"نيورالينك".. أحلام السوبرمان!

لم يخلُ كوكب الأرض مطلقاً من ذلك الذى يحلم بأفكار يعتبرها البعض غير منطقية أو غريبة.. ولكن المدهش أن البشرية لم تتقدم للأمام خطوة إلا بهؤلاء الذين يحلمون لأقصى مدى..!

الأمر يبدو هذه المرة وكأنه جزء من أحد أفلام هوليوود التى أتحفتنا بها فى نهاية القرن الماضى.. تلك الأفلام التى تتحدث عن «المصفوفة» التى تتحكم فى البشر.. والأخرى التى قدمت لنا إنسان «سايبورج» الشهير!!

لم يتخيل أحد ممن شاهدوا تلك الأفلام أنه ربما يأتى اليوم الذى نناقش فيه فرضية تحقيقها على أرض الواقع.. ولكن يبدو أن الأمر اقترب أكثر مما نتصور..!

لا صوت يعلو هذه الأيام فى الأوساط العلمية على صوت إيلون ماسك.. ذلك الرجل غريب الأطوار الذى لم يتوقف عن إثارة الجدل حوله منذ أن بدأ حياته العملية.. والذى أعلن منذ أيام قليلة فى مؤتمر صحفى أثار ضجة كبيرة كعادته عن شريحة «نيورالينك».. التى يرغب فى الحصول على تصريح لتجربتها على البشر!!

الفكرة ليست جديدة تماماً.. فالبعض يتحدث منذ تسعينات القرن الماضى عن تلك الشريحة التى يمكن استخدامها لإعادة البصر لفاقديه بسبب ضمور العصب البصرى.. أو علاج هؤلاء الذين يعانون من الصرع.. أو حتى تساعد مرضى الشلل الرعاش والزهايمر وإصابات الجهاز العصبى..!

فكرة الشريحة أنه يمكن توصيلها بالجهاز العصبى للإنسان «بعضه أو كله» فتقوم بتحسين انتقال التيارات العصبية فيه.. بل ويمكنها دراسة تلك الإشارات التى تخرج منه لتحللها وتعدل فيها.. يتحدث البعض عن التحكم فى مشاعر الحزن والألم التى يمكن إلغاؤها باستخدام تلك الشريحة.. بينما يؤكد البعض الآخر قدرتها على تحسين الوظائف الحيوية للإنسان.. أو لتضخيم قدرة الحواس ذاتها لتجعله يمتلك ما هو أقرب للقوة الخارقة فى الإبصار والسمع!!

إيلون ماسك أعلن أنها قد تم تجربتها على الخنازير دون أن يعلن عن النتائج.. لا يبدو أنه يمتلك نتائج كاملة حتى الآن.. بينما خرج علينا منذ أيام ليعلن عن رغبته فى التجريب على البشر!!

الطريف أن تاريخ «ماسك» ممتلئ بتلك الأفكار المجنونة.. والتى نجح فى تحقيق بعضها بالفعل.. فقد ارتبط اسمه بأول سيارة كهربائية تم تصنيعها بشكل تجارى.. وبعض المشروعات الأخرى مثل واحة المريخ وغيرها..!

لقد حاول الشاب الأمريكى فى مؤتمره الصحفى الإيحاء بأن الشريحة تُصلح الجهاز العصبى وتزود قدرة الإبصار والسمع والذكاء.. بل وربما ترد المطلقة وتجلب الحبيب وتفك الأعمال السفلية.. كل هذا لا يمكن تسميته إلا بالهراء.. كل ما فى الأمر أن الشركة تحتاج لعمل ضجة كافية وأن تجذب مستثمرين لتمويل هذا المشروع الضخم.. والذى لا يعرف أحد إذا كان سينجح أم لا..!

المشكلة أن ارتباط المخ البشرى بجهاز إلكترونى يجعله عرضة للاختراق مهما توافرت له وسائل الأمان والخصوصية.. وهو ما يجعل المشروع بأكمله يشكل خطراً لا يمكن تجاهله على ذكرياتنا وأحلامنا.. بل وهواجسنا المجنونة التى لا نستطيع التصريح بها.. فضلاً عن تلك التساؤلات المشروعة حول الإنسانية ذاتها.. والتى لا يمكن فصلها عن الضعف البشرى الذى سيختفى وراء تلك الشريحة بشكل كبير!!

واضح أن كوفيد لم يقدم «عبرة كافية» للبشر ليستوعبوا أننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن فك ألغاز الجسم البشرى.. وأن الذين ما زالوا عاجزين عن مواجهة فيروس لا يُرى بالعين المجردة ما زال أمامهم الكثير ليقدموا للكوكب هذا السوبرمان الذى يتحدثون عنه.. أو هكذا أعتقد!!