«الرقية الشرعية» بكام النهارده؟
قبل نحو 20 عاماً كنت أعمل بجريدة «الفجر»، التى يترأس تحريرها الكاتب الكبير «عادل حمودة»، وفى مدرسة «حمودة» الصحفية المغامرة والسبق هما رأس الحربة فى كشف الحقيقة للقراء، فوجئت بتحقيق مصوَّر (كانت كاميرات الموبايل حديثة آنذاك)، صوَّرته محررة شابة «خلسة» وهى تتفاوض مع الشيخ «يوسف البدرى» حول ثمن ما يسمى «الرقية الشرعية»، وخفضت المبلغ من 400 جنيه إلى 100 جنيه تقريباً (!!).
بعد النشر هاج «البدرى» ورفع دعوى قضائية ضد الجريدة كعادته مع كل وسائل الإعلام، (التى يتربح منها)، وفى عام 2013 كانت فضيحته مدوية، فى برنامج «صبايا الخير»، الذى كانت تقدمه المذيعة «ريهام سعيد» على قناة «النهار».
قررت «ريهام» أن تسجل «كواليس الحلقة»، وعادة لا يمكن عرض الكواليس إلا بموافقة الضيف المسبقة فتبدو مفتعلة، أو تعرض الكواليس فى «البرومو» أيضاً مع الالتزام «أدبياً» بموافقة الضيف.. لكن «ريهام» ضربت بأخلاقيات المهنة عرض الحائط، لتكشف لنا الحيل والألاعيب التى يتقنها صناع الخرافة وتجار الدين.. وخلال كواليس اللقاء، التى لم يكن يعلم الشيخ بتسجيلها، طلب من مقدمة البرنامج ارتداء الحجاب للجلوس معه، (لا أدرى لماذا هل لأن الإخوان استولوا على حكم مصر؟ أنا شخصياً حاورته، فى برنامج «ست الستات» الذى أُذيع على قناة «روتانا»، ومعى خمس نجمات دون حجاب)، المهم ظلت «ريهام» مصرة على عدم ارتداء الحجاب باعتباره «تمثيلية» أمام الكاميرا.. لكن «البدرى» أخبرها أن شكلها هكذا أفضل!
بعد بداية اللقاء بوقت قليل ثار «البدرى» عندما سألته عن مدى شرعية وضع الشيخ ليده على رأس الفتاة خلال زيارتها له للعلاج.. انفعال «البدرى» استفزها هى الأخرى فخلعت الإيشارب، وبدأت «وصلة ردح» محترمة عايرته خلالها بتقاضيه مبلغ ألف جنيه من القناة، وأنهت الفقرة سريعاً، فيما وضعت القناة على موقع يوتيوب شريط فيديو لما حدث.
البعض اعتبر أن الواقعة هى كشف لزيف رجال الدين.. بينما رأى بعض «المسهوكين» أنها استغلال لعمر الشيخ المتقدم فى السن، والذى أقام دعوى بالفعل لإغلاق القناة.. كعادته مع كل مخالفيه فى الرأى.
لماذا تذكرت هذه الوقائع الآن؟.. شاب فى مقتبل العمر مشهور، يوتيوبر (اعتبرها مهنة مستحدثة)، توفى فجأة بعد إصابته بجلطة فى المخ، إنه «مصطفى حفناوى»، الذى أثار الجدل على وسائل التواصل الاجتماعى حول أسباب وفاته، ما بين الحسد، والتشخيص الخاطئ، وتناوله عقاقير منشطة بسبب ممارسته للرياضة.
«الغلام» المعروف بإشاعة الفتنة والاحتيال على عقول البسطاء أخذ يكتب على «الفيس بوك» عن سبل الوقاية من الحسد وكأنه فتح «صيدلية شرعية»، لكنها وسيلة لجذب مزيد من المجاذيب الذين تفتنهم مجانصه، وتستهويهم مغامراته من المنع من الشاشات إلى وقفه عن العمل، إلى هجومه على النساء وتكفيره للأقباط.. قل إنه صنف جديد من «المخدرات الشرعية»!.
أما أصدقاء «حفناوى» فشنوا هجوماً غير مبرر على الأطباء والمستشفى نفسه، وبينهم من صوَّر الطبيب خلسة (وهى جريمة يُعاقب عليها القانون)، بينما اشتعلت التدوينات حول منشورات «حفناوى» التى تؤكد أنه كان قبل سبع سنوات من أنصار الإخوان ومؤيديهم بشدة.
لا يملك أحد الآن أن يحاكم «حفناوى» على انتماءاته السياسية حين كان صبياً، ولا أن يحاسبه على الإطلاق لأنه بين يدى الرحمن.
لكن فى قلب هذا الصخب والضجيج توقفت طويلاً أمام تصريحات «أحمد جبر»، الذى يلقب نفسه بأنه «معالج روحانى وصاحب حملة تنظيف المقابر»، وهى بمثابة شهادة على أن هذا العالم فقد عقله.. وأن مقولة «العقل زينة» لم يعد معناها إخضاع كل الأشياء فى حياة الإنسان لميزان العقل، أو الاعتراف بأهمية المنطق فى الحكم على الظواهر المحيطة بنا بالنفى أو الثبوت.. وإنما تعنى الغياب التام للعقل فى تفسير واقع حياتى نعايشه كل يوم، وهو «الموت»، خاصة ونحن أمام شخص تم فحصه من قِبل المختصين «علمياً لا مؤاخذة» وهم الأطباء، وتحديد أسباب الوفاة!.
بقول المعالج الروحانى، (وهى صفة لا وجود لها أصلاً)، إن اليوتيوبر «مصطفى حفناوى» غير مصاب بأى نوع من أنواع السحر.. إشجينى هو «السحر» أيضاً يؤدى إلى الموت (يعنى رِجل نملة عاقر على عُرف ديك أحمر ندفنهم فى المقابر فيموت أعداؤنا؟).
ويضيف «جبر»، عبر حسابه الشخصى على «فيس بوك»، أنه ذهب للمستشفى الذى يرقد فيه «مصطفى»، وتأكد من عدم وجود طاقة سحر أو خادم سحر لديه.. على حد قوله (!!).
ويقول العلامة فى فنون الجان وتسخير الخدام والحسد القاتل للأنام: (ما طلعتش من الغرفة غير وأنا متأكد إنه مفيهوش طاقة سحر أو خادم سحر، وكمية الحسد اللى فى مصطفى خلتنى اتخنقت وكنت ببكى، وأنا نفسى تعبت من كتر الحسد الموجود فى جسمه)، على حسب زعمه.
السؤال المنطقى أن تقول: كيف سمحت إدارة المستشفى له بالدخول ليرقيه داخل غرفته؟ وهل يتسق الطب مع الرقية؟!.. هذا إن كنت أمام ظاهرة طبيعية تخضعها للعلم وللعقل.. لكن الحقيقة أنك أمام بعض المرتزقة الذين قرروا الاتجار بوفاة شاب مسالم، لتكريس «الخرافة» وحصد الشهرة والثروة.. وبالتالى فلا أساس لأسئلة منطقية، تستطيع أن تلعن من شهَّر بالمتوفى أو تاجَر به، وتسب المشعوذين الذين يتلاعبون بالقرآن والسنة، ليحولوا الإسلام إلى طاقة وهمية من السحر والحسد وخدام الجان، يتدخلون فى قضاء المولى عز وجل وقدره.. وكأن الحسد أو السحر -حاشا لله- يُحيى ويميت.
لكن السؤال الذى كان لا بد أن يجيب عنه «أحمد جبر»: بكم «الرقية» اليوم؟