التاريخ المجهول مع عظيمات من مصر.. د. هدى زكريا (٤)

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

حملت الكلاشينكوف على كتفها وتحمّلت قسوة الضابط الذى يدربها لرغبتها الحقيقية والصادقة للمشاركة فى القتال وحرب الاستنزاف.. كانت طالبة جامعية لبّت دعوة التدريب فى الدفاع الشعبى للطالبات والفتيات.. وبلغت حداً معقولاً فى التصويب الصحيح.. لكن كان ذلك لإعداد الجبهة الداخلية لأى طارئ.. ولم تنَل شرف المشاركة فى المعارك.. لكن أيضاً كان ذلك سبباً ليلفت نظرها للجيش المصرى.. دوره وبنيانه وتركيبته.. ومن هنا كانت البداية..

سألوها فى أحد البرامج التليفزيونية لماذا يحظى هذا الرجل بكل هذا التفويض والحب؟ كان المقصود الرئيس السيسى، وكان وقتها فريقاً ووزيراً للدفاع لم يُنتخب رئيساً بعد.. قالت على الفور: لأنه يملك مفاتيح هذا المجتمع! وهذا ما نُطلق عليه «السهل الممتنع» الذى لا يقدر عليه إلا الرجل الوطنى الحقيقى.

كانت الإجابة مقدمة لاسترسال طويل عن الجيش العظيم.. تاريخه ودوره.. تميّزه عن جيوش بلادنا العربية والأفريقية والعالم الثالث، بل والعالم كله.. أثار الاسترسال انتباه من فى الاستوديو ومن فى الكنترول ومؤكد المشاهدين، وكان من بينهم قادة عسكريون بالجيش العظيم، فكان أن دعوها لتتحقق واحدة من أهم أمنياتها فى حياتها كأول سيدة تفعل ذلك.. أن تُحاضر لضباط القوات المسلحة.. وقد كان!

علم الاجتماع السياسى أحد أفرع العلوم السياسية.. والاجتماع العسكرى أحد تخصّصات الاجتماع السياسى.. وفى الاجتماع العسكرى تخصّصت الدكتورة هدى زكريا.. ولذلك كان منطقياً لمتخصصة مهمة أن تلمح محاولات تشويه الجيش العظيم من قوى خبيثة وخسيسة تتربص بقواتنا المسلحة وبمصر طبعاً.. وتدرك أن قوة صلبة تحمى هذا الوطن وشعبه ومن أجل تحقيق هدفها فى القضاء على مصر وإضعافها وتفتيتها لا بد أولاً من القضاء على جيشها!

سجّلت الدكتورة هدى حركة الجيوش فى بلدان كثيرة، وكيف أنها لعبت دوراً سلبياً تجاه شعوبها لأنها تشكلت أصلاً من مرتزقة، أو من طوائف عرقية أو إثنية وهو ما لم يحدث على الإطلاق فى الجيش المصرى.. لكنها ترى أنه للأسف تم إسقاط هذه الصفات على جيشنا، وأن البعض ممن قرأ فى هذا التاريخ وبفعل حملات الإعلام المعادى قام باستدعاء الملامح الاجتماعية للجيوش الغربية وأخذ يطبّقها على الجيش المصرى!! وهم لا يدركون أن تكوين هذا الجيش جاء من داخل نسيج الوطن المتماسك إلى حد السبيكة الواحدة، ولا انتماء له إلا لمصر.. فلا انتماء لقبيلة ولا لطائفة ولا لمذهب ولا لجهة أو إقليم ولا لطبقة.. مصر فقط!

تتذكّر الدكتورة هدى، وبالطبع لن تنسى ذلك أبداً كيف فوجئت ذات يوم باتصال هاتفى من اللواء عصمت الزيادى، مدير الكلية الحربية يبلغها بقرار وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى بأنه تم تغيير قواعد الكلية الحربية بحيث تدخل سيدة للتدريس بها، بناءً على طلب المدير والقادة العسكريين كحادث فريد من نوعه! وتتذكر كيف كانت أول محاضرة «ملامح الشخصية المصرية»، ثم انشغل وقتها بالتفكير فى طرح مجموعة أفكار لمحاضرات قادمة، منها محاضرة بالشئون المعنوية بعنوان «الجيش فى قلب الضمير الجمعى»، وبعدها كانت موضوعات أخرى شديدة الأهمية عن «الخصوصية التاريخية للمؤسسة العسكرية المصرية»، وعن «الدور التنموى للجيش المصرى»، وهى كلها مع غيرها مما قدمته موضوعات غاية فى الأهمية تستحق أن تكون محلاً للتدريس فى كل جامعات مصر، وأن يتم تبسيطها للعامة من شعبنا ضمن جهود التصدى لإعلام الشر المتربّص بالجيش العظيم ودوره ودور أبنائه من أحمد عرابى حتى اليوم، مروراً بثورة يوليو، ووصولاً لثورة 30 يونيو!

تؤمن الدكتورة هدى بأن اللغة أساس الهوية، حتى إنها تلاحظ أن بعض الناس، خاصة الأطفال يتحدثون باللغة الإنجليزية وعدد من المذيعات يتحدثن بلغات مختلفة، وكذلك عناوين المحلات تُكتب باللغة الإنجليزية، مضيفة أن هناك رغبة فى الاستعراض الطبقى تجعل لدى الناس تصوراً بأن من يتحدثون باللغة الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية هم من الطبقة العليا وأن هناك وضعاً طبقياً يترسخ ويظهر فى اللغة وأن الأشخاص الذين يتحدثون بلغات أخرى ويتعاملون بها فى حياتهم اليومية يفتقدون الهوية المصرية، حيث يجب الحديث باللغة العربية والقدرة على التعبير بها حتى لا تسقط اللغة، لأنها إذا سقطت تسقط الهوية معها! موضحة أن اللغة وعاء الفكر، ومن ليست عنده اللغة قوية تكون أفكاره ضعيفة، مضيفة أنه يجب أن يتعلمها الأطفال والطلاب فى المدارس للحفاظ على اللغة.. وتتذكر عندما كانت فى مطار باريس، حيث تحدثت مع مواطن فرنسى، وقالت له إنها تتحدث الإنجليزية والقليل من الفرنسية لا تستطيع التعبير به، وكان رده أنه يعرف الإنجليزية جيداً، ولكن لن يتحدث إلا بلغته الوطنية!

تنتقد بعنف الشيخ الراحل عبدالحميد كشك إمام وخطيب أحد مساجد حدائق القبة فى السبعينات والثمانينات، وظلت أشرطته متداولة، خصوصاً عند بعض البسطاء حتى اليوم.. وتصف الشيخ بأنه كان سبباً فى انحطاط الذوق العام لهجومه على الفن!

تستهجن الدكتورة هدى كما نستهجن دائماً تكرار الحديث فى مصر عن نكسة 67، وتعتبرها كما نعتبرها دائماً وحذّرنا عشرات المرات محاولة لترسيخ فكرة الهزيمة فى مجتمعنا وعند أجيالنا الجديدة، وتؤكد أن حرب الاستنزاف مثلاً التى تلت النكسة مباشرة وأكدت عدم انكسار الإرادة المصرية تسبّبت فى تغيير المفاهيم الحربية والعسكرية عند إسرائيل، وأكدت لهم أن مجتمعهم قابل للهزيمة وللانكسار، فغيّروا طريقة وشكل التجنيد!

ترصد استغاثة المصريين برجال الجيش فى التحرير فى 2011، واللجوء إليه فى 2013، وهو ما لا يوجد فى أى مكان بالعالم، حيث يعتبرون الجيش هناك طريقاً صعباً، بينما يعتبره المصريون الملاذ الآمن دائماً!

ترى أن الرئيس السيسى يبذل جهداً خارقاً ليسترد أفريقيا التى احتضنها جمال عبدالناصر، وأن الرئيس سيسترد هذا المجد المصرى فى أفريقيا من جديد!

صراحة تعلنها الدكتورة هدى أنها شعرت بالغيرة من الرجل المصرى الذى يمكنه حمل السلاح والدفاع عن بلده بينما هى لا.. وربما يكون ذلك سبباً فى تعويضها بدراسة الاجتماع العسكرى..

تفتخر بأنها تعلمت على يد الدكتورة حكمت أبوزيد أول وزيرة مصرية، التى اختيرت للشئون الاجتماعية فى الستينات، لكنها ظلت تدرس أو عادت للجامعة فى ما بعد المنصب الوزارى كما تفتخر بما تعلمته من عالم الاستراتيجيات والجغرافيا الكبير الراحل جمال حمدان، وكيف تعلمت منهما حب الوطن والوعى بدور مصر التاريخى والسياسى بالمنطقة، وأنها صمام الأمان الدائم فى الوطن العربى رغم أى مخاطر أو جراح!

الدكتورة هدى واحدة من عظيمات مصر.. التى رغم ظهورها كثيراً بمختلف وسائل الإعلام فإن ذلك لا يكفى.. هذه السيدة العظيمة والعالمة الجليلة التى تؤمن من بين ما تؤمن بأن «الجيش العظيم هو الفئة الاجتماعية الوحيدة التى تستطيع القيام بفعل سياسى منضبط «يجب أن تخاطب الناس بانتظام وينتظرونها بانتظام أيضاً، خصوصاً ونحن فى مناخ سياسى يصدر للناس عكس ذلك، وتتعرض فيه مؤسساتنا الوطنية لأسوأ هجوم فى التاريخ، كما أن التاريخ نفسه يتعرّض لتزييف كبير من فضائيات معادية وأخرى من داخل البلاد تستهدف أساساً مؤسستنا العسكرية..