عاطف الطيب.. بعض من سيرة «وطن»
ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً مرت على رحيل المخرج عاطف الطيب الذى بأعماله يمكن أن نرى فيه توثيقاً لسيرة الوطن.. ربما لهذا فإن حضور «الطيب» يبدو ملحاً رغم الغياب.
كان «عاطف الطيب» مجنداً فى الجيش (قضى خمس سنوات مجنداً من ٧٠ إلى ١٩٧٥) حين جاء فى زيارة إلى مجلة «صباح الخير».. ورأيته للمرة الأولى.. كان ذلك أول سنوات السبعينات، لم يكن قد كشف عن مكنونه كما عرفناه فيما بعد.. جاء بقميص وبنطلون، شارب ووجه أسمر ودود.. كأنك رأيته من قبل.. ممكن يكون «أخ أو جار أو أو أو».. المهم أنك تألفه.. ممن كانت الدعوة؟ ربما من الأستاذ والفنان العظيم «حسن فؤاد»، الذى كان رئيس تحرير «صباح الخير»، رحمه الله، أو من أستاذنا الناقد الكبير رؤوف توفيق، متعه الله بالصحة، الذى كان مرجعيتنا فى السينما، جاء «الطيب» ولم نكن نعرفه، وحضر كل من كان موجوداً إلى مكتب حسن فؤاد.. كنا جيل «آخر العنقود»، لا يزيد عددنا عن خمسة أو ستة، وكان جزءاً من روتين «صباح الخير» تلك اللقاءات الأشبه «بقعدة» على السجية تنتهى ربما «بغلاف» وموضوع داخلى، أو تحقيق، أو حكاية. المهم أنها تكشف أو تستكشف لآلئ فى «محارات».
الانتباه الجمعى لعاطف الطيب وأعماله جاء مع فيلم «سواق الأوتوبيس» الذى كان فيلمه الثانى بعد «الغيرة القاتلة»، ليتأكد كل هذا الاستشراف بأنه، وعبر الأربعة عشر فيلماً، يوثق لشعور جمعى، ولجيلنا.. ولمصر فى لحظات تحول مهول، ما زالت بصماتها حية.. سواق الأوتوبيس.. التخشيبة.. الحب عند هضبة الهرم.. البرىء.. ضد الحكومة.. كتيبة إعدام، وغيرها كلها جاءت من الناس وانحازت إلى الناس، بوعى فنان يستشعر إيقاع الناس وينبه للخطر القادم مستبقاً حدوثه.. حمل الطيب رؤية الطبقة الأوسع فى مصر، المكدودة والمنهوبة والتى أنهكها طول الحلم بقدر من العدالة.. طوال الوقت تحمل الوطن فوق كاهلها، تحلم له وتسعى، فتحط غربان الفساد وتدك أحلامها.. ثنائيات بشير الديك والطيب ووحيد حامد والطيب أو أسامة أنور عكاشة والطيب تاريخ موثق بالسينما حين تكون للسينما رسالة تنحاز إلى القيم الأصدق فى التعبير عن أوضاع الناس.. يستطيع المتلقى أن يتدرّج وما جرى للوطن مع أفلام «الطيب».
الطيب المولود عام ١٩٤٧ بقرية سوهاجية، جاء من «ماعون» الكد المصرى، الذى يدفع الاحتياج أبناءه إلى البحث عن رزق فى العاصمة، واحتواه وأسرته حى بولاق الدكرور.. أتاحت له مصر الناصرية ليس فقط الالتحاق بمعهد السينما عام ١٩٦٦، لكن أن يحلم بما كان يرفع من شعارات وأن يطابق ما بين الحلم والواقع، وكيف يمكن أن يتكسر الحلم على صخرة واقع معيش.. كما يلخص الفنان الكبير سعيد الشيمى فى كتابه «أفلامى مع عاطف الطيب» الذى يكشف عن زوايا الفنان، يقول الشيمى: «عشنا وحلمنا وعملنا وتأملنا معاً.. نحن من جيل عاش حلم التغيير إلى الأفضل وصُدم فى واقع التغير إلى الأسوأ» فى ثنايا سينما «الطيب» المنثورة روحه فى شخوص أفلامه، مساحات من التوثيق لسيرة وطن.