تاكسي عزل.. "عبد الحميد" يواجه كورونا بحاجز بلاستيك يفصله عن الركاب

تاكسي عزل.. "عبد الحميد" يواجه كورونا بحاجز بلاستيك يفصله عن الركاب
ينهض المواطن عبد الحميد حسن من غفوته في السابعة صباحًا من كل يوم، يتحرك بخطوات محسوبة، حتى لا يزعج أطفاله الثلاثة وزوجته الخالدة في نومها، وفي عجالة ينتهي سريعًا من تناول ما يجده أمامه من فطور، يتجه بعده صوب خزانة ملابسه يجر أدراجها بحذر يختار منها ما يرتديه من ملابس خصصها لأوقات الشغل، وفي غضون ساعة أو أقل يغادر منزله بعد أن ارتدى الكمامة والقفاز الطبي تجنبا للعدوى بفيروس كورونا، قاطعا خطوات قليلة إلى حيث يستقر التاكسي الخاص به، مورد رزقه، ليبدأ عملية تعقيم شاملة لمقاعده وأبوابه وزجاجه من الداخل والخارج بمحلول كحولي "كل يوم بعقم التاكسي قبل الشغل عشاني وعشان الزبون".
كحال الكثير من أصحاب الأمراض المزمنة، تملك الخوف من "عبد الحميد"، مع بداية انتشار فيروس كورونا وزيادة أعداد الإصابات في مصر، التزم منزله طيلة الأسبوع الأول من الأزمة خوفًا من العدوى، لم يهدأ فكره ليلا ونهارًا تراوده تساؤلات دون إجابة من أين سينفق على أسرته ومورد رزقه الوحيد هو التاكسي الذي يضطره إلى الاختلاط اليومي بأشخاص من كل حدب وصوب ربما يكن أحدهم حاملا للفيروس.
"مكنتش عارف أعمل إيه وهصرف على بيتي إزاي ولو اتصابت وأنا عندي السكر هيجرالي إيه".. يقول الرجل الثلاثيني في بداية حديثه لـ"الوطن"، عن مخاوفه التي تملكت من رأسه في بداية الأزمة، لم يجد لها حلا طيلة أيام طويلة، حتى تسلل شعاع ضوء خافت إلى حياة الأب لينير ظلامها، بعد مكالمة هاتفية بينه وبين شقيقه الذي يعمل في مجال ميكانيكا السيارات تحمل إليه البشرى بفكرة أنقذته من عناء التفكير.
"مشمع عازل شفاف يفصل الكنبة الخلفية بالتاكسي عن المقعدين الأماميين"، هي الفكرة التي اقترحها شقيق عبد الحميد عليه، كحل أمثل للوقاية من الاختلاط بالزبائن الركاب وحمايته من العدوى بالفيروس المستجد، بخاصة وأنه مريض سكر منذ سنوات، ووجد فيها طوق نجاة له من حيرة الفكر، وبالفعل انتهى الأخ من تركيب المشمع العازل واتخذ عبد الحميد قرارًا بالعودة من اليوم التالي إلى عمله للإنفاق على أسرته.
"عبد الحميد" يحتفظ بزجاجة ماء مخفف بالكلور لتعقيم التاكسي قبل الركوب
أدوات وقاية عدة تخبئها شنطة التاكسي الذي يملكه الرجل الثلاثيني، بخاخة كبيرة تحوي ماء مخفف بكلور وفوطة وزجاجة كحول، لا يضع قدميه في التاكسي إلا بعد الانتهاء من تعقيمه جيدا من الداخل والخارج،"بعقم كل حتة فيه مقابض الأبواب والكنبة والإزاز كمان وطول اليوم في إيدي إزازاة الكحول بعقم إيدي أول بأول"، إلى جانب تعقيمه للكنبة الخلفية بعد نزول كل راكب.
بابتسامة تتضح من عينيه رغم اختباء ملامحه خلف الكمامة، يستقبل عبد الحميد زبائنه الذين يبدو عليهم اندهاشا واضحا كلما هموا بالركوب ووجدوا المشمع البلاستيكي الشفاف، يبدون إعجابهم الشديد بالفكرة التي تهدف لحمايتهم أيضا"، الزباين أول ما بتدخل العربية وتشوف اللي عامله بتفرح بالفكرة وبيتمنوا إنها تتعمم في التاكسيات"، حسب تعبير سائق التاكسي.
الكمامة والعازل البلاستيكي الشفاف ليسوا فقط وسيلة عبد الحميد الوحيدة للوقاية من الفيروس المستجد بل يحرص على تعقيم العملات الورقية بزجاجة الكحول التي لا تفارق يده دائما كلما هم بأخذ الأجرة من الزبون.
انفرجت الأزمة قليلا حين صدر قرارا وزاريا برفع حظر التجوال وتطبيقه لمدة 4 ساعات فقط من الثانية عشر في منتصف الليل حتى الرابعة فجرا، تحسنت معها وتيرة العمل بالنسبة لعبد الحميد، الذي واجه نقصا كبيرا في أعداد الزبائن خلال الأشهر الماضية بسبب مواعيد الحظر ولقلة خروج الناس خوفا من الوباء المنتشر" ده حالي وحال الكل ربنا يفرجها علينا جميعا".