دروس كورونا الصحية: تدعيم صناعة الدواء الوطنية
رؤوف حامد: نحتاج لتصحيح أوضاع الصناعة في البحث والتطوير
الدكتور محمد رؤوف حامد أستاذ علم الأدوية
يقول الدكتور محمد رؤوف حامد، أستاذ علم الأدوية، إنه بقدر إدراك ضخامة أزمة كورونا يكون قدر النجاح في تقييم ما بعدها فيما يتعلق بالدواء، لافتا إلى أن تسارع التطورات المعلوماتية المتعلقة بأزمة كورونا كان أعلى بكثير من إيقاع الاستيعاب الدوائي بواسطة جهود البحث والتطوير في شتى المؤسسات المعنية في العالم بأسره، ذلك بالرغم مما هو معروف بأن الدواء –كمنتج- يعتمد على البحث العلمي.
ويشير "حامد" إلى أن أزمة "كوفيد 19" جسدت قدر "غفوة التصنيع الدوائي والقائمين عليه" في العالم ككل، عن التحسب والاستعداد لمواجهة جائحة فيروسية، بالرغم من مرور العالم بمقدمات وبائية كورونية (من نفس عائلة كورونا) منذ سنوات قليلة، وتحديدا وباء "سارس" (2002) ووباء "ميرس" (2012).
وفي المقابل أكد أنه لابد من الانتباه، ليس فقط إلى أن صناعة الدواء هي صناعة تقوم على البحث العلمي، وإنما أيضا أنه لا يمكن تصحيح أوضاع هذه الصناعة إلا من خلال التمسك بالعلم وبالسياسات التي تقوم عليه. وبمقارنة صناعة الدواء المصرية بصناعة الدواء الهندية، واللتان يتشابهان من حيث النشأة التاريخية، يتضح أن الانفاق على البحث والتطوير في الشركات المصرية، بحسب حامد، لا يتعدى 2% بينما يتراوح بين 9 إلى 22% في الشركات الهندية، كما أن فروع الشركات متعدية الجنسيات المقامة في الهند تمارس أنشطة بحث وتطوير بالتعاون مع الوحدات والمراكز البحثية الهندية، بينما يغيب مثل هذا التعاون في مصر.
ولفت أستاذ علم الأدوية إلى أن الفروقات التي تجسدها الأرقام السابق ذكرها تُبين قدر الفجوة في الأداء بين الصناعتين، مؤكدا في الوقت نفسه أنه من المفترض والمتوقع أن تكون جائحة كورونا بمثابة محفز أو مسرع لعبور صناعة الدواء المصرية لمثل هذه الفجوة، وأن تنطلق إلى ما يمكن أن تنجزه من تقدم يصحح من مسيرتها التنافسية، على أن تكون نقطة الأساس في هذا الانطلاق إدراك حقيقة إمكاناتنا الذاتية (والتي ليست أبدا بالقليلة)، وفي الحفاظ على هذه الإمكانيات وتنميتها.
وأكد "حامد" على الحاجة إلى صياغة توجه سياسي علمي يهدف إلى تصحيح أوضاع صناعة الدواء المصرية، وعلى وجه الخصوص، فيما يتعلق بأنشطة البحث والتطوير، وتصنيع المواد الدوائية الخام، والتخطيط لتعظيم الاستفادة العلمية والتكنولوجية من الاستثمارات الدوائية الأجنبية المقامة في مصر، خاصة أن الشركات الأجنبية تستحوذ على النصيب الأكبر من حجم السوق، (حوالي 60%)، وعلى القيمة المضافة الأعلى فيه. ذلك بينما هي لا تضيف خبرات في المجالات الحرجة، مثل صناعة المواد الخام وأنشطة البحث والتطوير.
ودعا "حامد" في هذا السياق، إلى تجنب إلغاء وحل الكيانات العلمية الخاصة بالدواء، مثلما يحدث بخصوص الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، خاصة وأن تمكين هذه الهيئة، باعتبارها كيانا علميا متخصصا، يكون بمثابة دعم مستديم لتصحيح أوضاع وإمكانات صناعة الدواء المصرية (كما حدث في أوقات سابقة)، وكذلك لتحسين الصورة الذهنية عنها في الداخل والخارج.
وأكد أستاذ علم الأدوية، انطلاقا مما سبق، أنه علينا في مصر الإقدام بثقة، وبالاعتماد على الخبرات الوطنية، على إعادة تقييم أوضاعنا الدوائية برمتها، بما فيها سياسة التصنيع الدوائي.