إيران والتكنولوجيا النووية (4)

تحدثنا فى أول مقالة عن أن إيران فى عام1975 أصبحت شريك فى شركة EURODIF يوروديف لتخصيب اليورانيوم فى فرنسا بنسبة10% ، لكن بعد الثورة الايرانية وتحت الضغط الأمريكى وضغط اللوبى الصهيونى، لم تعترف الشركة بإيران كشريك، وكذا لم تسترد إيران قرض المليار دولار الذى منح للشركة، ولم تحصل ايران على حصة من انتاج الشركة من الوقود النووى، وهو50 طن من اليورانيوم التى تعهدت بها فرنسا، وكذلك لم يسمحوا لإيران بأن تشارك فى تطوير التكنولوجيا الخاصة بتخصيب اليورانيوم. فى عام 2003، جرى الاشتباه في استخدام مركز"لافيزان شيان" Lavizan للأبحاث الفيزيائية للتجارب على تخصيب اليورانيوم، وفى الفترة ما بين أغسطس 2003 الى مارس 2004، كان قد تم هدم جميع المبانى القديمه فى المركز، وجاءت نتيجة تحليل العينات البيئية التى اخذها مفتشى الوكالة سالبة، فلم تظهر أى أثر للإشعاع فى المنطقة، وقد تحول المركز اليوم إلى متنزه، وكانت أمريكا تتهم إيران بإزالة جزء كبير من التربة السطحية من الموقع واستبدالها بطبقة جديدة من التربة، فى محاولة منها لتغطية أنشطتها النووية السرية. فى عام 2004، قامت إيران بتطوير منجم "ساغند"Saghand ، وفى مارس 2005، بدأ العمل فى المنجم وهو يعتبر أول منجم لخام اليورانيوم فى إيران، ويقدر المخزون بحوالى 1.58 مليون طن من خام اليورانيوم ونسبة التركيز حوالى ppm 553 (جزء فى المليون)، والمنجم على مساحة من 100 الى 150 كيلومترمربع، وتبلغ قدرة المنجم الانتاجية حوالى 50 طن من خام اليورانيوم سنويا، ويتم معالجة المنتج الخام فى محطة "آردكان" Ardakan، وتحويله الى الكعكة الصفراء Yellow Cake. رتبة منجم اليورانيوم تعتبر عالية عندما يكون تركيز خام اليورانيوم 20%، أى 200,000 ppm، وعندما تكون نسبة تركيز خام اليورانيوم فى المنجم 0.1% ، أى 1000 ppm، يعتبر المنجم ذات رتبة منخفضة، وحينا يكون التركيز 0.075%، أى 750 ppm ، فى هذه الحالة يعتبر استخراج الخام من المنجم غير اقتصادى، وفى حالة منجم "ساغند" نجد أن التركيز 0.0553%، أى 553 ppm، مما يدل على أن إيران أرادت أن تعتمد على ثرواتها وتدعمها مهما كان الثمن، وذلك نظرا للعقوبات المفروضة عليها. الكعكة الصفراء Yellow Cake (يورانيا)، هى المرحلة الأولى فى مراحل دورة الوقود النووى، حيث يستخرج الخام من المنجم Mining، وعن طريق الكسارات والمطاحن Milling يحول الى مسحوق، ثم تتم المعالجة بمحاليل أحماض مركزة لاستخلاص اليورانيوم، وبعد التصفية والتجفيف نحصل على الكعكة الصفراء، وهى غير قابلة للذوبان فى الماء وتنصهرعند درجة حرارة حوالى 2880 درجة مئوية. من بين مركبات الكعكة الصفراء نجد العديد من أكاسيد اليورانيوم، منها ثامن أكسيد اليورانيوم الثلاثى U3O8 الذى يشكل 80%من وزنها، وهناك أكاسيد أخرى مثل ثانى أكسيد اليورانيوم UO2 و ثالث أكسيد اليورانيوم . UO3 مفاعل طاقة نووية لإنتاج الكهرباء من نوع الماء الخفيف LWR، وذات قدرة 900 ميجاوات كهربى يحتاج سنويا ما يقرب من 190 طن من الكعكة الصفراء، لانتاج الوقود المخصب لتشغيله. فى عام 2004، قامت إيران بتطوير منجم "غاشين" Gchine، والمنجم يحتوى على درجات مختلفة من تركيز الخام ومنه المنخفض، والخام يقع بالقرب من السطح، فهو عبارة عن حفرة مفتوحة، وكمية الخام المستخرجة سنويا تكفى لانتاج حوالى 21 طن من الكعكة الصفراء Yellow Cake، وهو كمية غير كافية لتلبية المتطلبات السنوية لمحطة طاقة نووية قدرة 1000 ميجاوات، فالمحطة تتطلب ما يقرب من 210 طن من خام اليورانيوم الطبيعى لانتاج ما يقرب من 25 طن من اليورانيوم منخفض التخصيب، وهى ثلث شحنة المفاعل من الوقود النووى والتى يتم تحميلها كل عام. إذا كان منجم "غاشين" Gchine ينتج كمية صغيرة من اليورانيوم، لكنها تكفى على الأقل للحفاظ على تشغيل محطة أصفهان لتحويل اليورانيوم الطبيعى (الكعكة الصفراء) الى غاز سادس فلوريد اليورانيوم UF6. قام مفتشين من الوكالة بالتفتيش على منجم "غاشين" يوم الاربعاء 29 يناير 2014، والذى لم يخضع للتفتيش منذ عام 2005. من المعروف أن إيران كانت قد حصلت فى منتصف عام 1970 على 600 طن من "الكعكة الصفراء" من جنوب أفريقيا، وتقرير الوكالة فى نوفمبر 2008، ذكر أن إيران قد استهلكت أقل من 70% من الكمية التى حصلت عليها من جنوب أفريقيا. فى أغسطس 2006، تم تشغيل محطة إنتاج الماء الثقيل Heavy Water فى "اراك" Arak ، وكان قد بدأ البناء فيها عام 2001، وانتاج المحطة يقدر بـ 16 طن من الماء الثقيل فى العام، والذى سيستخدم فى محطة "آراك" النووية IR-40، وشحنة الماء الثقيل لمفاعل IR-40 تقدر بحوالى 85 طن، والكمية السنوية المطلوبة من الماء الثقيل كتعويض للمحطة تقدر بحوالى 1 طن، وكانت الصين هى المورد للماء الثقيل لإيران، حيث وجد 30 طن من الماء الثقيل فى مجمع آصفهان النووى فى عام 2009. الماء الثقيل D2O (أكسيد الديوتيريوم) يستخدم فى المفاعلات النووية التى تستخدم اليورانيوم الطبيعى (غير مخصب) فى تشغيلها، حيث نسبة اليورانيوم U235 تقدر بـ 0.7%، وذلك لمقدرته على المحافظة على النيترونات الخارجة من التفاعل النووى داخل قلب المفاعل، فهو يستخدم كمهدئ للنيترونات الخارجة من الانشطار النووى ( يقوم بامتصاص جزء من طاقة حركة النيوترونات فتنخفض سرعتها)، حتى تستطيع الدخول مرة أخرى فى التفاعل المتسلسل، والتكاليف السنوية للماء الثقيل تقدر بـ 10% من تكاليف تشغيل المحطة النووية. يوم 6 مارس 2007، اعلنت ايران انها كانت بدأت فى بناء محطة للطاقة النووية محلية الصنع بقدرة إجمالية 360 ميجاوات فى "دارخوين" Darkovin، وفى مايو 2013 كان قد صرح بأن الخبراء الايرانيين قاموا بتصميم مفاعل يعمل بالماء الخفيف قدرة "صافى" 330 ميجاوات فى "دارخوين"، وفى مايو 2014 صرحت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية إنها أحرزت تقدما فى هذا المشروع، وقد طلبت الوكالة معلومات عن تصميم المفاعل، ولكن حتى أوائل عام 2013 على الأقل، لم تحصل الوكالة على هذه المعلومات، ومن المقرر أن يتم تشغيل المفاعل عام 2016. كانت كل من إيران والصين قد وقعوا اتفاقية عام 1992، تقوم من خلالها الصين ببناء محطتين نوويتين فى موقع "دارخوين"، قدرة الواحدة 300 ميجاوات من نوع الماء الخفيف المضغوط، وهى محطات مشابهة للمحطة التى قامت ببنائها الصين فى باكستان، لكن الصين انسحبت عام 1995 من تنفيذ المحطتين نتيجة الضغوط الأمريكية. كما سبق وأن وافقت فرنسا (شركة فرام اتوم Framatome ) فى 13 مايو 1977 على بناء مفاعلين نوويين من نوع الماء الخفيف المضغوط، قدرة الواحد 900 ميجاوات فى "دارخوين"، وفى 16 يونيو 1977، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بمنح مبلغ يقدر بـ 2 مليار دولار للشركات المشاركة فى المشروع، لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979 انسحبت فرنسا من تنفيذ المشروع، وتم مصادرة مكونات المحطتين، وتم استخدام هذه المكونات فى بناء الوحدتين النوويتين رقم 5 و 6 فى موقع Gravelines "جرافلين" النووى بفرنسا، وتم دخولهما الخدمة لتوليد الكهرباء عام 1985. فى 16 أكتوبر 2007، زار الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" إيران، وقد نجحت هذه الزيارة فى نقل العلاقات الروسية-الإيرانية إلى مستوى التعاون الاستراتيجى، واعتبرت "زيارة تاريخية أدت إلى تقوية وإنعاش العلاقة بين البلدين على كافة الأصعدة". فى 16 ديسمبر2007، بدأت روسيا فى توريد الوقود النووى لمحطة بوشهر الإيرانية، وانتهت فى يناير 2008 من تسليم الشحنة الثامنة والأخيرة، ليبلغ إجمالى ما تسلمته إيران 82 طن من الوقود النووى، وقد تم الانتهاء من البناء فى مارس 2009. كما واصلت كل من أمريكا وإسرائيل تهديداتهم بشن هجوم عسكرى على إيران، لإجبار إيران على وقف عمليات تخصيب اليورانيوم، وتقدمت موسكو بإقتراح لتخصيب اليورانيوم الإيرانى فى روسيا، لكن إيران رفضت هذا الإقتراح، ثم توالت التصريحات الأمريكية والإسرائيلية حول توجيه ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية. والى أن نلتقى فى الجزء الخامس، اترككم فى رعاية الله.