تأميم قناة السويس وليلة الانسحاب من مذكرات "يونس".. أثمن لحظات حياتي

تأميم قناة السويس وليلة الانسحاب من مذكرات "يونس".. أثمن لحظات حياتي
- تأميم قناة السويس
- ثورة يوليو
- محمود يونس
- عبدالناصر
- قناة السويس
- تأميم قناة السويس
- ثورة يوليو
- محمود يونس
- عبدالناصر
- قناة السويس
قبل 64 عاما، بدأ التخطيط لتغيير الأمور تماما وإنهاء التبعية للراية البريطانية وسيطرة المصريين على بلادهم تميهدا لنقلها من العهد الملكي للجمهوري، على يد الضباط الأحرار من خلال ثورة 23 يوليو 1952، ثم الإعداد للخطوة الأهم، وهي تأميم قناة السويس.
محمود يونس.. مهندس تأميم القناة، كلفه الرئيس جمال عبدالناصر، حيث تجمعه به صداقة قديمة منذ الدراسة بكلية أركان حرب، بتسلم القناة وإدارتها بدلًا من المرشدين الأجانب، وكان يونس ضمن 3 مجموعات رئيسيين، أولها في الإسماعلية والثانية بالسويس، والثالثة ببورسعيد.
كان يونس على رأس مجموعة الإسماعيلية، فوّضه ناصر بسلطة رئيس الجمهورية حتى لا تعرقله أي إجراءات بعد تكليفه باختيار المجموعة التي ستعمل على تنفيذ مهمة تأميم قناة السويس تحت قيادته، وإعداد خطة لعملية التأميم والمحافظة على السرية التامة، ليتجاهل الرصاصات المحتمل أن يتلقاها حين دخل لمكاتبهم الرئيسية التي لم يجرؤ معظم الوزراء من قبل على مهاتفتهم تلفيونيًا فيها، ليخبرهم بقرار التأميم وألا مكان لهم هنا، بعد العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956 الذي تسبب في إغلاق القناة عقب إعلان عبدالناصر تأميمها حتى أعيد فتحها في مارس 1957.
كواليس ليلة تأميم القناة، سردها وزير البترول السابق في مذكراته "عصير حياتي"، قائلا: "في ليلة التأميم كنا 3 مجموعات أحدها رئيسية في الإسماعيلية والثانية في السويس والثالثة في بورسعيد، وكنت على رأس مجموعة الإسماعيلية ولم يكن أحد يعلم سر المهمة في المجموعات الثلاث غيري، وعبدالحميد أبوبكر وعادل عزت ووصلنا الإسماعيلية بعد ظهر يوم التأميم، فلما خطب ناصر في الإسكندرية وقال كلمة ديليسبس ثم قال: (والآن إخوان لكم..)، دخلت مع المجموعة مبنى الشركة واستدعيت المسؤولين وأبلغتهم قرار التأميم بالعربية وانهاروا أمامى وطلبوا مني تأمين حياتهم".
وبالتزامن مع ذلك، ألقى عبدالناصر خطابه التاريخي مساء يوم 26 يوليو، فى الساعة الثامنة والنصف مساء، واستغرق 3 ساعات، وأنصت إليه العالم أجمع، تناول فيه قضية مصر مع القناة منذ حفرها بسواعد المصريين، وسيطرة فرنسا وبريطانيا عليها، حيث كانت "ديلسبس" هي كلمة السر المتفق عليها لبدء تنفيذ عملية التأميم، والتي رددها الراحل 17 مرة، ليتأكد تلقي الإشارة.
ليلة الانسحاب.. فرد لها يونس مساحة كبيرة بمذكراته، وروى كواليسها قائلا: "ثمة حقيقة لا يتصور أن تكون شردت عن أذهان المرشدين الفرنسيين، ألا وهي كفاءة المرشدين العرب الذين كانوا يعملون بشركة قناة السويس قبل تأميمها، فالإحصاءات تجزم بما لا يدع مجالا للشك، أنّ نسبة حوادث الإرشاد التي تسبب فيها المرشدون المصريون، في المدة من 1950 إلى عام 1955 تكاد تساوي نسبة الحوادث التي نجمت عن المرشدين الأجانب "4/10 حادث للمرشد الأجنبي و5/10 للمرشد المصري".
وتابع: "دقت الساعة وترك المرشدون الأجانب السفن بربطة المعلم، كنت ترى على وجوههم ابتسامة السخرية والتحدي، وكنت تسمع في أقوالهم عبارات الإشفاق على المتهورين المجازفين الذين بلغت بهم الجرأة حد التفكير في تشغيل المرفق من دون أربابه، كانوا واثقين من أنّهم عائدون، وكانوا يجهرون بذلك على الملأ ويصرحون به إلى مراسلي الصحف، وفي هذا الجو المليء بالدعايات الهدامة تعلم رجالنا قيادة السفن، وحل العرب محل الأجانب وأخذت أول السفن بقيادة المرشدين العرب تشق طريقها عبر القناة".
كانت هذه اللحظات أثمن لحظات حياتي وأحرجها.. بهذا الوصف عبر البرلماني السابق عن شعوره ليلة التأميم، بينما فضل أن يظهر على هيئته الخارجية "هدوء مدهش" بينما كانت "أمواج من القلق تتلاطم وتهدر في نفسه"، وتدهور في ذهنه أفكار عديدة، بين "هل يستطيع رجالنا اجتياز هذه المحنة؟ هل تجنح سفينة بسبب عطل مفاجئ في دفتها أو في عجلة قيادتها فتسد القناة وتتسبب في وقف الملاحة؟ هل من ربابنة السفن العابرة من جاء متعمدا لتعطيل القناة فيمتنع عن تنفيذ أوامر المرشد المصري حتى تجنح سفينته وتغلق المجرى الملاحي، ما هذا الحشد من السفن في مدخل المرفق؟ ما الذي دفعهم إلى إرسال 50 سفينة بينما المتوسط اليومي لم يزد على 40؟".
وسرد أنّه في ليلة الانسحاب "عبرت سفن كان عددها 50 سفينة، وعبرت يوم 15 سبتمبر 42 سفينة لم يعق سيرها عائقا، فهللت مصر وكبرت، وشاركتها فرحتها العروبة جمعاء، وارتفع صوت الرئيس جمال مدويا ليرد كيد الاستعمار إلى نحره ويعلن فوزنا في معركة الثقة، وتحول الحذر في الأوساط الملاحية إلى ثقة ويقين، وتحولت مخاوف أصحاب السفن وقلق مديري شركات النقل البحري والتأمين لاطمئنان وإعجاب، وأخذت عبارات الثناء والتقدير تأتي من جميع أنحاء العالم معترفة للمرشدين العرب بالكفاءة والجدارة، إلا صحف الفرنسيين والإنجليز، فقد أبت واستكبرت".