مشروع بحثي مصري فرنسي مشترك لتحويل مياه الصرف الصناعي لـ"وقود نظيف"

مشروع بحثي مصري فرنسي مشترك لتحويل مياه الصرف الصناعي لـ"وقود نظيف"
توصل فريق بحثي مصري فرنسي مشترك لنتائج مهمة على طريق تطوير جهاز كهروكيميائي مدفوع بالطاقة الشمسية لإنتاج وقود "الهيدروجين" غير الملوث للبيئة من مياه الصرف الصناعي، ضمن مشروع بحثي تدعمه كل من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ووزارة الخارجية الفرنسية والمركز الثقافى الفرنسي بالقاهرة، ويمثل فرصة للتخلص من الآثار البيئية والصحية السلبية لمياه الصرف الصناعي لشركات الأدوية وإنتاج وقود نظيف يعول العالم عليه مستقبلا في سد النقص المتوقع في الوقود، نتيجة نضوب الوقود البترولي، بحسب الباحثين القائمين على المشروع.
ويؤكد الدكتور أحمد برهوم، مدير المشروع، ومدرس تكنولوجيا النانو بكلية العلوم جامعة حلوان، في تصريحات خاصة لـ"الوطن"، أنهم طورا بالفعل جهازا كهروكيميائيا وخلايا وقود حيوية هجينة للإنتاج المتزامن لوقود الهيدروجين والكهرباء من التحليل الكهروكيميائى للماء بكفائة عالية مقارنة بما تم تطويره عالميا، وجارى تطبيق التحليل الكهروكيميائى الحيوى لمياه الصرف الصناعي لشركات الأدوية لانتاج وقود الهيدوجين، حيث سيعمل الجهاز والخلية الكهروكيميائية المطورة معمليا مدفوعة بالطاقة الشمسية وأنزيمات حيوية لها القدرة على تكسير الملوثات العضوية والأدوية الخطرة المنبعثة من خلال مياه الصرف الصناعى وتعظيم الاستفادة من تكسير تلك الملوثات الخطرة فى الإنتاج المتزامن لوقود الهيدروجين والكهرباء.
ويوضح مدرس تكنولوجيا النانو أن التقنية الجديدة التي توصلوا إليها تتلافى المعوِّقات الرئيسية التي تواجه تطوير خلايا إنتاج وقود الهيدروجين من المياه والتي تتمثل في التكلفة العالية للتحضير والاستخدام، بجانب قلة الكفاءة وعدم الاستقرار على المدى الطويل تحت ظروف قاسية، حيث إن تقنيتهم الجديدة سهلة التحضير ورخيصة الثمن، كما أنها أكثر كفاءة من سابقيها في استغلال طاقة الشمس، بجانب أنها أكثر استقرارًا وتحملًا للظروف القاسية؛ إذ يمكن استخدامها في ماء الصرف الصناعي، الأمر الذي يجعل من إنتاج الوقود الهيدروجيني بتلك التقنية أقل كلفة وأكثر جدوى اقتصاديًّا".
ويضم الفريق البحثي، بالاضافة لمدير المشروع الدكتور أحمد برهوم، الدكتور فؤاد زهران، الأستاذ المساعد ونائب مدير المشروع، وباحثين من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وتتولى أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا والسفارة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسى بالقاهرة تمويل المشروع ماديا.
ويوضح "برهوم" أن معظم الأجهزة وخلايا الوقود التي تم تطويرها من قبل يمكنها انتاج وقود الهيدروجين باستخدام الماء النقي فقط، مما جعل تطبيق تلك التقنيات على أرض الواقع محدودًا للغاية؛ إذ أن عملية تنقية المياه لتهيئتها لتوليد الوقود الهيدروجيني أمر مكلف اقتصاديًّا، لافتا إلى أن أهم ما يميز ابتكارهم لجهاز كهروكيميائى وخلايا وقود حيوية هجينة أنه يمكنها استخلاص الهيدروجين من ماء الصرف الصناعى وتخليص مياه الصرف من الملوثات الخطرة، حيث تستطيع الخلية الكهروكيميائية الجديدة تحمُّل الظروف القاسية من مياه الصرف الصناعى، أو حتى وجود الكائنات الحية الدقيقة بالماء الذي يجري استخلاص الهيدروجين منه.
مدير المشروع: الهيدروجين وقود المستقبل بعد نضوب البترول
ويشير مدرس تكنولوجيا النانو إلى أن كلًّا من مياه الصرف الصناعى وضوء الشمس متوفر بشكل مجاني، مما يجعل تلك التقنية بمثابة طفرة ثورية في الطاقة المتجددة، مقارنةً بتقنية استخلاص الهيدروجين من المياه النقية حاليًّا؛ فهي توفر حلًّا مستدامًا لإنتاج الوقود الهيدروجيني، وبتكلفة أقل بسبب توافر مياه الصرف الصناعى وعدم وجود حاجة إلى معالجته مسبقا وتنقيته لاستخلاص غاز الهيدروجين منه.
ويؤكد أن هدفهم هو تحويل الخلية الكهربية المصممة معمليا إلى جهاز تجاري لتوليد الوقود الهيدروجيني من ماء الصرف الصناعى، مشيرا إلى ثقتهم في النجاح وتحويل تقنيتهم إلى منتج تجاري في أقرب وقت، ولاسيما إذا ما توافر الدعم المالي اللازم لمواصلة أبحاثهم.
أما عن قيمة غاز الهيدروجين كوقود وأهميته الاستراتيجية مستقبلا، فيقول مدير المشروع:"غاز الهيدروجين يُعوَّل على استخدامه عالميا كوقود نظيف؛ إذ إن احتراقه بغاز الأكسجين ينتج عنه بخار الماء فقط، لذا فهو غير ملوِّث للبيئة، ولا يبعث غازات سامة مثل أول أكسيد الكربون أو ثاني أكسيد الكربون، كما أن القيمة الحرارية في كيلوغرام الهيدروجين تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف القيمة الحرارية لأي من البنزين أو الديزل، وتسعى العديد من الحكومات والشركات إلى تعميم استخدامه، باعتباره وقود نظيف اقتصاديًّا وآمن".
وأضاف "برهوم" من المتوقع أن ينمو سوق وتجارة وقود الهيدروجين بسرعة لأنه بدأ يدخل إلى أنظمة النقل باختلاف أنواعها كالسيارات والقطارات وغيرها. وتتجه الحكومات الأوربية صوب فرض رسوم تستهدف زيادة تكاليف إنتاج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبط بالوقود التقليدي. وتهدف الرسوم إلى تحفيز الشركات للاعتماد على الهيدروجين. وأعلنت ألمانيا في سبتمبر الماضي، أن "الهيدروجين" سيلعب دورا مركزيا في إعادة بناء الأساس الصناعي بها، حيث تستهدف تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لتصل إلى الصفر بحلول عام 2050، وأطلقت ألمانيا أول قطارات تعمل بالهيدروجين في العالم، كما أنها تنشئ بشكل متزايد محطات التزود بوقود بالهيدروجين في جميع أنحاء البلاد. ويستخدم الهيدروجين كذلك في وقود الدفع للصواريخ والمركبات الفضائية الأوروبية والأمريكية.
ويؤكد أستاذ تكنولوجيا النانو على أن التحدي الأكبر في مجال انتاج وقود الهيدروجين، هو تخفيض التكلفة التي تترواح حاليا بين 2.5 دولار و 6.8 دولار لكل كيلو جرام، حسب تحليل لوكالة بلومبرج إن إي اف. والمطلوب تخفيض هذه الأسعار لتصل إلى ما دون 2 دولار حتى يصبح الهيدروجين قادرا على منافسة الفحم وإلى 60 سنت حتى يمكنه منافسة الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي تدعمه التقنية الجديدة التي توصلوا إليها.