أيمن الظواهرى.. الإرهابى «ابن الناس الكويسين» (1)

سلمى أنور

سلمى أنور

كاتب صحفي

بينما يذكّر العالم نفسه فى الشهر الجارى بأحداث الحادى عشر من سبتمبر، أجدنى أفتش تلقائياً فى بعض الأوراق ذات الصلة، وتحديداً فى أوراق أيمن الظواهرى، ليس فقط لكونه أحد رموز تلك الأحداث التى غيرت وجه العالم، بل أيضاً لأنه يظل حالة إنسانية مثيرة للفضول وجديرة بالتنبيش وراءها، على الأقل لأنه ضرب عدداً من الأطروحات النظرية الغربية التى دائماً ما ربطت بين الفقر والجهل من ناحية، وبين التحول للإرهاب والفكر الجهادى العنيف من ناحية أخرى.

فالرجل الذى أسس تنظيم الجهاد المصرى، الذى اعتاد أن يحظى بلقب الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة، والذراع اليمنى لزعيمها بن لادن، والمفكر الاستراتيجى للتنظيم والذى يُعتقد أنه من وقف بالتدبير وراء أحداث سبتمبر، هذا الرجل الإرهابى من «طراز رفيع» لم يكن أبداً فقيراً ولا جاهلاً ولا تربت أفكاره فى مناخات العشوائيات والأحقاد الطبقية.

بل على العكس، فإن أيمن الظواهرى، الفتى ذا العينين الواسعتين والملامح الهادئة، ينحدر من أسرة عريقة ترقّى أفرادها فى المناصب الإدارية والدينية الرفيعة وكتبوا فى الأدب والعقيدة وامتهنوا الطب وورّثوا مكتبات قوامها كتب التصوف والتاريخ وسواها.

كما أن هذا الشاب الذى بدأ مسلكه المتطرف وهو بعدُ فى السادسة عشرة من عمره، كان طالباً مجتهداً شهد له من عرفوه بالذكاء وإجادة اللغات والقدرات التحصيلية العالية، ناهيك عما يُروى عن حيائه ودماثة خلقه وأدبه فى الحوار، هو الذى تربى وتعلم فى مدارس المعادى ومصر الجديدة.

لذا، فحين قرر أن يتحول الطبيب الذى كان منتظراً منه أن يواجه الموت الحائم فوق أسرّة المرضى ورؤوسهم إلى فيلسوف للتقتيل والعنف، فعلها بمنهجية وعن دراية وبعد دراسة ومطالعة، بل وكتب الكتب كى يؤسس للعنف على بيّنة وينظر للإرهاب باقتدار (للظواهرى 10 كتب من أشهرها «الحصاد المر للإخوان المسلمين» و«فرسان تحت راية النبى»).

وبرغم أن البعض يعتقد أن تجربة التعذيب فى السجون المصرية فى مطلع الثمانينات وعقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات (ما عُرف بقضية الجهاد الكبرى)، هى ما راكم المرارة فى حلق الظواهرى وأطلق الوحش الدموى فى أعماق الفتى الرقيق الدمث، فإن مراجعة سيرته الذاتية تؤكد تحيزه للعمل الجهادى وهو لا يزال مراهقاً، حيث ثبت أنه انضم لأول خلية سرية إسلامية وعمره 16 عاماً.

وأغلب الظن أن سر التحولات التى اعترت ذلك الشاب الورع الذى عُرف جده بأنه كان أحد المشايخ المتصوفين الرافضين لحمل السلاح والنازعين بطبيعة منهجهم الدينى إلى المسالمة، يكمن فى السياق الاجتماعى والسياسى الذى تفتّح عليه وهو أيمن الظواهرى، والذى فيما يبدو كان أقوى تأثيراً عليه من أفراد أسرته المستنيرين الذى حاولوا ولا شك إثناءه عن طريق الإرهاب.

فقد وُلد أيمن الظواهرى عام 1951، أى قبل إسقاط الحكم الملكى وإقامة حكم ما بعد ثورة يوليو فى مصر بعام واحد، فتفتح بذلك وعيه فى الحقبة الناصرية التى شهدت واحدة من أهم حلقات تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر ممثلة فى جماعة الإخوان المسلمين. ففى تلك الحلقة من تاريخ الجماعة، كانت الصدامات هى الغالبة على علاقة الجماعة بالنظام الحاكم، وكان الخطاب التاريخى الغالب على أدبيات الجماعة هو خطاب «المظلوميات» الذى وقرت أدبيات السجون فى القلب منه.

ومن بعدها وما إن اشتد عوده، حتى قدر له أن يشهد المرحلة التالية والأهم فى تاريخ الحركة الإسلامية المصرية، وهى مرحلة الصحوة الإسلامية فى مطلع السبعينات وحتى مقتل السادات.

لذا، فليس من المستغرب أن ينبنى فكر «الظواهرى» على أفكار سيد قطب الذى أعدمه نظام عبدالناصر عام 1966 ليصبح بذلك البطل الشهيد والرجل الأيقونة فى وعى الظواهرى وآخرين كثيرين سواه، للحد الذى قيل معه فى أوساط الإسلاميين عقب إعدامه إن هزيمة 1967 كانت استجابة دعوة قطب المزعومة لحظة الإعدام «اللهم اجعل دمى لعنة على عبدالناصر».

(يُتبع)