«حج الوكالة».. التلاعب بأحلام «من استطاع إليه سبيلا»

11:43 ص | الخميس 30 يوليو 2020

كلما أمسك بريموت التلفاز، بحثًا عن قناة ناقلة لشعائر الصلاة والطواف في الحرم المكي، ليشبع عينيه بالنظر إلى الكعبة المشرفة، يجدد نيته في العمل جاهدًا لتوفير نفقات الحج، وعقب مرور 40 عامًا نجح الرجل السبعيني سمير الببلاوي في جمع نفقات الحج، إلا أن تداعيات جائحة كورونا حالت دون تحقيق هذا الحلم، ليفكر في وسائل أخرى لتحقيقه، لكن تضارب ردود الشركات أوضح الكثير.

جائحة فيروس كورونا تسببت في تغير الكثير من العادات والاحتفالات المعتادة، ولم يتوقف أثرها على ذلك وحسب، بل امتدت للشعائر الدينية أيضًا، حيث كانت سببا في إعلان المملكة العربية السعودية، إقامة موسم الحج هذا العام بأعداد محدودة من الموجودين داخل المملكة فقط، كان ذلك القرار سببًا في محاولة بعض الأشخاص للبحث عن حلول بديلة لأداء الحج، وكانت وسيلتهم في ذلك هي «الحج بالوكالة»، تلك الفكرة التي لم تكن مستحدثة أو وليدة تلك الأزمة، حيث ظهرت قبل سنوات عديدة، ولكنها جرى البحث عنها كثيرًا في تلك الفترة بعد انتشار كورونا وقرار الحكومة السعودية.

«الببلاوي» أراد الحج بالوكالة بعدما منعته كورونا لكنه اكتشف أنها غير شرعي

سمير الببلاوي مصري في السبعنيات من عمره، عزم قبل عامين على أداء فريضة الحج، ولتحقيق تلك الأمنية عزم على ادخار الأموال لأداء تلك الفريضة، إلا أن انتشار فيروس كورونا وما نتج عنه من غلق موسم الحج لهذا العام، دفعه للتفكير للبحث عن سبل أخرى يؤدي بها تلك الفريضة، «أنا أكثر من 70 عامًا، وخايف يجي عليا السنة الجاية من غير ما أحج».

ليكون وسيلته في أداء الفريضة «الحج بالوكالة»، تلك الجملة التي سمعها منذ سنوات لكنها لم تتطرق إلى ذهنه حتى أعلنت المملكة العربية السعودية اقتصار موسم الحج على المقمين داخلها، ليقرر البحث على شبكة الإنترنت على شركة تقدم تلك الخدمة ووجد العديد منها يقدم تلك الخدمة بأسعار تبدأ بمبلغ 25 ألف جنيه، بحسب حديثه لـ «الوطن».

تضارب الضوابط الشرعية في الشركات كان سببًا في شك «الببلاوي»، حول شرعية تلك الطريقة في الحج، ليقرر السؤال في الجهات الدينية المعتمدة، «الشيوخ أخبروني أنه في حالتي لا يجوز الحج بالوكالة، وأن حدث وتوفيت قبل الموسم المقبل أو لم استطع الحج، احسب على نيتي وبإذن الله تحسب لي حجة».

صكوك الأضحية، فكرة لجأ إليها الرجل السبعيني بهدف إجراء ثواب يؤجر عليه في تلك الأيام، فقرر شراء صكوك أضحية وتوزيعها على الفقراء، «حاولت أخد أي ثواب في الأيام المفترجة دي، ويا عالم السنة الجاية هبقى موجود وأشارك في الحج ولا لا».

السعودية تقرّر إقامة الحج بعدد «محدود جدا»

في 22 يونيو الشهر الماضي، قرّرت السعودية تنظيم موسم الحج بعدد «محدود جدًا» من الحجاج من مختلف الجنسيات من المقيمين على أراضيها فيها، بسبب المخاوف من فيروس كورونا المستجد، بينما يتواصل تفشي الوباء في المملكة والعالم، أوضحت المملكة أسبابها في ذلك القرار أنه كان لازما في ظل مخاطر هذه الجائحة وعدم توافر للقاج والعلاج للمصابين بكوفيد-19.

جاء القرار حرصا على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًا وبما يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم؛ لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية.

شركات الحج بالوكالة.. منها من يؤكد على الضوابط الشرعية وأخرى دون شروط «فقط أرسل المال»

«الوطن» تواصلت مع عدد من الشركات التي توفر خدمة الحج بالوكالة كأحد الأشخاص الراغبين في الحصول على تلك الخدمة، وتباينت ردود تلك الشركات على تلك الخدمة في الشروط والأسعار والضوابط المطلوبة لأدائها لمن يرد أن يوفر شخصا يحج عنه.

شركة «ك.م»، هي أحد الكيانات المصرية التي اعتادت تقديم خدمة الحج بالوكالة، بالحديث مع مسؤول الشركة أوضح أن الشركة اكتملت جميع أعدادها في الحج بالوكالة هذا العالم، نظرًا لأن الحج أصبح مقتصرًا على المقمين داخل المملكة فقط، أصبح هناك نقص كبير في الأعداد، وأنهم يوفرون وكلاء للحجاج الذين ليست لديهم المقدرة لأداء الفريضة.

بعد تلقي الشركة طلب من الراغب في توفير شخصا يحج عنه بالوكالة، تقوم الشركة بالبحث عن وكيل يؤدي تلك الفريضة مقابل مبلغا من المال نظير تلك الخدمة، والذي يشترط فيه أن يكون على دراية بشعائر الحج والمعلومات الدينية الكافية عن الفريضة، وتكلفة الحج بالوكالة في الشركة المصرية حتى العام الماضي كانت 21 ألف جنيه.

شروط بسيطة تفرضها الشركة لأداء الفريضة وهي توافر السبب الشرعي في خدمة الحج بالوكالة، وهو أن يكون الشخص الذي سيتم الحج له متوفى أو لديه إعاقة تمنعه عن الحركة وأداء الفريضة، حتى يكون الحج صحيحا وشرعيا له.

شركة عربية للحج بالوكالة: نقدم الخدمة دون التأكد من الضوابط الشرعية

شركة أخرى تواصلت معها «الوطن» في الأردن، وبمجرد الحديث مع مسؤول الشركة عن الرغبة في أداء الحج بالوكالة، واقف على طلب تأدية الخدمة دون أن يحتاج إلى أي أورق أو مستندات، كل ما طلبه هو الحصول على اسم الشخص الذي ستؤدي له خدمة الحج، وبلغت التكلفة 788 دينارا، أي ما يقرب من 19 ألف جنيه، وعرض اللقاء بأي مكان داخل الأردن.

لتنفيذ ذلك البرنامج تبحث الشركة الأردنية على طلاب الجامعات الدينية في السعودية، لتوظيفهم في الحج عمن يريد ذلك، ومتابعتهم والتواصل معهم باستمرار، وتسهيل التواصل بينهم وبين موكليهم يوم عرفة حتى يتأكد كل منهم من الشخص الوكيل ويرفع إليه الرغبات والدعاء الذي يريده.

بينما رفض «ضياء.ق»، مصري مقيم في السعودية إجراء الحج بالوكالة لعدم توافر الأسباب الشرعية، فيرى أن من لم يستطع الحج بسبب انتشار وباء فيروس كورونا كمن «تعثر عليه الطريق»، وفي هذه الحالة يجب عليه الانتظار للعام المقبل، وأن من مات بعث على نيته وهي رغبته في الحج.

حالتان فقط يقبل فيهم «ضياء»، الحج بالإنابة عن الغير، هما أن يكون الحج لشخص متوفى لم يتمكن من أداء الفريضة، والثانية أن تكون لشخص مصاب بإعاقة تمنعه من الحركة والسفر لأداء فريضة الحج، «دول السببين الشرعيين الذي يقبل فيهم فكرة الحج بالوكالة، غيرهم لا يجوز ويتبع مبدأ يؤجر على نيته»، بحسب حديثه لـ «الوطن».

باحث بمشيخة الأزهر: هناك من يستسهل الفريضة فيحج بالوكالة.. لكنها في حالتين فقط

ضوابط شرعية عدة يجب أن تتوافر في الحج بالوكالة، أوضحها الشيخ أحمد المالكي الباحث الشرعي الأزهري وعضو المكتب الفني بمشيخة الأزهر، وهي أنه لا يجوز أن يحج الشخص عن غيره قبل أن يحج عن نفسه، فالنبي – صلي الله عليه وسلم- سمع رجلا يقول «لبيك يا شبرمة»، وقال النبي من شبرمة، رد الشخص أخ لي أو قريب لي، فقال له النبي حججت عن نفسك؟، قال: لا، فرد النبي حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة».

يروي الماكي لـ «الوطن»، أن هناك الكثير يبحثون عن السهولة باستخدام الحج بالوكالة لتأدية فريضة الحج، إلا أن تلك الوسيلة يكون لها ضوابط وشروط، وهي أن الحج بالإنابة يكون عن شخص توفى، أو العاجز عن الحج ببدنه، أو مرض لا يتم الشفاء منه، تلك الحالتان فقط يجوز فيهم الحج بالوكالة.

مواضع كثيرة لا يجوز فيها الحج بالوكالة، من بينها أنه لا يجوز الحج عن الشخص القادر على الحج ببدنه، كذلك لا يجوز الحج عن العاجز ماديًا لأنه في تلك الحالة تسقط عنه الفريضة، كما أنه لا يجوز الحج عن شخصين بالوكالة في الوقت نفسه، وفقا لحديث الماكي.

أما عن فكرة اللجواء للحج بالوكالة بسبب أزمة كورونا، أكد الباحث الشرعي أنه لا يجوز شرعًا، فإذا لم يستطع الشخص الحج بسبب كورونا، فعليه الانتظار للعام المقبل، وإن لم يتمكن من الحج بعد ذلك تكتب له حجة بإذن الله، فالإنسان يحاسب على نيته.