة حروف كل علومنا، وهى حروف «رأى»!
أولاً: أراك: تأتى سورة النساء بالآية واضحة «بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ» أى رؤية الكتاب، وهو فعل يؤكد أن رؤية الرسول للأشياء وللكون كانت بقوة مباشرة من الله لهذا الجسد البشرى لتضيف إليه قوى غير محسوسة لا يتمتع بها باقى البشر، وهو ما تأكد باستخدام لفظ يكون فيه الفاعل هو الله وحده لا شريك له منزلاً للقرآن على عبده محمد، آية 105 سورة النساء (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً).
ثانياً: «منْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ» (آية ١٥٢ سورة آل عمران) (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مِّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
ثالثاً: «إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» (سورة الأنفال، آية ٤٣).
رابعاً: «فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِى اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، (سورة البقرة، آية ٧٣).
خامساً: «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ»، (سورة النمل، آية ٩٣).
سادساً: «هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ»، (سورة غافر، آية ١٣).
سابعاً: «وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَىَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ»، (سورة غافر، آية ٨١).
ثامناً: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً»، (سورة الإسراء، آية 60).
تاسعاً: تحدى نزول القرآن على قلب الرسول مباشرة بدون الرؤية ولغز تعريف القلب والعقل فى القرآن، «عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ»، (سورة الشعراء، آية ١٩٤).
عاشراً: «يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ»، (سورة الصافات، آية 105، 106).
حادى عشر: «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً»، (سورة الفتح، آية 27).
ثانى عشر: «إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً»، (سورة المعارج، آية ٦ وآية ٧).
ثالث عشر: «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى»، (سورة النجم، آية ١١ وآية ١٢).
وختاماً: إن استخدام القرآن لكل مفردات كلمات حروف «رأى» يثبت تأكيد القرآن على أن الرؤية للرسول كانت رؤية العين البشرية لأشياء وأحداث على الأرض المادية التى نعرفها ورؤيته القرآن فى السماء العليا مكتوباً فى اللوح المحفوظ كاملاً قبل نزوله تترى آياته على الرسول تباعاً للسمع والحفظ من سيدنا جبريل تصديقاً لرؤيته فى السماء السابعة للقرآن كاملاً محفوظاً فى اللوح المحفوظ، والله أعلم.