«وانغ» صينية هزمت وباءين بالعمل: ما أشبه السارس بـ «كورونا»

«وانغ» صينية هزمت وباءين بالعمل: ما أشبه السارس بـ «كورونا»
بين ليلة وضحاها تبدلت الأوضاع، ظهر وباء فتاك، بسببه أصبح المتاح غير ممكن، والمسموح خطرًا، مدينة كاملة تفشى فيها فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19»، جعل من ووهان الصينية، قطعة موبوءة على الرقعة الأرضية، تريد دول العالم مسحها بمن فيها من على الأرض، حتى لا يتسرب هذا الفيروس وينتشر خارجها، قبل أن يحدث ما يخشاه العالم ويصبح كورونا جائحة مركزها «ووهان».
ظنت وانغ لينغ خوا، رئيسة قسم التمريض في مستشفى تانغدو بمدينة لينغوو، الواقعة في غرب الصين، أن أزمة وباء السارس الذي واجهته خلال عملها في القطاع الطبي، والذي انتشر في الصين نوفمبر 2002، وتسبب بأكثر من 8000 إصابة، وأكثر من 800 وفاة، وخرج من الصين إلى دول أخرى، أنه آخر الفيروسات والأوبئة التي ستواجهها خلال عملها في مجال الطب، إلا أنها وجدت نفسها مرة أخرى أمام وباء أكثر شراسة من الفيروس السابق.
مع بداية انتشار فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر، كذبت «وانغ» البالغة من العمر 56 عامًا، الأحاديث التي تسمعها من زملائها في المستشفى عن وجود فيروس جديد من الممكن أن يتحول إلى وباء، «كيف أصدق أن هناك وباءً جديدًا، ليس من السهل تكرار تجربة السارس، وأرى المصابين حولي في كل مكان، وأي أناس يموتون ولا استطيع مساعدتهم».
في مطلع يناير الماضي، بدأت أعداد الإصابات في ازدياد، أعلنت وزارة الصحة الصينة، تحويل مستشفى تانغدو التي تعمل بهه، إلى حجر صحي استعدادا لاستقبال أي حالات، وأُعطي جميع الأطباء والممرضين إجازة، إلا من تطوع في مكافحة هذا الفيروس برغبتهم، وكانت «وانغ»، أحد المتطوعين للعمل في استعداد لمواجهة الفيروس، «لا يمكنني أن اختبئ في منزلي، أنني امتلك خبرة قاربت الـ 30 عامًا في الطب، واعتقد أنها كافية لإسعاف المرضى، ومساعدة الأطباء في عمليات الشفاء».
كورونا لم يختلف كثيرًا عن السارس كلاهما ذو الانتشار المفاجئ
لم تكن أوضاع فيروس كورونا تختلف كثيرًا عن السارس، ذات الانتشار المفاجئ والمرعب بكثرة، تزداد حالات الوفاة كل يوم عن سابقه ويعجز الأطباء عن إيجاد العلاج، «أتذكر خلال فترة عملي خلال وباء السارس كنت حينها في الثلاثين من عمري، كنا نعمل ليل نهار في محاولة شفاء المرضى، وظللت في المستشفى أكثر من 20 يومًا دون الذهاب من المنزل وحينها كانت ابنتي في عمر الـ7 سنوات، وكنت أتركها برفقة والدها لإتمام واجبي تجاه وطني».
أما عن أزمة فيروس كورونا المستجد، والذي تسبب في إصابة ما يقرب من 84.895 حالة في الصين، ووفاة 4.634 مواطنا، كان أكثر سوءًا مما تعتقد «وانغ»، «خلال أيام قليلة امتلأ المستشفى بالمرضى، ولم يعد هناك أي موطيء قدم لأي مريض، كانت الإصابات تنتشر سريعًا، والتدهور يكون أسرع، كنا نجري في كل الاتجاهات الطبية بهدف إسعاف الحالة، هناك من كان يتعافى على بعض المضادات الحيوية، وآخرون تتحسن حالتهم على أدوية الملاريا».
أكثر من 50 يومًا قضتهم «وانغ»، داخل جدران المستشفى، تعمل لما يقرب من 16 ساعة يوميًا مع الفريق الطبي لإسعاف المرضى، كانت الاتصالات الهاتفية هي وسيلتها في التواصل مع أسرتها، كانت تستشعر الخوف في أصواتهم، إلا أنها كانت تطمئنهم أنها تكافح في المستشفى لأجل حمايتهم، وتنصحهم دائمًا في الحفاظ على أنفسهم واتباع جميع الإجراءات الوقائية.
«كنت أعتبر الأطباء والممرضين كأبنائي»، فكانت أكبر أفراد الطاقم الطبي سنًا، فجميع المتطوعين في المستشفى أعمارهم تتراوح ما بين 19 إلى 30 عامًا، وتخشى عليهم من الإصابة، وتفكر في المستقبل الذي ينتظرهم، فكانت توجه لهم الدعم المعنوي وتخبرهم أن المحنة ستمر، وتوجه لهم النصائح بأهمية الحفاظ على أنفسهم من الإصابة وكيفية التعامل مع المرضى.
وانتهى الحجر الصحي في المستشفى، وتتجه «وانغ»، لمنزلها مرة أخرى بعد غياب لفترة طويلة، وأخذها التفكير في أسئلة كثيرة، ماذا لو التقطت العدوى من أحد المصابين، «ماذا لو كانت سببًا لنقل الفيروس لأحد أفراد أسرتها، انتهى الطريق ولم تنتهِ الأسئلة، ولم تصل إلى إجابات، لتصل منزلها، وتجد أسرتها مجتمعة لاستقبالها، لم نتمالك أنفسنا وكنا نبكي فرحًا باللقاء مرة أخرى، وتحدثنا كثيرًا عما حدث طوال الفترة الماضية، لما شهدوه وما عشته».
مسيرة «وانغ» في العطاء لم تتوقف على الحجر الصحي فقط، فتطوعت مع الأطباء والممرضين الشباب، للعمل مع الفرق الطبية المرافقة للجان الإدارية، والتي تشرف على أبواب المجمعات السكنية والأماكن العامة لقياس درجة حرارة المواطنين، أو تقديم أي خدمات طبية تحتاجها اللجان، كما أنها سجلت نفسها احتياطيًا في سجل الحجر الصحي إذ وجدت أي حالة استدعاء لتمريض يتم استدعاؤها.
تعاون الشعب الصيني مع الدولة كان سببًا في إحراز تقدم كبير وسريع في احتواء أزمة «كوفيد - 19»، فالمواطنين نفذوا تعليمات غلق المدن والعزل المنزلي وارتداء الكمامات، و«كذلك الحكومة الصينة بذلت كل طاقتها ولم تبخل بأي شيء لإنقاذ الأرواح فتكاليف علاج الحالة الخطرة وصلت لـ200 ألف يوان صيني، بينما الحالات العادية 50 ألف يوان، وهو ما وفرته الدولة للمواطن للحفاظ على حياته».