قرار الإمارات والمصلحة الوطنية للدولة العربية (2)
- العاشر من رمضان
- العلاج المجانى
- فيرس سي
- فيروسات الكبد
- قوائم انتظار
- قوافل طبيه
- لجنة حزب الوفد
- مجتمع مدنى
- احزاب
- ادوات
- العاشر من رمضان
- العلاج المجانى
- فيرس سي
- فيروسات الكبد
- قوائم انتظار
- قوافل طبيه
- لجنة حزب الوفد
- مجتمع مدنى
- احزاب
- ادوات
يعتبر السعى لتحقيق المصلحة الوطنية الهدف الرئيسى لصناع القرار فى أى دولة من دول العالم. وبالرغم من أن كل الدول العربية منذ تأسيسها تسعى لتحقيق ذلك الهدف، فقد نظر إلى ذلك غالباً باعتباره أمراً معيباً يجب إخفاؤه والخجل من الحديث عنه.
وقد نتج عن ذلك النظر إلى قرارات يتخذها صناع القرار فى إحدى الدول العربية، وهو حق أصيل لها، من قبل دول عربية أخرى ومنظمات وأحزاب سياسية عربية خارج الدولة صاحبة القرارات باعتباره «خيانة».
ومرد هذه «الخيانة المزعومة» إلى عدم موافقة تلك الدول العربية والمنظمات والأحزاب السياسية العربية على هذه القرارات.
تعبر هذه المواقف عن خلل جسيم فى بنية النظام العربى، الذى يضم الدول العربية الأعضاء فى جامعة الدول العربية التى مضى على إنشائها خمسة وسبعون عاماً. يتمثل هذا الخلل فى عدم التمييز بين حق كل دولة عربية فى اتخاذ القرارات التى تحقق مصلحتها الوطنية كدولة مستقلة من ناحية، ووجود قدر من التشابه أو حتى التطابق فى المصلحة الوطنية لكل دولة عربية، الأمر الذى يبرر أحياناً أو غالباً، وليس دائماً، اتخاذ قرارات متشابهة أو متماثلة.
توجد مصلحة وطنية مصرية وسورية وعراقية وسعودية وجزائرية ومغربية، ولكل دولة من الدول العربية الكبرى والمتوسطة والصغيرة، ومن المستحيل أن تتطابق دائماً المصلحة الوطنية لأكثر من عشرين دولة عربية، تتباين مواقعها الجغرافية، ومساحاتها، وأعداد سكانها، وانقساماتها الاجتماعية، وأحجام نواتجها المحلية الإجمالية، ومتوسطات الدخل القومى لأفرادها وغير ذلك كثير.
ومن ثم، من البدهى أن تختلف القرارات التى يتخذها صناع القرار فى كل دولة عربية، والتى تحقق من وجهة نظرهم المصلحة الوطنية لدولتهم، وليس المصلحة الوطنية لدولة أخرى، مهما بلغت درجات التعاون مع هذه الدولة أو مع الدول العربية الأخرى.
ولا يكون من حق أى دولة عربية أخرى أن تسعى إلى إلغاء قرار اتخذه صناع القرار فى دولة عربية أخرى فى السياسة الداخلية أو الخارجية.
وليس من حق أى دولة عربية أن تظن أنها قادرة على إضفاء «الشرعية» على هذه القرارات. لقد كانت مقاطعة الدول العربية لمصر وتعليق عضويتها فى جامعة الدول العربية تعبيراً عن منطق الحق فى منع دولة عربية من تبنى سياسات واتخاذ قرارات تحقق مصلحتها الوطنية. وقد ثبت فشل هذا النهج فى تغيير السياسة المصرية، ولم يترتب على سنوات المقاطعة سوى المزيد من الضعف فى المواقف العربية، حيث احتلت بيروت من قبل القوات الإسرائيلية، وقصفت القوات الأمريكية الأراضى اللبنانية والليبية، واحتلت أراض عراقية من قبل القوات الإيرانية. وبعد أكثر من عشر سنوات على مقاطعة مصر، حضرت جميع الدول العربية مؤتمر مدريد للسلام، وشرعت فى محادثات ثنائية ومتعددة الأطراف للتوصل إلى حل للصراع العربى الإسرائيلى.
ووقع الفلسطينيون اتفاق أوسلو مع إسرائيل، ووقع الأردن اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، وكانت سوريا على وشك توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل وأدها اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحق رابين. وإذا كان الكثير من المحللين العرب ينظرون بإعجاب شديد إلى التجربة الناجحة للبناء الأوروبى الموحد، وهى تجربة ناجحة دون شك، فإن عليهم أن يتذكروا أن عضوية كل من فرنسا وإيطاليا فى الاتحاد الأوروبى لم تمنعهما من اتخاذ مواقف متناقضة، من القوى السياسية والعسكرية المتنافسة فى ليبيا، بالرغم من وجود مسئول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى، يعتبر بمثابة وزير خارجية الاتحاد.
ومرد ذلك إلى سعى كل من فرنسا وإيطاليا إلى تحقيق مصلحتها الوطنية من وجهة نظر صانعى ومتخذى القرار بكل منهما، ولا يمكن لأى منهما أن تنكر على الأخرى حقها فى تبنى المواقف التى تحقق مصلحتها الوطنية.
ولم تحل عضوية الاتحاد دون وجود خلافات شديدة بين الدول الأكثر ثراء فى الاتحاد حول مساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضرراً إبان الأزمة المالية العالمية فى عامى 2008 و2009، أو من انتشار الوباء فى العام الحالى. ولم تمنع عضوية الاتحاد من تباين مواقف الدول الأعضاء من العديد من القضايا المحورية مثل العلاقات مع الصين أو مع روسيا الاتحادية أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن المثير للدهشة أن كثيراً من الدول والمنظمات والأحزاب العربية تنسى أو تتناسى القضية الأساسية وتنزلق إلى المهاترات الفرعية، فتركز اهتمامها صوب الهجوم على قرار اتخذته إحدى الدول العربية، وكأنه السبب الرئيسى فى استمرار الأزمة أو فى عدم تحقيق الأهداف، وعادة ما تؤدى تلك الممارسات إلى المزيد من الخسائر العربية، وإلى تعميق الخلاف بين الشعوب العربية، وإلى تراجع حجم التأييد للمطالب العربية العادلة.
يجب أن تدرك الأصوات العربية ولا سيما الفلسطينية التى تكيل الاتهامات لدولة أو دول عربية، أنها تسهم فى تراجع حجم التأييد الذى تتمتع به الحقوق الفلسطينية لدى شعوب هذه الدول، وتتيح للرؤى المناوئة فرصة استثمار ذلك فى الهجوم على الشعب الفلسطينى بأسره، والمطالبة بالتوقف عن تأييد الحقوق الفلسطينية أو تقديم أى نوع من الدعم المادى أو المعنوى للشعب الفلسطينى الذى دفع، ويدفع دائماً، ثمن مثل هذه المواقف التى لا تحترم حقوق الدول الأخرى فى اتخاذ القرارات التى تراها محققة لمصلحتها الوطنية.
ومن المؤسف أن يتساوى حجم الهجوم على قرار الإمارات، إن لم يفق، نظيره على القرار الأمريكى الخاص بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأن يدفع قادة حركتى فتح وحماس، اللتين فشلت كل الجهود فى تحقيق المصالحة بينهما طوال ثلاثة عشر عاماً، إلى اللقاء فى لبنان.
ومن المثير للأسى أن قرار نتنياهو بضم أراضى الضفة الغربية أو قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وغير ذلك من القرارات الإسرائيلية والأمريكية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية لم تفلح فى إقناع حركتى فتح وحماس بتحقيق المصالحة.
يبقى تساؤل مشروع نوجهه لكل من اتهم غيره بالخيانة: أى من هذه القرارات أشد ضرراً بالقضية الفلسطينية: استقبال سلطان عمان الراحل السلطان قابوس بن سعيد رئيس الوزراء الإسرائيلى، أم لقاء رئيس مجلس السيادة فى السودان مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، أم إقامة دولة الإمارات علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، أم استمراء كل من فتح وحماس السيطرة على جزء ضئيل من أرض فلسطين تحت السيطرة الإسرائيلية ورفض كل المحاولات للمصالحة بينهما؟
* أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية - جامعة القاهرة