شهادات أسرته.. خيري شلبي الأخ والزوج والأب

كتب: محمد عبدالجواد

شهادات أسرته.. خيري شلبي الأخ والزوج والأب

شهادات أسرته.. خيري شلبي الأخ والزوج والأب

تحل اليوم الذكرى التاسعة لوفاة الأديب الكبير خيري شلبي الملقب بأديب الناس الغلابة، صاحب العديد من الأعمال الأدبية الخالدة مثل «وكالة عطية»، و«الوتد»، و«صالح هيصة»، و«بغلة العرش»، و«السنيورة»، و«الأوباش».. ابن قرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ..

ونعرض لكم خلال السطور التالية مجموعة شهادات عن حياة الكاتب الكبير من داخل أسرته.

شهادة ريم خيري شلبي: كان أبي طفلاً كبيرًا

"كان أبى يقرأ على مدار اليوم وفى كل مكان، حتى وهو فى الحمام، وساعة الكتابة ينعزل، وهى عزلة لا تعنى إغلاق الباب على نفسه، بل تعنى الانفصال عن المحيطين به، وكأنه لا يشعر بوجودهم، وحين ينتهى من كتابة نص أو مقال نجده يخرج علينا يغنى أو يقول لنا نكتة، ولم يكن له موعد معين فى الكتابة، كان يحمل باستمرار حقيبة بها أوراق وأقلام ووقتما تلح الكتابة يكتب فى أى مكان، وعرفت عنه حكاية الكتابة فى المقابر، كتب أكثر من رواية هناك.. فى إحدى المرات تعطلت سيارته بالمقابر الموجودة بالقرب من منشية ناصر، ودله البعض على ميكانيكى، فترك السيارة لدى الورشة وجلس على كرسى بقهوة هناك فى انتظار إصلاحها، وواتته أفكار للكتابة، فبدأ وانهمك فى الكتابة، ولم يقاطعه أحد من المحيطين إلى أن انتهى، وكان راضياً عما كتب يومها، وشجعوه على زيارتهم، وعرف الناس وقتها أنه صحفى، فبدأوا يحكون له حكاياتهم، وتعرف على عالمهم، وبعدها استأجر مكاناً بالمقابر للكتابة، حتى إن بعض الأصدقاء زاروه فى هذا المكان، واستلهم من المكان شخصية «عم أحمد السماك» واستوحى من قصة حياته ثلاثية الأمالى، وكتاب «ناس فى الأدمغة». علمنا جميعاً الغيرة على البلد وتراثها، وأنا أكتب شعراً وقصة وعضو اتحاد الكتاب وأقوم بإعداد برامج، لكن لا أمتلك ربع موهبته".

وتواصل ابنة الأديب شهادتها قائلة "أمى قريبة لأبى، وكانا فى البداية كأى زوجين تقليديين، وكانت أمى الزوجة الوحيدة فى حياته، واستمر زواجهما نحو 40 سنة، وكان لديها إصرار على نجاح هذه الأسرة، فكانت تعتبر بابا أحد أبنائها، بل أهم أولادها فكانت تنظم له حياته بشكل خرافى، فوق قدرات أى امرأة، على مدار الـ24 ساعة، فكانت مثلاً تصلى الفجر ثم تعد له كوب اللبن مع ملعقة العسل، وتنتقى له أفضل ثمرات الفاكهة، وتحرص على تجهيز كل ما يخصه من طقوس، سواء المرتبط بالكتابة أو بحياته الخاصة، حتى إنها كانت تشجعه على الكتابة عندما يتكاسل، وفى الفترة الأخيرة كانت ترسل المقال بنفسها بالفاكس لجهة النشر، وهو كان مقدراً لهذا المجهود، حتى إنها حين أصابتها أزمة صحية كان مرعوباً على حياتها، وكان يقول لها: إوعى تعمليها قبلى!".

وتضيف "أنا وأبى كنا نجاهد فى البداية لتقبل بعضنا البعض! بسبب أن والدى اتفق مع ماما أن تؤخر الإنجاب، إلا أن ماما لم تلتزم بهذا الاتفاق، وأخفت عنه متاعبها من تبعات الحمل، وحتى بعد مجيئى إلى الدنيا، كانت أمى تبعدنى عنه، حتى لا تعطله عن الكتابة، وفى سن طفولتى الأولى، ورغم أن بابا كان وقتها صحفياً، وهى مهنة تأخذ الأب، إلا أنى حاولت إيجاد مداخل إليه وكونت علاقتى الخاصة به، وبالفعل تعرفت على مواعيد عودته من الشغل، خاصة بعد أن تعلمت تدليك قدميه اللتين تؤلمانه بسبب الأملاح طوال الوقت، وهكذا أصبح لى دور مهم فى حياتى، ومن هنا بدأ ارتباطه الحميم بى، وأصبحنا أصدقاء فكنت أقلده فى القراءة والكتابة ومع الوقت لأنى الكبرى، أصبحت كأنى أخت صغرى لأمى وأبى، لقد كان أبى طفلاً كبيراً لا يحمل ضغينة لأحد. يستحق والدى جائزة قلادة النيل التي لم يحصل عليها، وأرى أنه من اللائق أن يطلق اسمه على أى موقع ثقافى تابع للوزارة، أو على الشارع الذى عاش فيه، ويتم عمل فيلم تسجيلى لائق عنه، والتكريم الأكبر بإعادة طباعة أعماله وتقديمها للأجيال الحالية، وأن يتم تدريسها فى المدارس والجامعات، وأن تتاح بأسعار رمزية".

شهادة زين خيري شلبي: طقوس الكتابة لديه لم تكن غير عادية

كان مستمعاً جيداً، يجيد سماع الناس، وحكاياتهم، ويضعها فى ذاكرته، ويستعيدها بعد ذلك، صابغاً عليها من روحه. وأكد أن هذا السبب هو الأساسى فى كراهيته لجلسات المثقفين، بما تحوى من بعد عن الشخصيات المهمشة والمهروسة فى الواقع المصرى التى كان يجيد الكتابة عنها باقتدار. كالأرابيسك، يجمع القطع، لكنه لا يصنع نسيجاً خشبياً، بل نسيجاً من لحم ودم، يسير داخل الورق، محفوظاً من دوامة النسيان. الراحل لم تكن حياته منعمة، والمكتبة العامرة التى يمتلكها، اضطر إلى بيعها لمكتبة فى الإسكندرية، بـ100 جنيه فقط، وكانت تحوى قرابة الثلاثة آلاف كتاب، لكنه وقتذاك كان محتاجاً للانتقال من الإسكندرية، للعيش فى القاهرة، وقد كان، وتلك الفترة هى التى كتب عنها كتابه: «موال البيات والنوم».

طقوس الكتابة لديه لم تكن غير عادية، فهو من الأشخاص غير المؤمنين بالوحى والإلهام والنسيج الأسطورى الذى يدعيه بعض الكُتّاب، فكان يكتب أحياناً على المقهى أو فى غرفته، لكن حين يكتب رواية يخطها فى مكتبه، وكان يتبنى نظرية أن العمل المكتوب كالولادة، تأخذ فترة ما حتى ينضج الوليد فى الرحم، ثم مرحلة المخاض، وصولاً إلى صرخة الحياة، التى يمثلها خروج الكتاب من المطبعة.

كان «عم خيرى» يكتب على ورق بحث، ويعده بشكل منظم، بحيث يكتب ملامح شخصيات رواياته، ويسجل التفاصيل التى تعينه فى كتابة النص الروائى، وكانت البروفات كثيراً ما تختصر ويحذف منها، حتى أن رواية وكالة عطية اختصر نصفها تقريباً، وظل يكتب فى «الشطار» أكثر من 7 سنوات، لكن ميزة كانت تسمه، إذ أنه بين العمل والعمل كان هناك عمل، فغزارة أعماله كانت لإخلاصه فى الكتابة، وكان من ضمن الأشياء التى اعتاد عليها، حين ينشغل بعمل روائى ضخم، أن يكتب من خلاله مجموعة من القصص القصيرة، يخلق بها مولوداً جديداً.

اهتم فى أى مكان يقطنه، بتهيئة مكان خاص بالكتابة، فى إحدى الشقق التى سكنها، أعد مكتبه فى البلكونة، وفى شقة أخرى كان يكتب فى المطبخ، حتى يكون قريباً من الشيشة، التى داوم على تدخينها أثناء الكتابة، لكنه انقطع عنها قبل وفاته بعشر سنوات، لظروف مرضية، واقتصر على تدخين السجائر.

إيمان خيري شلبي: كان يقرأ الكتاب نفسه لأكثر من مترجم وأكثر من طبعة

 للأسف لم أرث من أبى قدرته العظيمة على الحكى والبوح. فأنا أجد صعوبة فى إيجاد التعبير المناسب لما أريد أن أقوله، لذا كثيراً ما يصفنى بعض الناس بأننى قليلة الكلام، ربما لجلساتى الطويلة مع أبى واستماعى إليه لساعات وساعات. أحياناً كنت أذهب فقط لأسأله إذا كان يريد منى شيئاً قبل أن أنام وإذا بحديث ربما يمتد لساعات دون إدراك للوقت.

غالباً ما كان يبدأ الحديث بـ«بابا تشرب حاجة؟» «والله مافيش مانع من شوية شاى أخضر من غير سكر» ثم يكمل «إيه الكتاب اللى بتقريه دلوقتى؟»، ويمتد الحديث عن أى طبعة وأى ترجمة والفروق بين الترجمات ولماذا لم أكمل قراءة الرواية الفلانية، وتأنيبى على عدم قراءة كتاب معين حتى الآن.

كنت لا أتعجب فهو لم يكن يقرأ جميع الكتب التى تقع تحت يديه فحسب بل ويقرأ الكتاب نفسه لأكثر من مترجم وأكثر من طبعة، وربما يمتد الحديث أيضاً إلى كيف تم اكتشاف الشاى كمشروب لأول مرة، وكيف كان جدّى يُعد الشاى على منقد «القوالح» وكيف أن مذاق الشاى يختلف إذا كان معداً على الفحم أو قوالح الذرة أو البوتاجاز. وأحياناً ما يفاجئنى وأنا أُعد له الشاى والحديث ما زال مستمراً بجملة ينطقها ببراءة طفل سوف يقوم بشىء دون علم والدته «تيجى ناكل بسطرمة؟» وأقاطعه مسرعة «بس ماما؟»، «ماتخافيش نامت..!».

أنظر إلى لمعة عينيه وهو يتكلم وأضحك ونضحك معاً لأننا سوف نأكل البسطرمة التى سينزل ويشتريها بنفسه «فى السر»، فأمى لا تطيق رائحة البسطرمة فى البيت. نوادر خيرى شلبى لا تنتهى والحديث معه لا ينتهى فهو لا يمل الحكى وأنا لم أمل من سماعه أبداً.

عملت مع خيرى شلبى لفترة فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، وكنت لم أكمل 17 سنة، وأعتقد أن هذه الفترة شكّلت الجزء الأكبر فى شخصيتى. فى هذه الفترة كنت قد بدأت تعلم القراءة والتفتيش فى مكتبة خيرى شلبى و«اللماضة» معه. هذا الكاتب أحب وهذا الكاتب أكره. وكم كان صبوراً معى وهو يسمع رأيى فى كاتب معين ربما هو يعتبره أستاذاً له، لم ينهرنى أبداً على رأى قلته، كان يسمعنى ويناقشنى بكل هدوء، ربما لم أكن أستجيب وقتها لكنى كنت أحتفظ بكلماته بداخلى لأجده محقاً فى النهاية.

أبرز ملامح هذه الفترة هى مرافقتى له فى طريق الذهاب والعودة من المعادى حيث نسكن إلى شارع المبتديان حيث دار الهلال وبها مجلة الإذاعة والتليفزيون. كان خيرى شلبى حقاً موسوعياً فى معرفته بشوارع القاهرة وأزقتها وحواريها، لم يكن يلتزم بطريق معين، فكل الطرق عنده تؤدى إلى حيث يريد. وأنت لن تمل أبداً من التجوّل معه. لأن عند خيرى شلبى لكل شارع حكاية، ولكل شارع مواقف عاشها فيه، مروراً بلماذا سمى الشارع «كذا» ومن أطلق الاسم عليه. متعة التجول مع خيرى شلبى فى شوارع القاهرة متعة لا يضاهيها سوى القراءة له.

أفتقد الحديث مع بابا وسهراتنا مع أشعار فؤاد حداد التى كان يحفظها عن ظهر قلب والتى سعيت لحفظها أنا أيضاً لألاحقه إذا نسى كلمة أذكره بها، ونادراً ما كان ينسى أبى. كنت أشعر به وهو يلقى أشعار حداد وجاهين والأبنودى كما لو كانت هذه كلماته هو وهو من قام بتأليفها لسلاسة إلقائه لها وتلك النظرة اللامعة فى عينيه.دائماً ما رأيته سعيداً بإنجازات أصدقائه ربما أكثر من سعادتهم هم أنفسهم بها، لن أنسى أبداً سعادته بـ«حجرتان وصالة» لعم إبراهيم أصلان ولهفته وهو يحدثه فى الهاتف عندما أخبرته بأن الكتاب أعجبنى جداً وأمتعتنى قراءته، وصوته وهو يهلل له: «أنا هغير منك كده».. والله لم يكن ليغير أو يغضب من أحد أبداً فغضبه سريع جداً، وما إن يغضب حتى يهدأ وكأن شيئاً لم يكن.مواقف كثيرة كانت تحدث بينه وبين أحد من أصدقائه وكنت أظن أنه لن يحدّث هذا الصديق أبداً وربما تنتهى للأبد هذه العلاقة، وبعد أيام أجد فى مجلة الإذاعة «بورتريه» لصديقه هذا يتحدث عن الصفات الأجمل فيه. أشياء كثيرة سعيت لتعلمها فى حياتى حباً فى خيرى شلبى، كحفظ الشعر وحب الفضة والأحجار الكريمة التى كان يعطينى دروساً فى صفات كل حجر وكيف علىّ أن أحمل صفات كل حجر بداخلى. لأن الناس كالأحجار منها النفيس ومنها الرخيص. وعلىّ أن أختار بأى هذه الأحجار أتشبّه.«عم جاد الله يا عم جاد الله».. هكذا كان ينادينى بصفتى «الصبى بتاعه».. عندما كان يبحث عن شىء ولا يستطيع الحصول عليه.. إذا أراد كتاباً معيناً ولا يجده فقط ينادينى «عم جاد الله» ليجدنى أمامه بالشىء الذى يريده فيأخذ بغناء الاسم «عم جاد الله يا عم جاد الله».

فى ذكرى رحيله أشعر به فى كل مكان حولى.. على مكتبه.. فى حجرة نومه.. على كرسيه الهزاز.. أكاد أسمع صوته يأتينى من مكان ما وهو يغنى الليلة الكبيرة ويقلد مطرب المقهى «يا غزال يا غزال.. ياااااااا لييييل». أراه على مكتبه مبتسماً يطلب منى أن آتى بـ «يحيى» حفيده الصغير «هاتى الواد أبوسه شوية على ما تعملى لى قهوة مغلية».. أراه على كرسيه الهزاز وهو يلفت انتباهى بحركة من يده أن شعره بحاجة للقص وعلىّ أن أسرع بأدوات الحلاقة.

أتذكر كلماته فى مجلة «الرجل» التى كان يتحدث فيها عن افتقاده لى بعد زفافى: «أخيراً غادرنا القاعة، ذهبت زوجتى وولداها زين العابدين وإسلام وابنتها الكبرى ريم وراء العروس لتوصيلها إلى بيت الزوجية وعدت وحدى إلى البيت، جلست إلى مكتبى كالعادة، شعرت بأننى أنتظر عودة إيمان من المعهد لتسهر معى توالينى بالقهوة والشاى وترتّب لى أوراقى وأرشيفى، طوال الليل ولسانى يردد: هاتى يا إيمان.. التليفون يا إيمان.. القهوة يا إيمان.. خذى الجرايد يا إيمان.. إلخ، أفقت فجأة على حقيقة أن كل هذا قد انتهى، وأننى من الآن يجب أن أعتمد على نفسى.. اضطربت أعصابى، انهمرت دموعى كالمطر، ثم انفجرت باكياً لا أدرى أمِن الحزن أم من شدة الفرح!!».أنا الآن من أنتظر عودته ولكنه لا يأتى، وأنا من تُعدّ القهوة ولا تجده ليشربها. وحدى مع سيرتك وتاريخك ومحبة الناس لك.. هى ما تصبرنى على فراقك.

الأخت الصغرى "نبيلة": عاد إلى القرية بعد غياب 12 عامًا فعادت الحمرة إلى وجه أمي

تتذكر تلك اللحظة التى اهتزت لها المشاعر والقلوب حيث قالت: «مسلسل إذاعى قادنا إلى معرفة طريق خيرى الذى خرج من قريتنا وأنا طفلة رضيعة ولم يعد إليها إلا وأنا فتاة كبيرة، حيث دفعتنى دموع أمى وبكاؤها المتصل على فراقه إلى حبه غيابياً نظراً لحنانه ورقته. ذات ليلة كنا نستمع إلى مسلسل إذاعى عن الفلاحين، وبعد انتهائه نطق الراديو بأن المسلسل من تأليف خيرى شلبى. لم ننم فى تلك الليلة ترقباً وحذراً داعين الله أن يكون هذا الخيرى أخانا. قبل شروق شمس اليوم التالى شَقّ «علي» أخى طريقه إلى القاهرة قاصداً شارع الشريفين حيث مبنى الإذاعة القديمة حتى تعرّف عليه وأتى به إلى القرية من جديد بعد غياب دام أكثر من 12 عاماً ذاق فيها خيري ألواناً من العذاب، وعادت الروح إلى أمى، وتحول لون بشرتها إلى الحمرة بعد اصفرار لازمها طويلاً، وشُجَّ وجهى بالسكين بعد أن وقعت عليها سهواً من شدة الفرح قبل أن يضمنى إلى أحضانه الدافئة ويقول سامحينى، سأعوضك عما فات يا نبيلة.

زوجته: كتابته عن البسطاء جعلت قلبه رقيقًا

الناقدة الأولى لأعماله كانت زوجته، التى كانت ترى أول نسخة للكتاب، وتبدى فيه رأيها، وأكثر ما أحبت من أعماله «وكالة عطية» و«نسف الأدمغة». قبل وفاته بفترة قليلة، بدأ فى رواية جديدة، كتب منها عدة صفحات، ثم جاء بدبابيس، وأغلقها.

سأله زوج ابنته عن علة ذلك، فكان رده «لأنى مش حلحق أكملها». كان يشعر بدنو الأجل، كتابته واقترابه من البسطاء، جعل قلبه بالغ الرقة، وإحساسه عظيم الثراء.

تستعيد زوجته مشهد النهاية، حيث هاتف إبراهيم أصلان من الثانية والنصف صباحاً وحتى الرابعة. ودخل بعدها إلى مكتبه، ليكتب مقاله الأسبوعى، دخلت عليه المكتب:- "كل دا رغى مع إبراهيم أصلان؟- معلش كنا بنتكلم على موضوع مهم مضايقه. عشر دقايق وحاجى لك الأوضة عشان مش حكتب لأنى محتاج أتكلم معاكِ شوية".

ينحى القلم، يدخل إلى المكتب فى أناة، يجلس على السرير، يحكى لها عن تفاصيل المكالمة التى دارت مع رفيق عمره أصلان منذ قليل. يضع رأسه على الوسادة ويغمض عينيه. تكلمه فلا يجيب. تهزه فلا يبدى ردة فعل. تناديه: «أنت نمت؟.. هو النوم بييجى فى ثانية؟. قوم بقى يا خيرى وبطل هزار مش كدا. قوم يا خيرى وكمل كلام.. أنت بتهزر صح. بتهزر أنا مش مصدقة أنك مش بترد». لكنه كان قد نام بالفعل نوماً أبدياً، وفارقت روحه الحياة، لكنه عاش فى كل منزل يعرف سبيل القراءة.


مواضيع متعلقة