استمرار الجدل حول قانون مخالفات البناء

كتب: سمر نبيه

استمرار الجدل حول قانون مخالفات البناء

استمرار الجدل حول قانون مخالفات البناء

أثار قانون التصالح في مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019، جدلا كبيرا في المجتمع المصري، منذ صدوره من مجلس النواب، ويتعلق بالتصالح في مخالفات البناء التي حدثت من قبل وفقا لقانون 119 لسنة 2008، الذى دخل حيز النفاذ من اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ثم تم تعديل القانون، حيث أدخل التعديل على نص الفقرة الأولى من المادة الأولى والتي تنص على "أنه يجوز التصالح وتقنين الأوضاع في الأعمال التي ارتكبت بالمخالفة لأحكام قانون البناء الصادر سنة 2008"، ثم أضاف التعديل عبارة "والقانون المنظم للبناء وما قبله من قوانين خاصة منظمة للبناء"، أي القوانين التي تنظم البناء قبل القانون 119 لسنة 2008.

وقد شهد هذا القانون منذ صدوره اعتراضات كثيرة حيث رصدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، صفحات على السوشيال ميديا، ترى أن القانون أطلق يد السلطات المحلية في ملاحقة المخالفات حتى قبل القانون رقم 119 لسنة 2008، مع تحديد كل محافظة أسعار العقارات التي يتم الحساب على أساسها قيمة المخالفات وسبب الاحتجاجات هي المغالاة في تحديد قيمة وأسعار المخالفات على سعر اليوم، وليس سعر عمل المخالفة، فضلا عن صدور هذا القانون في ذات الوقت مع تفشي فيروس كورونا، الأمر الذى تسبب تقريبا في وقف العمل في أغلب المجالات والأنشطة والمهن، الأمر الذى شكل صعوبة في دفع التكاليف الخاصة بالمبالغ الخاصة بالتصالح وفقا للقانون.

وأشارت المنظمة، إلى أن خبراء قانونيين بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عكفوا على دراسة القانون في ضوء الدستور والمواثيق الدولية، مشيرا إلى أنهم انتهوا إلى أن القانون يخالف الدستور المصري في مبادئ أساسية تتعلق بدولة سيادة القانون، منها الأثر الفوري للقانون وقاعدة عدم جواز أن يمتد القانون لوقائع سابقة عليه، انقضاء الدعوى العمومية، القانون الأصلح للمتهم.

وأخيرا إحالة المتهمين إلى النيابة العسكرية في مخالفة صريحة لعدم جواز إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية، فهل تملك الحكومة أن تخالف الدستور المصري وكل مبادئ دولة سيادة القانون فيما يتعلق بالأثر الفوري للقوانين، وفقا لنص المادة 95 من الدستور التي تنص في فقرتها الأخيرة على "ولاعقاب إلا على الأفعال اللاحقة للقانون"، أي أن إصدار قانون يحسب المصريين على مخالفات البناء التي تمت في الماضي بأثر رجعي يخالف الدستور المصري بشكل واضح وصريح.

كما أن هناك قواعد ثابتة في القانون تتعلق بانقضاء الدعوى الجنائية، فتنص المادة 14 إجراءات جنائية أولا بانقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة أي أن ملاك العقارات الذين توفاهم الله تنقضي الدعوى الجنائية بالوفاة، ولا مجال لانتقال الأمر للخلف العام أو الخاص فهذه جريمة والجريمة شخصية بنص الدستور المادة 95، "الجريمة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص".

كما تنص المادة 15 ا. ج "تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات بمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة، وفي مواد الجنح ثلاث سنين مواد المخالفات بمضي سنة"، ومن هنا تتساءل المنظمة، كيف تم تمرير هذا القانون في مجلس النواب الذي يضم قامات قانونية وعلى رأسهم  رئيس المجلس، ورئيس اللجنة التشريعية والدستورية، وهل يعيد مجلس النواب النظر في هذا القانون وتعديله بما يشكله من انتهاك جسيم للدستور، وحقوق المواطن المصري.

أما عن الحديث عن القانون الأصلح للمتهم فنصت الفقرة الأولى والثانية من المادة 5 من قانون العقوبات على أن "يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها، ومع هذا إذا صدر بعد وقوع الفعل، وقبل الحكم فيه نهائيا قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره، وإذا صدر قانون بعد الحكم النهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه، يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي أثاره الجانبية"، أي أن المشرع وضع في المادة السابقة استثناء على مبدأ عدم الرجعية، وسمح بتطبيق القانون بأثر رجعي في حالة واحدة، إذا كان القانون أصلح للمتهم، أي أنه اشترط لتطبيق القانون بأثر رجعي، بأنه يجب أن يكون هناك متهم وصدر قانون لصالحه، لذلك يجب توافر قانون أصلح ووجود متهم لتطبيق هذا القاعدة، وهذا يفيد بأنه إذا كان صدر ضد شخص حكم، وتم تنفيذه فلا مجال للبحث عن إذا كان القانون أصلح أم لا.

وإذا لم يكن هناك متهم فلا حاجة أيضا للبحث في هذه القاعدة،  والحالة الوحيدة التي يجب البحث فيها عما إذا كان القانون أصلح أم لا، اذا كان يوجد متهم، ومازال خاضع للمحاكمة، أو ينفذ العقوبة، وبتطبيق هذه القاعدة القانونية علي قانون التصالح في مخالفات البناء، نجد أن هذه القانون لا يطبق بأثر رجعي إلا في حالة واحدة إذا كان هناك متهم مازال يخضع للمحاكمة، أو ينفذ العقوبة، وأن يكون هذا القانون أصلح له، فبالتالي إذا تم بحث هذه القاعدة على السكان، فلا يطبق عليهم قانون التصالح، فهم لم يكونوا متهمين بأي فعل أو جرم حتى يقوموا بالتصالح، بالإضافة إلى أن هذا القانون الجديد لم يكن في صالحهم بل بالعكس إذا طبق عليهم سوف يضع أعباء مالية، لذلك ترى المنظمة ضرورة عدم تطبيق هذا القانون في العموم تحت مبرر مبدأ القانون الأصلح للمتهم، وأن يتم تطبيقه على الملاك، وإلزامهم بالتصالح في المخالفات، لأنهم هم المستفيدين منه، وعدم التوسع في اختصاص القضاء العسكري.

وتم تعديل القانون رقم 162 لسنة 1958 بالقانون 22 لسنة 2020، ونص في مادته الأولى على أن "يجوز لرئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أن يسند الاختصاص بالتحقيق الابتدائي في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون إلى النيابة العسكرية".

وأعطت هذه الفقرة من المادة سالفة الذكر لرئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه إسناد التحقيق الإبتدائي إلى النيابة العسكرية، ولكن هذه المادة يجب أن تخضع للقيد الأساسي والمبادئ االدستورية المنصوص عليها في الدستور المصري على القضاء العسكري، لأن النيابة العسكرية جزء لا يتجزأ من القضاء العسكري، وبالتالي يمتد عليها ذات الحظر الدستوري، الذي يقيد القضاء العسكري، والذي منع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا علي منشأت القوات المسلحة، وبالتالي يجب ألا يخالف أي إسناد اختصاص للنيابة العسكرية لهذا النص الدستوري، سواء صدر هذا الإسناد من رئيس الجمهورية أو من رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي أي قرار بإسناد اختصاص التحقيق في جرائم البناء إلى النيابة العسكرية باطلا، لمخالفته الدستورية لنص المادة 204 من الدستور المصري.

وطالبت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بضرورة إعادة القانون إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه،  ودراسة كل المطاعن التى يترتب عليها عدم الدستورية كما يجب أن يلتزم المشرع بمبادئ سيادة القانون واحترام حقوق الانسان، وأن تختص النيابة العامة بالتحقيق في المخالفات حسب اختصاصها المحلي.


مواضيع متعلقة