خبراء يوضحون 5 دروس صحية من واقع جائحة كورونا المستجد

كتب: خالد عبد الرسول:

خبراء يوضحون 5 دروس صحية من واقع جائحة كورونا المستجد

خبراء يوضحون 5 دروس صحية من واقع جائحة كورونا المستجد

من رحم أزمة فيروس كورونا المستجد التي لم يشهد مثيلها كثير من الأجيال التي على قيد الحياة الآن، تولدت خبرات ودروس مهمة، وربما غير مسبوقة، استخلصها الخبراء والباحثون في مجال السياسات الصحية، وشددو على ضرورة تطبيقها لتلافي أي أزمات شبيهة مستقبلية.

وقد شملت هذه الدروس تفعيل دور وحدات الرعاية الصحية الأولية المنتشرة  في كل أرجاء مصر، في مواجهة الأوبئة، باعتبارها خط مواجهة أول ضد الأوبئة لقدرتها على تتبع بؤر ظهورها ومعرفة أسبابها، وإلى جانب ذلك جاء تطوير قطاع الطب الوقائي ومنظومة الترصد الوبائي، مع توفير أقصى حماية للفرق الطبية من خلال تطبيق إجراءات مكافحة العدوى.

وإلى جانب ما سبق جاء الاهتمام بتدعيم صناعة الدواء الوطنية والبحث العلمي الدوائي، باعتبارها أحد الأركان الأساسية التي لا غنى عنها في مواجهة فيروس كورونا والأوبئة الشبيهة بشكل عام، ومع كل ما سبق، أكد الخبراء على أهمية التحلي بمزيد من الشفافية فيما يتعلق بالبيانات والمعلومات الخاصة بانتشار الوباء وطبيعة انتشاره، باعتبار ذلك ركن لابد منه حتى يشارك الباحثون في وضع الحلول، ويلتزم المواطنون أيضا بالإجراءات الوقائية.

1-   تفعيل دور الوحدات الصحية في مواجهة الأوبئة

 أكد خبراء في السياسات الصحية ضرورة الاهتمام بوحدات الرعاية الأساسية وطب الأسرة كخط مواجهة أول ضد الأوبئة، باعتبار ذلك من أهم الدروس المستفادة من أزمة كورونا.

وقال الدكتور علاء غنام، خبير السياسات الصحية السابق بوزارة الصحة، إن من أهم وأول دروس أزمة كورونا دعم مستوى الرعاية الأساسية وطب الأسرة كخط مواجهة أول للإصابات بالأوبئة، مشيرا إلى أن مصر لديها 5 آلاف وحدة رعاية أساسية، بما فيها مكاتب الصحة الموجودة في كل منطقة، تمثل المستوى الأول في الخدمة الصحية، ويجمع عملها ما بين الجزء الوقائي والجزء العلاجي.

وأضاف، هذه الوحدات يشمل عملها ترصد الأوبئة والوقاية والعلاج، باعتبارها موجودة في كل مكان، وتغطي الواحدة منها ما بين 10 إلى 20 ألف نسمة من المواطنين، ويمكنها أن تسجل التغيرات الصحية التي تحدث في وحدة قدرها 3 كيلو متر مربع، نظرا لأن لديها ملفات لكل سكان المنطقة ومسجلين لديها، ويمكن أن يكون لديها خريطة لمتابعة الأمراض وترصد الأوبئة.

وتابع: "أهم شبكة في العالم الثالث من الوحدات الصحية كانت موجودة في مصر في الستينيات ولكنها تدهورت بعد ذلك، وحاولنا إحيائها في 2003 بتطوير نحو 1300 وحدة رعاية، لكنها عادت وتدهورت بعدها، وللأسف فإن هذه الوحدات لم تقم بدورها المفترض في الستة أشهر الماضية".

وأضاف: "منظومة الرعاية الأساسية والوحدات الصحية هي شبكة حماية المنظومة الصحية، وتقوم بدور تخفيف الضغط عن المستشفيات، وتعطينا خريطة من الأرض عن انتشار الأمراض والأوبئة، وجزء من عملها ترصد الوباء، والتعرف بالاسم على "من أصيبوا بأمراض ومن لم يصابوا، كما انها يمكن أن تقدم خدمات علاجية للحالات المتوسطة والبسيطة".

وشدد "غنام" على أنه لو حدثت موجة ثانية من الاصابات بفيروس كورونا، أو أي أمراض وبائية أخرى،  فإن المفروض أن تقوم هذه الوحدات بدور، ويمكن أن يكون هناك مراقب صحي في كل وحدة دوره يرصد الوباء وانتشاره، خاصة وأن منظمة الصحة العالمية تقول إن أهم شيء هو نظام الرعاية الأساسية، ودول متقدمة كانجلترا أهم شيء في منظومتها الصحية هو طبيب العائلة".

وقال إلهامي الميرغني، الباحث في اقتصاديات الصحة والمدير التنفيذي السابق لجمعية التنمية الصحية والبيئية، إن النظام الصحي في مصر لديه فكرة أن وحدات الرعاية الصحية الأولية هي خط الدفاع الأول، لكن للأسف هذه الفكرة غير متحققة في الواقع، والمشكلة أن عددها أصبح قليلا بالمقارنة بعدد السكان.

وأوضح "الميرغني" أهمية وحدات الرعاية الصحية الأولية، قائلا:"طبيب الرعاية الصحية المفروض أنه يعرف البيئة المحيطة بالمواطنين أو المرضي في نطاق وحدته، بما فيها مصادر الأكل والشرب، ومتابعته للأسر تجعله مطلع على الأمراض المنتشرة في نطاق وحدته، وبالتالي يصبح لديه قدرة أعلى في مكافحة الأمراض، ولذلك نقول إن تطوير النظام الصحي لا يمكن أن يتم من دون تطوير وحدات الرعاية الصحية الأولية، التي من المفروض أن تواجه أكثر من 60 أو 70 % من الأمراض.

وتابع: "طبيب الأسرة هو الأكثر قدرة على مواجهة الأمراض الوبائية، لأنه يعيش في المجتمع نفسه ولديه سهولة في التواصل مع الناس، وتوصيل التوصيات، ومتابعة التنفيذ، مثلما حدث في انجلترا عندما كان وباء الكوليرا منتشرا جدا، وحل طبيب صحة الأسرة المشكلة، عندما اكتشف أن مركز المرض في منطقة تشرب من مصدر مياه ملوث، واستطاع ايقاف المرض".

واستطرد: "لذلك نقول إن طبيب الأسرة هو خط الدفاع الأول، ويخفف العبء عن المراحل الثانية والثالثة من النظام الصحي، ويوفر الكثير من الأموال التي يتم انفاقها بدون أن نصل لمستوى الرعاية المأمول، حيث أنه يساعد على استخدام الأدوية الضرورية فقط، ولا يجعل المريض يجري أشعات وتحاليل إلا عند الضرورة الفعلية، وهو ما يقلل الضغط على المستويات الثانية والثالثة في النظام الصحي، هذا فضلا عن أنه في حالات الأوبئة فإنه يكون قادر على متابعة حالات العزل المنزلي".

 2-تطوير الطب الوقائي ومنظومة الترصد الوبائي:

"ايناس": الرصد المبكر يحتاج لتطوير أكثر وفرق عمل منظمة وإمكانات مادية.. ويقلل عدد المرضي والمضاعفات

تطوير قطاع الطب الوقائي وتطبيق منظومة الترصد الوبائى بدقة ومتابعة بؤر الانتشار، هو أحد الدروس أيضا التي خرج بها عدد من الأطباء وخبراء السياسات الصحية من أزمة جائحة فيروس كورونا.

ويقول الدكتور علاء غنام، خبير السياسات الصحية، إن برامج الترصد والتنبؤ والاستجابة تسعى لتحقيق وقاية ومكافحة فعالتين للأمراض عن طريق وضع قواعد ومعايير وإرشادات وأدوات للصحة العامة، وعلى الرغم من استقرار الوضع الوبائى فى مصر حاليا، فإن هناك حاجة إلى توسيع نطاق الجهود الرامية إلى مراقبة انتشار الأمراض، وحماية الفئات سريعة التأثر، وتوفير إمكانية حصول الجميع على رعاية وعلاج جيدين، للإبقاء على هذا الزخم وإحداث تغيير دائم.

وأشار "غنام" إلى أن جائحة كوفيدــ19 كشفت بوضوح عن الحاجة لتطوير قطاع الطب الوقائى ومنظومة الترصد الوبائى، وأن نظام قطاع الطب الوقائى والترصد الوبائى لدينا ليسا بالقوة والكفاءة التى كنا نتصورها، بالرغم من أنه تم بذل مجهود كبير لا ينكره أحد، ولكن هذا القطاع يحتاج لتحديث وتطوير كبير، بحيث يكون قائما على التكنولوجيا الحديثة.

ومن ناحيتها توضح الدكتورة إيناس عبدالرحيم، أن الطب الوقائي مهتم بالرعاية الصحية الأولية، وهي أساس عمله، حيث أنها تتضمن نقطتين مهمتين جدا، أولهما:التثقيف الصحي بخصوص أي مرض وكيفية الوقاية منه، وهذا واجهناه أكثر خلال أزمة فيروس كورونا حيث بثت وزارة الصحة بالفعل رسائل توعوية كتثقيف صحي عن كورونا وكيفية الوقاية منه، أما الجانب الثاني المهم من الرعاية الصحية الأولية، فيشمل التطعيمات وهي موجودة وبشكل محترم جدا للأمراض التي لها تطعيمات، وهناك أكثر من 10 أمراض لها تطعيمات مجانية تقدمها الوزارة للمواطنين.

وأضافت، الرعاية الصحية الأولية التي يهتم بها الطب الوقائي، يدخل فيها النظام الصحي السليم في الحياة اليومية، والذي يشمل الغذاء السليم ومستوى أنشطة بدنية معينة مفروض عملها خلال اليوم، هذا فضلا عن الكشف المبكر عن الأمراض، مثلما حدث في مبادرة 100 مليون صحة التي شملت الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة ومنها السكر والضغط والسمنة، ومعهم فيروس سي، لأنه كلما عالجنا المرض مبكرا يكون ذلك أفضل، ولا يترك مضاعفات.

إلا أن أستاذ الطب الوقائي، أشارت في الوقت نفسه إلى أن ما يحتاج لتطوير أكثر هو الترصد، الذي يعني الاكتشاف المبكر للمرضى والمخالطين وعمل قائمة بهم، وتحاليل لنعرف مبكرا من أصيب منهم بعدوى وعلاجه، لافتة إلى أن هناك ترصد وبائي يحدث بالفعل لأمراض كثيرة سواء كانت بكتيرية أو طفيلية أو فيروسية، ومنها الالتهاب الكبدي، غير أن كورونا فرضت أن يكون تطوير أكبر في هذا المجال، بأن يكون هناك فرق عمل منظمة، وعمل على مستوى الفريق لترصد أي وباء جغرافيا، وتغطية كل الأماكن الجغرافية.

وأوضحت أستاذ الطب الوقائي أن ذلك يحتاج لبعض الإمكانيات المادية، وليس البشرية فقط، ففيما يتعلق بالكورونا تحديدا فإن الترصد كان يتم عن طريق "المسحة" و"البي سي آر"، وأظن أن من أهم الدورس المستفادة بعد كورونا، الاهتمام بترصد الأوبئة المخلتفة، وتوفير كل الإمكانيات والأدوات اللازمة لذلك، علما بأن الرصد المبكر يؤدي لاتخاذ إجراءات مبكرة ضد المرض، وهو ما يوفر الكثير على المجتمع ككل، حيث يقلل عدد المرضي والمضاعفات التي تظهر لديهم.

 3- توفير الحماية للفرق الصحية بإعادة الاعتبار لإجراءات مكافحة العدوى

"أماني": يجب تدريس أساليب الوقاية في الكليات الصحية وضمان توفير مستلزماتها في المستشفيات 

تعتقد الدكتورة أماني جمعة، أستاذ الطب الوقائي واستشاري مكافحة العدوى، انه قبل ومع بداية ظهور أزمة الكورونا، كان هناك تقصير على المستويين الأكاديمي في الجامعات، والتطبيقي في المستشفيات، فيما يتعلق بمكافحة العدوى، حيث كان هذا المفهوم شبه غائب من الناحية العملية تقريبا، وجاءت أزمة كورونا لتطرح أهميته بقوة

فعلى مستوى الكليات ذات الصلة بالصحة، وعلى رأسها الطب والتمريض، كما تقول أستاذ الطب الوقائي، لم يكن هناك اهتمام بفرع مكافحة العدوى حيث لم يكن هذا المفهوم يُدرس وإلى الآن هي ليست مادة يتم تدريسها، ولم يكن هناك سبيل لدراستها إلا بعد انتهاء مرحلة الكلية، من خلال دبلومة بالجامعة الأمريكية مثلا، أو عمل ماجستير ودكتوراه في هذا التخصص.

أما من ناحية التطبيق في المستشفيات، فاتضح في هذه الأزمة أن الأطباء كانوا يأخذون 17 جنيها بدل عدوى بسبب قلة إدراك خطورة العدوى، وقد كان هناك فيروسات "سي وإيه وبي" والإيدز، وكان الأطباء يتعرضون للعدوى بها بالفعل، ولكن لأنها كانت اصابات شخصية أو غير متفشية بنفس درجة الكورونا، لم تكن الحكومات مهتمة سابقا بهذا الأمر، ولكن عندما تفشت العدوى بشكل كبير مع جائحة كورونا الحالية بدأت الدولة تهتم، ورفعوا قيمة بدل العدوى لـ 1500 جنيه.

قبل هذه الجائحة الأخيرة، ورغم أنه كانت هناك فيروسات وأمراض كبدية ومعدية، لم تكن "أدوات الوقاية الشخصية" PERSONAL PROTECTIVE EQUIPMENTS متوفرة في المستشفيات، حسبما تؤكد الدكتورة أماني جمعة، حيث كان هناك عجز في الجونتيات الطبية والماسكات، وخصوصا في مستشفيات وزارة الصحة، وحتى مجئ الكورونا كانت بعض مستشفيات الحجر الصحي، وبالذات في البداية، تشكو من عدم وجود ماسكات، وهو ما يفسر أن الإصابات بين الأطباء كانت مرتفعة في بداية الجائحة، وكانت هناك "خناقة" بين الأطباء ووزارة الصحة لتوفير هذه المستلزمات، وقد بدأت تتوفر الآن، وإن كان هناك تخوف من أن تعود الأمور لما كانت عليه بعد انتهاء الجائحة، وهو ما لا يجب أن يحدث.

وأوضحت أستاذ الطب الوقائي أن من حق كل من الأطباء والمرضى ألا تنتقل إليهم عدوى بسبب وجودهم في المستشفيات، مؤكدة على أن ما يضمن ذلك للطرفين هو توفير أدوات الحماية أو الوقاية الشخصية وأدوات التطهير بكفاءة فضلا عن معدات وأجهزة التعقيم، مع إجراء صيانة دورية لها للتأكد من عملها بكفاءة، مشيرة إلى أنه بدون ذلك لن يكون كل من الطبيب والمريض في مأمن، وسنؤدي لتفشي العدوى.

وأكدت أنه لابد أن يكون هناك اهتمام مستمر داخل المستشفيات بمجال مكافحة العدوى، لأن هذا هو الذي يضمن عدم نقل العدوى للأطقم الطبية والمرضى، ومن حق الجميع ألا يصابو بالعدوى، سواء مريض أو طبيب أو ممرض أو عامل في المستشفى، وهو الأمر المنوط بالدولة والحكومات والمؤسسات.

وشددت على أن وجود فرق مكافحة العدوى داخل المستشفيات، لا يجب أن يكون صوريا، مثلما كان عليه الحال قبل الجائحة، وهذا يفرض أن يكون هناك في المستقبل فريق واعي ودارس ومتخصص في مكافحة العدوى، وعمل تقييم واختبارات له، ومرور من الوزارة لمعرفة مدى تطبيق إجراءات مكافحة العدوى من عدمه.

 4- تدعيم صناعة الدواء الوطنية والبحث العلمي الدوائي

رؤوف حامد: نحتاج لتصحيح أوضاع صناعة الدواء المصرية فيما يتعلق بالبحث والتطوير وتصنيع المواد لخام

يقول الدكتور محمد رؤوف حامد، أستاذ علم الأدوية، إنه بقدر إدراك ضخامة أزمة كورونا يكون قدر النجاح في تقييم ما بعدها فيما يتعلق بالدواء، لافتا إلى أن تسارع التطورات المعلوماتية المتعلقة بأزمة كورونا كان أعلى بكثير من إيقاع الاستيعاب الدوائي بواسطة جهود البحث والتطوير في شتى المؤسسات المعنية في العالم بأسره، ذلك بالرغم مما هو معروف بأن الدواء –كمنتج- يعتمد على البحث العلمي.

ويشير "حامد" إلى أن أزمة "كوفيد 19" جسدت قدر "غفوة التصنيع الدوائي والقائمين عليه" في العالم ككل، عن التحسب والاستعداد لمواجهة جائحة فيروسية، بالرغم من مرور العالم بمقدمات وبائية كورونية (من نفس عائلة كورونا) منذ سنوات قليلة، وتحديدا وباء "سارس" (2002) ووباء "ميرس" (2012).

وفي المقابل أكد أنه لابد من الانتباه، ليس فقط إلى أن صناعة الدواء هي صناعة تقوم على البحث العلمي، وإنما أيضا أنه لا يمكن تصحيح أوضاع هذه الصناعة إلا من خلال التمسك بالعلم وبالسياسات التي تقوم عليه. وبمقارنة صناعة الدواء المصرية بصناعة الدواء الهندية، واللتان يتشابهان من حيث النشأة التاريخية، يتضح أن الانفاق على البحث والتطوير في الشركات المصرية، بحسب حامد، لا يتعدى 2% بينما يتراوح بين 9 إلى 22% في الشركات الهندية، كما أن فروع الشركات متعدية الجنسيات المقامة في الهند تمارس أنشطة بحث وتطوير بالتعاون مع الوحدات والمراكز البحثية الهندية، بينما يغيب مثل هذا التعاون في مصر.

ولفت أستاذ علم الأدوية إلى أن الفروقات التي تجسدها الأرقام السابق ذكرها تُبين قدر الفجوة في الأداء بين الصناعتين، مؤكدا في الوقت نفسه أنه من المفترض والمتوقع أن تكون جائحة كورونا بمثابة محفز أو مسرع لعبور صناعة الدواء المصرية لمثل هذه الفجوة، وأن تنطلق إلى ما يمكن أن تنجزه من تقدم يصحح من مسيرتها التنافسية، على أن تكون نقطة الأساس في هذا الانطلاق إدراك حقيقة إمكاناتنا الذاتية (والتي ليست أبدا بالقليلة)، وفي الحفاظ على هذه الإمكانيات وتنميتها.

وأكد "حامد" على الحاجة إلى صياغة توجه سياسي علمي يهدف إلى تصحيح أوضاع صناعة الدواء المصرية، وعلى وجه الخصوص، فيما يتعلق بأنشطة البحث والتطوير، وتصنيع المواد الدوائية الخام، والتخطيط لتعظيم الاستفادة العلمية والتكنولوجية من الاستثمارات الدوائية الأجنبية المقامة في مصر، خاصة أن الشركات الأجنبية تستحوذ على النصيب الأكبر من حجم السوق، (حوالي 60%)، وعلى القيمة المضافة الأعلى فيه. ذلك بينما هي لا تضيف خبرات في المجالات الحرجة، مثل صناعة المواد الخام وأنشطة البحث والتطوير.

ودعا، في هذا السياق، إلى تجنب إلغاء وحل الكيانات العلمية الخاصة بالدواء، مثلما يحدث بخصوص الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، خاصة وأن تمكين هذه الهيئة، باعتبارها كيانا علميا متخصصا، يكون بمثابة دعم مستديم لتصحيح أوضاع وإمكانات صناعة الدواء المصرية (كما حدث في أوقات سابقة)، وكذلك لتحسين الصورة الذهنية عنها في الداخل والخارج.

وأكد أستاذ علم الأدوية، انطلاقا مما سبق، أنه علينا في مصر الإقدام بثقة، وبالاعتماد على الخبرات الوطنية، على إعادة تقييم أوضاعنا الدوائية برمتها، بما فيها سياسة التصنيع الدوائي.

 5-الشفافية ضرورة لتنفيذ الإجراءات الوقائية:

"عزب":حتى يلتزم المواطن بالتعليمات لابد من إتاحة قدر من المعلومات

 "تنفيذ الإجراءات الوقائية بشكل جيد يعتمد على المواطن، وحتى يلتزم المواطن بهذه الإجراءات فإنه لابد من قدر من المعلومات"، هذا ما يؤكده الدكتور أحمد عزب، الباحث في السياسات الصحية، مشيرا إلى أننا لازلنا بحاجة لمستوى من الشفافية أكثر مما هو موجود حاليا.

ويشير "عزب" إلى أنه في الوقت الذي كانت هناك دول عربية أخرى، في ظروف شبيهة بظروفنا أو أقل، تعلن يوميا عن عدد التحاليل الخاصة باكتشاف كورونا التي كانت تجريها، وهو الأمر الذي يمكنا من معرفة عدد الإصابات المؤكدة بالنسبة لمن أجروا لهم التحاليل، فإن ذلك لم يحدث لدينا.

ويتسائل هنا كذلك:لماذا لا تتاح قواعد البيانات الخاصة بالمصابين وحالات الوفاة على موقع إلكترونى مثلا حتى يتاح للباحثين الاستفادة منها والمشاركة فى التقييم وطرح الحلول بدلا من الاكتفاء بالبيان اليومى بشكله الحالي والذى يحتوى على معلومات قليلة جدا، لا تساعد على تكوين رأى أو تحليل.

ويشير في هذا السياق إلى أن "آخر مسح صحي سكانى تم إجراءه يعود لعام 2014، وهى مشكلة كبيرة وخطيرة، ويجب على وزارة الصحة الالتفات لها، وإدراك أهمية مشاركة المعلومات بشكل كامل وبشفافية".

ويضيف لـ"الوطن":"إذا قارنا مثلا بين البيان السعودي والبيان المصري بشأن كورونا، سنجد أنهم في السعودية كانوا يحددون منذ اليوم الأول توزيع الإصابات الجغرافي على المحافظات، والمعدل العمري للوفيات وللإصابات بشكل عام، والتاريخ المرضي، وهو ما لم يكن متوافر لدينا".

وتابع، في المقابل فإنه لدينا فإن قاعدة بيانات الوفيات للعاملين بالقطاع الصحي، لازالت الأرقام متضابة بشأنها،ولا أحد يعرف بدقة حتى الآن كم طبيب وكم صيدلي وكم من طاقم التمريض توفوا، ولا يوجد موقع إليكتروني مثلا عليه هذه المعلومات، والجهة الوحيدة التي تملك المعلومة هي وزارة الصحة المصرية.

وأكد "عزب"، في هذا السياق، أنه لا يمكن لأي باحث التوصل لتحليل مبني على أساس علمي بدون قاعدة بيانات، كما هو الحال مثلا  في قضية فهم الوفيات التي حدثت بين أفراد الطاقم الطبي جراء الوباء، حيث لابد من فهم الأسباب لتلافيها مستقبلا، ومعرفة هل كانت مثلا بسبب ضعف في التدريب أو بسبب وجود أمراض مزمنة لديهم مثلا، لافتا إلى أن وزارة الصحة كانت قد شكلت لجنة لبحث أسباب وفيات العاملين بالقطاع الصحي، وحتى الآن لا نعرف إلى ماذا وصلت إليه هذه اللجنة حيث لم يتم الإعلان عما توصلت إليه من نتائج، مشيرا إلى أنه لكي تكون هناك مسائلة ومراقبة لابد من أن تكون هناك بيانات.


مواضيع متعلقة