أفغانستان مرة أخرى

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

أدرك بحكم الوقائع أنها كانت إحدى نقاط الارتكاز التى اعتمدت عليها خطة الإدارة الأمريكية فى منتصف سبعينات القرن الماضى، لتفتيت إقليم الشرق الأوسط عبر خلق صراعات عقائدية بين طوائفه فى الدولة الواحدة من جانب، وبين إحدى دوله ودولة أخرى من جانب آخر، فكما حكم الملالى إيران، فأثاروا الرعب من الشيعة بين السنة وأجّجوا الصراع معهم، كانت الحرب السوفيتية فى أفغانستان وسيلة لدق مسمار آخر حققت به واشنطن أكثر من هدف. كان أبرزها نصب فخ لموسكو، عدوها اللدود -وقد كانت تلك الحرب بالفعل أكثر عوامل هدم الاتحاد السوفيتى وإضعافه حتى انهياره عام 1991-، كما تحولت أفغانستان لمنطقة جذب للمتطرفين من كل الدول ذات الأغلبية المسلمة من المخدوعين بتعريف زائف للجهاد فى الإسلام. فانطلقت الجحافل من كل بلد نحو أفغانستان لإنقاذها من الملاحدة السوفيت، وفتحت الدول العربية أبوابها عن إذعان أو جهل أو استفادة لتحتضن السى أى إيه آلاف الأسماء التى تحولت بمرور الوقت إلى رموز فى عالم التكفير لها باع وشأن -لعل أبرزهم أسامة بن لادن والظواهرى، المؤسسان لتنظيم القاعدة فيما بعد.

يكفى أن تشاهد فيديو شهيراً للرئيس الأمريكى السابق جيمى كارتر وهو يتحدث للأفغان مسمياً إياهم بالمجاهدين الذين يواجهون القوة العسكرية الملحدة وكيف أن الولايات المتحدة تساعدهم ليحققوا النصر للإسلام، ثم تشاهد مستشاره للأمن القومى بيرجينيسكى مخطط التفتيت وهو يهبط من طائرة أمريكية أقلته إلى جبال أفغانستان ليتحدث مع بعض القبائل الموجودة هناك من أن أمريكا ستعيدهم إلى أرضهم المنهوبة من الملحدين؟!! لتدرك حجم الخديعة التى تم بها تغييب الكثيرين منذ وقتها إلى يومنا هذا.

بينما الواقع يقول إن أفغانستان كانت تحكمها حكومة شيوعية تدين بالولاء للسوفيت فى تلك الفترة لولا المظاهرات التى اجتاحتها، فاستنجدت بموسكو التى خشيت التورط فى البداية، ولكنها تدخلت تحت إلحاح حليفتها فى كابول. لترسل مقدمات الجيش السوفيتى لأفغانستان من أبناء جمهورياتها الإسلامية، وارتدوا ملابس أفغانية ليبعدوا عن أنفسهم تهمة حرب الأفغان وذلك لقرب ملامح سكان تلك الجمهوريات مع الأفغان. وهو ما تدرك معه عبثية المشهد الذى كان الدين هو محوره، بينما الدين براء من تخطيط الشياطين. ولتدخل أفغانستان من يومها فى نداهة التخلف والتطرف والإرهاب والانهيار.

ما السبب وراء الحديث عن أفغانستان مجدداً؟

السبب خبر نشره موقع «دويتش فيله» الألمانى يوم الأحد الماضى يتحدث عن إطلاق السلطات الأفغانية سراح 400 من سجناء حركة طالبان «المتشددين»، قال الخبر إن هؤلاء السجناء يمثلون آخر مجموعة من بين خمسة آلاف سجين كانت الحركة طالبت بالإفراج عنهم بموجب اتفاقها للسلام الموقع مع الولايات المتحدة منذ عدة أشهر برعاية قطرية. وهو ما كتبت عنه مقالاً لتحليل العلاقة بين تمدد الإخوان وجماعتهم المتطرفة من قطر لأفغانستان وبين سلام واشنطن مع طالبان.

المثير فى الخبر المنشور هو ما يتعلق بتبرير الإفراج عن تلك المجموعة المتشددة بالقول إنه كان أحد شروط طالبان لتفعيل اتفاق السلام مع الولايات المتحدة الأمريكية؟! المفرج عنهم ليسوا فقط من المتشددين من طالبان، ولكنهم كانوا متهمين، وفقاً للخبر، بتنفيذ أكثر الهجمات دموية فى أفغانستان وهو ما يؤكده تقرير الأمم المتحدة التى ذكرت سقوط أكثر من 10 آلاف أفغانى بين قتيل ومصاب من جراء تلك العمليات فى عام 2019 فقط! ليكون السؤال عن أى سلام تتحدث الولايات المتحدة وطالبان بإطلاق سراح هؤلاء المجرمين؟

هنا لا بد من استرجاع تقرير مخابراتى كانت روسيا قد نشرته فى عام 2017 عن عودة أفغانستان لجذب آلاف المتطرفين فى العالم مرة أخرى من كل الجنسيات، يدعمهم فى ذلك تراجع وجودهم فى العراق وسوريا. ليأتى خبر توقيع السلام بين واشنطن وطالبان برعاية قطرية ليثير الشكوك حول نية المجتمعين حول اتفاق سلام يشترط لإتمامه الإفراج عن 5000 من المتشددين فى طالبان!

من هنا كان أهمية الطرح لفهم ما يحدث فى أفغانستان من جديد فى ظل ما نعانيه فى محيطنا العربى على وجه العموم والمصرى على وجه الخصوص من حصار من تلك التنظيمات التى تتمدد فى كافة جهاتنا الجغرافية ولا ننتظر منها سلاماً بل هو خراب. فهل يتوسع حصارهم لنا؟