دور القبائل فى الحياة السياسية الليبية

فى يوم السبت الموافق العشرين من يونيو الماضى، وبمناسبة تفقُّده المنطقة الغربية العسكرية، ورداً على التهديدات التى تمثلها التدخلات التركية فى الأراضى الليبية، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، مخاطباً وفد القبائل الليبية: «إذا تحرك الشعب الليبى من خلالكم وطالبنا بالتدخل، فإن هذه إشارة للعالم على أن مصر وليبيا بلد واحد ومصالح واحدة وأمن واحد واستقرار واحد»، مضيفاً أنه «إذا أردنا لقواتنا أن تتقدم فى ليبيا سيكون شيوخ وقبائل ليبيا على رأسها». وبعد ذلك بيومين، وفى الثانى والعشرين من يونيو الماضى، وبمناسبة زيارة الرئيس التونسى قيس سعيد إلى الجمهورية الفرنسية، عقد الرئيسان التونسى والفرنسى مؤتمراً صحفياً، حيث اقترح الرئيس التونسى عقد لقاء بين جميع ممثلى القبائل الليبية، بهدف صياغة دستور مؤقت، يسمح بتنظيم السلطات العامة فى البلاد، ثم إعداد دستور جديد يقبله كل الليبيين. وفى الخامس من يوليو الحالى، وفى حوار مع قناة فرنسا 24 الفرنسية، حذر الرئيس الجزائرى، عبدالمجيد تبون، من انزلاق الأمور فى ليبيا إلى ما يتجاوز النموذج السورى، مشيداً بحكمة القبائل الليبية طوال فترة الصراع، لافتاً إلى أن القبائل الليبية تحلت بالحكمة، بخلاف الأطراف الأخرى التى ارتكبت انتهاكات عديدة، ومؤكداً خطورة الوضع فى حال استمرت عمليات تصدير الإرهابيين والمرتزقة لليبيا. ومرة أخرى، وفى يوم الخميس الماضى، التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى بشيوخ ووجهاء القبائل الليبية، حيث طالبهم بأن يسمع الناس كلمة واحدة، كلمة سواء لليبيين ممثلين فى البرلمان الليبى ثم شيوخ وقبائل ليبيا، مخاطباً إياهم قائلاً: «أنتم لديكم القدرة عندما تشكلون منكم فريق حكماء يجمع القبائل كلها على كلمة واحدة، هى وحدة الدولة الليبية ومواجهة التحديات التى تواجه الدولة الليبية».

وعلى هذا النحو، يبدو جلياً إدراك دول الجوار الليبى لأهمية الدور الذى تضطلع به القبائل الليبية فى رسم مستقبل ليبيا. ويبدو أن بعض النخبة الليبية تؤيد الرأى القائل بدور فاعل لشيوخ القبائل فى إعداد الدستور، ففى منشور على صفحته الشخصية على الفيس بوك، بتاريخ 26 يونيو الماضى، يقول القاضى الدكتور أسامة السائح: «على فكرة كلام (قيس سعيد) الرئيس التونسى فيه جانب من الصحة، فلا يوجد ما يمنع من أن يشترك شيوخ القبائل مع غيرهم من فئات المجتمع فى صياغة الدستور، وأعتقد أن هذا ما يقصده. ملاحظة: الدستور ممكن يشارك فى كتابته القانونى والسياسى والاقتصادى والمعلم والرياضى والفلاح والعامل والطبيب النفسى والأخصائى الاجتماعى والأكاديمى وشيوخ القبائل... إلخ».

فى المقابل، وفى بيان صادر عن رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان فى ليبيا، ورد الرد التالى على حديث الرئيس التونسى عن دور القبائل فى التوصل إلى دستور جديد: «واضح جداً افتقاد الرئيس التونسى قيس سعيد إلى الحد الأدنى من المعرفة بالأزمة السياسية فى ليبيا وتركيبة شعبها، حديثه عن دستور يكتبه زعماء القبائل وإسقاطه للوضع الأفغانى على ليبيا أمر مثير للسخرية». وفى ذات الاتجاه، وبمناسبة مقالى المعنون «فصل الخطاب فى حكومة الشقاق»، وفى تعليق منشور على صفحتى العامة على الفيس بوك، يقول الأستاذ الدكتور شوقى عبدالله، أستاذ القانون الجنائى بكلية القانون جامعة طرابلس: «رئيس مختص فى القانون الدستورى يطلب من القبائل الليبية كتابة الدستور، لا شك أنها سابقة دستورية غريبة وشاذة، ونسى الرئيس التونسى أن الدستور الليبى لسنة 1951 أول دستور فى المنطقة، وأن هناك هيئة منتخبة من قبَل الشعب تمكنت من التصويت على مشروع الدستور وهو جاهز للاستفتاء الشعبى».

والواقع أن الحديث عن أهمية دور القبائل فى الشأن الليبى ليس أمراً جديداً، ويمكن القول بأنه كان موجوداً فى كل المراحل التى مرت بها الشقيقة ليبيا عبر تاريخها الطويل، ففى سبتمبر 2017م خرجت إلى النور دراسة باللغة الإنجليزية، للأستاذ محمد بن لاما، بعنوان «التركيبة القبلية فى ليبيا: عامل تقسيم أم تماسك»، وصدرت عن مرصد العالم العربى الإسلامى والساحل. وتذكر هذه الدراسة القبائل الأكثر تأثيراً فى الغرب الليبى (طرابلس)، وهى ورفلة، القذافية، وزنيتن. أما قبائل برقة، فهى العبيدات، والعواقير، والزوايا. أما خريطة قبائل منطقة فزان، فهى أولاد سليمان، والمقراحى، وتيبو. وبعد ذلك، استعرضت الدراسة الدور الذى قامت به القبائل، سواء أثناء فترة حكم الملك السنوسى، أو خلال فترة حكم العقيد الراحل معمر القذافى. حفظ الله ليبيا الشقيقة من كل مكروه وسوء.