جنوب أفريقيا بين الشفافية المصرية والخداع الإثيوبى
- حسن أبوطالب
- القمة الأفريقية المصغرة
- جنوب أفريقيا
- السيسي
- السد الإثيوبي
- حسن أبوطالب
- القمة الأفريقية المصغرة
- جنوب أفريقيا
- السيسي
- السد الإثيوبي
عُقدت القمة الأفريقية المصغرة برئاسة جنوب أفريقيا، الرئيس الحالى لمنظمة الوحدة الأفريقية، وكل من مصر والسودان وإثيوبيا، ومشاركة مراقبين دوليين وأفارقة. وهى القمة التى تقررت بعد فشل جولة المفاوضات الثلاثية برعاية أفريقية التى استمرت 12 يوماً متواصلة، نظراً لرفض إثيوبيا مبدأ التوصل إلى اتفاق ملزم، والتمسك بمقولة إن النهر ملكٌ لها تمارس عليه سيادتها دون مراعاة لحقوق دولتى المصب.
شاركت مصر فى القمة ولها موقف واضح وشفاف يتمسك بمبادئ ثلاثة تعكس قناعات راسخة قانونية وإنسانية وتاريخية وتنموية ووجودية فى آن واحد، وفى كل المناسبات التى عبر فيها الرئيس السيسى فى القمم الأفريقية أو فى غيرها كالاتصالات المباشرة مع رئيس جنوب أفريقيا، لم تتغير المبادئ المصرية ولم يتغير الموقف المصرى، فالقاهرة حريصة على أن يكون نهر النيل تجسيداً للتكامل الإقليمى والتعاون الأفريقى المفيد للجميع، والابتعاد عن أى مواقف أو اعتبارات قد تؤدى إلى أزمات ومواجهات وحروب كل دول القارة وبالأخص دول نهر النيل فى غنى عنها، وحق إثيوبيا فى التنمية يقابله حق المصريين والسودانيين فى مياه النهر من أجل الوجود والبقاء، هذه الصيغة تعنى التزامات متبادلة وموثقة دولياً، وليست شفهية أو تعتمد على مزاج الحكم فى إثيوبيا، يعطى أحياناً ويمنع أحياناً أخرى. وتعنى أيضاً رفض أى إجراءات أحادية أو فرض أمر واقع يضر بمصر والسودان. وفى كل جولات التفاوض التى جرت فى السنوات الخمس الماضية، طرح المفاوض المصرى العديد من الأفكار المتوازنة التى تراعى مطالب الأطراف الثلاثة، ولكنها وجدت الاعتراض والمناورة والخداع من الجانب الإثيوبى.
قبل القمة الأفريقية المصغرة، أفصحت إثيوبيا عن نواياها السيئة عملياً وليس دعائياً، فقد بدأت أحادياً ملء بحيرة السد، وأطلقت التصريحات الخاصة ببدء الملء، ثم تراجعت عنها فى مناورة دعائية مكشوفة، وأبلغت الخرطوم بأنها لم تبدأ الملء بعد، وأن التجمعات المائية هى نتيجة طبيعية لعمليات الإنشاء، لكن السودان بدوره والذى بدا ظاهرياً مقتنعاً بالرد الإثيوبى ولأسباب دبلوماسية لا تخفى على أحد، اكتشف الأمر عملياً، فالتدفق المائى الوارد من النهر انخفض بمقدار 90 مليون متر مكعب فى اليوم، ثم زاد الانخفاض إلى حد انكشاف مآخذ المياه فى محطات التنقية الخاصة بمياه الشرب، التى توقف بعضها عن العمل، وانخفض ناتج البعض الآخر، وبهذا بدأ السودان مرحلة معاناة العطش، ولم تكمل إثيوبيا بعد مرحلة استكمال البناء واستكمال الملء الفائق المقرر له 74 مليار متر مكعب. وهكذا واجه السودان الحقيقة المرة، التى ضربت تصورات بعض مسئوليه بأن إثيوبيا سوف تراعى مصالحهم على حساب المصالح المصرية، وأن سد إثيوبيا المقام على أراضٍ مملوكة أصلاً لهم سوف يفيض عليهم بالخيرات التى لا حدود لها، والقادم أعظم. الأمر كله يؤكد صوابية الموقف المصرى بضرورة الاتفاق الملزم المتضمن جداول واضحة للملء فى الأوقات العادية والأوقات غير العادية كالجفاف العابر أو الممتد، وأن يتضمن الاتفاق آليات واضحة لحل المشكلات وآلية ثلاثية لمتابعة تشغيل السد. ولعلها رسالة واضحة للأشقاء فى السودان لإعادة تقييم الموقف برمته والتمسك بمصالح بلادهم التى لا تتعارض مع جوهر الموقف المصرى الشفاف.
الملء الأحادى رافقته حملة دعائية خبيثة، تمثلت فى إطلاق هاشتاج لمدة خمسة أيام على شبكة الإنترنت يقر بأن النيل فقط لإثيوبيا، وهى الأيام الخمسة التى سبقت القمة المصغرة، فى رسالة مباشرة لكل المعنيين بالأمر بأنها ما زالت تصر على موقفها المنفرد، ثم بعد انتهاء القمة أعلن رسمياً على لسان رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد انتهاء مرحلة الملء الأول، مؤكداً تجاوزه التام للقمة الأفريقية ووساطتها والقرار الذى انتهت إليه بضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم لتشغيل السد والامتناع عن التصرفات الأحادية. ثم بعد ذلك يتم التفاوض على اتفاق شامل للتعاون الإقليمى.
التصرف الأحادى الإثيوبى لا يتوجه لمصر والسودان فقط، بل أيضاً لجنوب أفريقيا التى ترى أن أزمة سد إثيوبيا علاجها الوحيد فى الإطار الأفريقى. نعلم أن جنوب أفريقيا، وهى رئيس منظمة الوحدة الأفريقية، حريصة على أن تكون لها بصمة واضحة فى حل تلك الأزمة، ونعلم أيضاً أنها قامت بتلك المبادرة بناء على اتفاق مباشر مع إثيوبيا، ونعلم أيضاً أن هناك مشاعر تنافسية فى الإطار الأفريقى بينها وبين مصر، ونعلم رابعاً أن هناك أفكاراً خبيثة تنطلق من عدة دول أفريقية تراعى إثيوبيا وتؤيدها تدعى أن مصر لا علاقة لها بأفريقيا. رغم علم الجميع بأن مصر قوة أفريقية سواء رغبوا فى ذلك أم أنكروا، وأنها ليست ضيفاً، بل حضارة أفريقية أصيلة عمرها من عمر التاريخ، وأن بصماتها فى تحرير أفريقيا من الاستعمار لا ينكرها إلا غادر أو جاهل. وأشقاؤنا فى جنوب أفريقيا يعلمون جيداً ماذا فعلت مصر طوال الثمانينات من القرن الماضى لإنهاء الفصل العنصرى البائد فى بلادهم، ويعلمون أيضاً الدور الذى لعبه وزير خارجية مصر الدكتور بطرس بطرس غالى آنذاك فى رعاية المفاوضات السرية ثم العلنية بين الحكم العنصرى والمؤتمر الوطنى الأفريقى، التى انتهت بإنهاء العنصرية وبدء المساواة والكرامة لكل أبناء جنوب أفريقيا، أياً كان لونهم أو أصلهم العرقى.
جنوب أفريقيا فى اختبار حقيقى، إما أن تثبت صدقيتها كبلد أمين على مصالح كل أفريقيا، وحقوق كل الشعوب الأفريقية، وكل مساعى السلام والتنمية المتوازنة، وأن تثبت قيادتها للمنظمة القارية بقدر من الموضوعية والحيادية والإنصاف، أم تظل على موقفها الهادئ الذى يراعى إثيوبيا لفرض أمر واقع لن يقبله المصريون بأى حال. الأمر ليس معقداً أو مستحيلاً. المواقف الحاسمة والمبدئية تظهر فى لحظات الأزمات. قيادة جنوب أفريقيا للمنظمة تسير على خيط رفيع. النجاح مضمون رهن الإنصات للعدل وعدم مراعاة الجانى.
ليس مطلوباً من جنوب أفريقيا أن تعلن الحرب على إثيوبيا، فقط نريد منها أن تقنع قيادة أديس أبابا بأن حقوق مصر والسودان المائية ليست قابلة للضياع، ولن تضيع، وأن الأوفق لها ولأفريقيا أن تتجاوب مع المطالب المصرية والسودانية وأن تنهى كل تعنتها وتوقف حملاتها الدعائية الخبيثة المضرة بالأخوة الأفريقية. وأن تقبل بالاتفاق الملزم وتقبل الرقابة الأفريقية والدولية على تطبيقه. وإذا كانت جنوب أفريقيا حريصة على تحقيق إنجاز تاريخى يُكتب لها، فهذه هى اللحظة. مصر لن تبخل فى مساندة جهود جنوب أفريقيا، ولكنها لن ترهن أبداً مصيرها على دور أفريقى غير موضوعى.