أحمد شال الهم بدري.. كفيف يحمل الردش وأدوات المعمار وحلمه "بدلة فرح"

كتب: سمر صالح

أحمد شال الهم بدري.. كفيف يحمل الردش وأدوات المعمار وحلمه "بدلة فرح"

أحمد شال الهم بدري.. كفيف يحمل الردش وأدوات المعمار وحلمه "بدلة فرح"

بخطوات حذرة ويدين تتحسسان الأشياء المحيطة لتحفظ معالم المكان، يغادر أحمد منزله مع شروق شمس كل يوم حاملًا هم التفكير في كسب قوت يومه، بين الحين والآخر تتعثر قدماه في مطبات صناعية عشوائية، ومخلفات ألقى بها أحدهم في وسط الشارع، بات طريق عمله رحلة تحدي يومية يتجلى فيها الخوف من أن يصطدم بشيء أو يقع منكفئًا على وجهه بعد أن حرمه القدر من بصره، يواجه مخاوفه بعزيمة كلما تذكر والديه وإخوته المسؤول عنهم، ينفض غبار اليأس من على قلبه مستعينًا بالله على حمله فتنفك العُقد وتسكن روحه المضطربة من عثرات الطريق قليلًا.

جاء العام الميلادي 2010 حاملا تغييرات جذرية في حياة الشاب أحمد محمد علي، القاطن في جزيرة مطاوع التابعة لمركز أولاد صقر بمحافظة الشرقية، أصيب بضمور في عصب العين حرمه من نور بصره وراثة عن أبيه الفاقد بصره بنفس المرض أيضًا، ضاقت عليه الأرض بما رحبت واضطر لترك الدراسة واتجه إلى العمل في مجال المعمار، "ده المجال اللي أقدر اشتغل فيه رغم صعوبته، مش محتاج خبرة ولا شهادة"، بصوت مستسلم لحاله بدأ الشاب العشريني يروي قصة كفاحه لـ"الوطن".

مهمة شاقة ارتضاها الشيال الكفيف لنفسه، قليلون هم الذين يرضون العمل في مهنة النباء والمعمار، إلا أنه لم يكن أمامه خيارًا سواها، محاطة رقبته بحبل من المسؤوليات، أم عجوز لا تقوى على العمل وأب مسن كفيف لم يملك قوت يومه وأخت صغيرة في مرحلة الدراسة الإعدادية فقدت بصرها هي الآخرى لتلحق بأخيها الأكبر في رحلة الظلام التي سبقها فيها بخطوات طوال.

أحمد: لقيتني مسؤول عن عيلة بين يوم وليلة ونفسي في وظيفة "5%"   

"فجأة لقيت نفسي مسؤول عن أسرة كاملة 3 إخوات أنا أكبرهم وأب وأم"، فبدأ يجوب المشاريع ومواقع البناء متنقًلا بين المحافظات، يعمل في الإسماعيلية فترة ويغادرها صوب السويس، يحمل أجولة الرمل والطوب والأسمنت، وينقل بلاطات الرخام والسيراميك، كلما دبت قدميه أرض جديدة يحفظ معالمها بأنامل يده ويهتدي إلى الطريق بخرطوم ماء أو حبل يفرشه على الأرض من تحته، "لما بروح مكان جديد في الأول بحط خرطوم مياه أو حبل تحت رجلي عشان أمشي عليه للمكان اللي هنقل ليه شكاير الرمل لحد ما أحفظ الطريق"، يستند على أحد زملائه في موقع العمل إذا تعثر في بداية الأمر حتى يألف المكان الجديد.

خمسة وثمانون جنيه فقط هو الأجر اليومي الذي يحصل عليه الشاب البالغ من العمر 28 عاما، بعد ساعات من العمل الشاق والمجهود البدني، يعود منهكا نهاية كل يوم إلى منزله، يدخل عليهم حامًلا أصناف بسيطة من الطعام والشراب، يلبي مطالبهم قدر استطاعته ويدخر جزءًا من مكسبه لإتمام مراسم زواجه التي أرجأتها ظروف الأوضاع الأخيرة في ظل أزمة كورونا وقلة فرص العمل وضيق ذات اليد.

لم يبك الشاب الريفي حاله ولم يجلس ساخطًا على ما أصابه، سعى كثيرًا للحصول على وظيفة ثابتة في أي شركة بشهادة الـ5% التي يخبئها في رف خزانته بأحد غرف منزله البسيط، دون جدوى، يحصل على معاش شهري قيمته 445 جنيها فقط تكفي بالكاد لتسديد إيجار مسكنهم الشهري البالغ 500 جنيه ولم يتبق له منها شيء، "الدنيا غالية وأنا عايز بس أكفي أسرتي وأعرف أتجوز".

أحلامه التي يتقاسمها مع خطيبته بسيطة لا تتجاوز حد شراء بدلة فرح وفستان أبيض يطلان به على أقاربهم وأهل قريتهم في يوم زفافهم، لم يصل سقف أحلامهم إلى شراء أثاث جديد أو شبكة أو مهر كأي عروسين، "مقدرش أجيب شقة هتجوز وأعيش مع أهلي" يتطلع فقط إلى وظيفة ذات دخل ثابث ترحمه من شبح البطالة الذي يكبل فكره أيام طوال حين ينقطع العمل.


مواضيع متعلقة