محمد يجوب الصعيد بـ"توك توك" السعادة بحثا عن المواهب على"ضربة عود"

محمد يجوب الصعيد بـ"توك توك" السعادة بحثا عن المواهب على"ضربة عود"
على سرعة متوسطة يحاول أن يتفادى بها المطبات التي تعترض طريقه، فالطريق هنا غير ممهد، مثل غالبية الطرق في القرى والنجوع البسيطة، يسير محمد بـ"التوك توك" الذي اشتراه خصيصا ليجول به بين المنازل بحثًا عن مواهب تستحق الدعم لتخرج إلى النور، تلفحه نسمة هواء باردة في ساعات الصباح الأولى يستمد منها طاقته لمواصلة يومه الشاق الذي ينتهي بغروب الشمس، يلمح من بعيد تجمعا لأطفال صغار يلعبون في محيط أحد البيوت فتهدأ خطواته متوجها صوبهم ينزل إلى الأرض ويقترب إليهم رويدًا، يبدأ في العزف والغناء ولعب الكرة أمامهم، فيسكت صياحهم وتنصت له آذانهم وتظهر الدهشة على أعينهم، هنا يعلم أنه قد نجح في جزء من مهمته التي جاء من أجلها لم يتبق أمامه إلا أن يقنع أهاليهم بتدريبهم وتنمية موهبتهم بما يتوافق مع أعراف وتقاليد الصعيد.
بداية القصة ترجع إلى قبل 6 سنوات، وبعد تخرجه في كلية التربية الرياضية جامعة قنا التقى محمد تكروني بحكم عمله كعازف عود ومدرب مسرحي حينها، بعشرات الأطفال ذوي المواهب الفنية والرياضية المدفونة لم يأت من يكتشفهم بعد لكونهم بسطاء من أبناء القرى والنجوع، غيرته على الفن كانت دوما تدفعه إلى منازلهم لإقناع أولياء أمورهم بإرسالهم إلى مراكز التدريب الفنية والرياضية بالمحافظة لدعمهم، إلا أنه وبحسب وصفه، لم يجد في كل مرة إلا رفضًا قاطعًا إما لعدم قدرتهم على تحمل مصاريف التنقل اليومي من القرية إلى المدينة أو خوفًا على صغارهم وأخيرا لعدم اقتناعهم بأهمية الفن والرياضة.
متشبثًا بحلمه الذي يأسر فكره ليلا ونهارا، لم يقف ابن مدينة "نقادة" الكائنة بين الأقصر وقنا، مكتوف الأيدي أمام رفض الأهالي لمنحه فرصة دعم مواهب أطفالهم، فما كان منه إلا أن قرر الترحال بين القرى على متن"توك توك" اشتراه من ماله الخاص لمساعدته على التنقل دون تحمل نفقات المواصلات يوميًا، يصطحب معه فرقة صغيرة في بداية الأمر مكونة من 3 شباب و3 فتيات من خريجي كلية التربية الرياضية ليقدم عروضًا رياضية وفنية أمام مصاطب المنازل وكأنه طُعم يلتف به الأطفال من حوله ويميل به قلوب أهاليهم،"بدأت أول رحلة بالتوك توك في سبتمبر اللي فات لفيت على بيوت قرية نجع العربات".
محمد يقدم عروضا فنية وتمارين رياضية أمام الأطفال فينجذبون إليه ويبدأ إقناع الأهالي بتنمية مواهبهم
ما إن يصل التوك توك أو"التروسيكل" إلى محطته حتى يخرج منه محمد والفتيات والشباب المتطوعون معه يقدمون عروضًا فنية وتدريبات رياضية وسط الطريق ينجذب إليهم الأطفال المصطفون في الشارع ومن نوافذ المنازل يتابعون ما يقدمه لهم بشغف، لا صوت يعلو صوت الفن حينها وسط تصفيق المارة والمتجمهرين من حوله تشعره بأن سعيه يُرى.
أنشطة بسيطة لا تتعدى "تنطيط الكرة" وتمارين البطن والضغط وعزف العود والغناء، اشتهر بها "توك توك السعادة" كما أسماه الشاب العشريني، وفي كل مكان يذهب إليه يتفاعل مع الأطفال باللعب والغناء، "أول ما بنلاقي الأطفال تتجمع حوالينا، نبدأ نسألهم عندكم مواهب حلوة؟ يلا غنوا وسمعونا وفرجونا"، حتى يأخذهم الحماس ويدعون أصدقاءهم أصحاب المواهب المختلفة للمشاركة في عرض الشارع الذي يقدمه محمد وفريقه.
فريق توك توك السعادة وصل عدده إلى أكثر من 80 بنتا و120 ولدا صغيرا
عنصر الجذب البصري الذي تحققه عروض محمد تذوب معها مخاوف الأهالي الذين يصطفون أيضًا أمام عتبات المنازل لرؤية ما يفعله الشاب بأطفالهم، "بدأت أتكلم تاني مع الأهالي وأقنعهم بموهبة ولادهم ولازم يهتموا بيها"، حتى تحققت المعجزة واستجاب له الكثير وشكل فريقًا من المتدربين الأطفال من أعمار تبدأ من 7 سنوات حتى 16 عاما، وبدأ يستعين بدواوين العائلات التي تُخصص في بيوت الصعيد لمراسم الأفراح والمآتم لتدريب الأطفال والمراهقين على الأنشطة المختلفة.
أكثر من 80 بنتا و120 ولدا، العدد الذي وصل إليه فريق المتدربين الأطفال التابعين لـ"توك توك" محمد، اضطر على إثره زيادة أعضاء فرقته التطوعية إلى 12 شابا وفتاة، يتولون دعم المواهب أصحاب الأصوات العذبة والقدرات الفنية والرياضية التي تستحق، "بدأنا نقدم عروض مسرح وحفلات وبننظم مسابقات كورة قدم وتنس طاولة بين أطفال القرى"، حتى وصل صداهم إلى الجمعيات الأهلية بالصعيد وتبنت مشروعهم جميعة الطود الخيرية بقنا بتوفير مقر للتدريب وتقديم عروض المسرح من خلالهم، "بحب الصعيد ومؤمن بمواهبة اللي تستحق الدعم ومكمل حلمي لحد ما أوصل بيهم للعالمية".