حاسس أنه يوم فرحي.. "الوطن" تعيش رحلة مؤذن لصلاة الفجر بعد فتح المساجد

حاسس أنه يوم فرحي.. "الوطن" تعيش رحلة مؤذن لصلاة الفجر بعد فتح المساجد
- صلاة الفجر
- فتح المساجد
- فيروس كورونا
- كورونا
- كورونا فيروس
- كوفيد19
- covid 19
- صلاة الفجر
- فتح المساجد
- فيروس كورونا
- كورونا
- كورونا فيروس
- كوفيد19
- covid 19
حارة ضيقة نال منها الزمن، متفرعة من شارع "مغربي المهدي" في حدائق القبة بالقاهرة، الهدوء يخيم على سكانها، بالكاد يُسمع صوت أم كلثوم الصادر من راديو متسللًا من إحدى النوافذ، يقابله في الجهة الأخرى صوت شيخ كبير داخل شرفته بالطابق الثالث، ارتفع بالدعاء لبلده مصر أن يزول الوباء عنها، قبل ساعات من رفعه لأذان أول صلاة فجر في المسجد منذ نحو 90 يومًا، بعد تعطيل المساجد بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، ليصبح السبت، أول أيام فتحها.
في تمام التاسعة مساءً، طل المؤذن إبراهيم خلف عبدالعال من شرفته، بعد أن انتهى من صلاة العشاء منزليًا، يده تمسك كوب من الشاي والأخرى يسبح بها المولى على نعمته بإعادة فتح بيوته مرة أخرى، الأمر الذي انتظره طويلًا، وعادته اليومية التي انقطع عنها لـ3 أشهر، "أنا روحي في الجامع، وبعِد الساعات عشان الفجر ييجي وأرفع صوتي بالأذان من تاني وروحي ترجعلي تاني".
6 أعوام مرت على الرجل الستيني، وهو مؤذن لجامع "أبي بكر الصديق"، يرفع أذان الخمس صلوات يوميًا، وهو ما يراه منحة من الله على حد قوله، قبل أيام الوباء، التي جعلته يلتزم بقرار الدولة بإغلاق المساجد، "رغم إنه كان صعب عليا اقفل الجامع، كنت ببكي من كتر منا مشتاق للصلاة فيه، بس لازم نحافظ على المصلين، حسب توجيهات وزارة الأوقاف والمراقب العام لنا".
درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.. قاعدة شرعية عمل بها المؤذن، ليبعد الأذى الناجم عن الاختلاط في أثناء الصلاة، على الرغم من حزنه الذي لازمه طيلة الأيام الماضية، وهو ما وصفه بعينين تلمعان من الدموع: "حسيت حزن لا يعلمه إلا الله، كل ما أدخل المسجد أقول فين الحبايب والمصلين اللي بينوروا المكان، وأخلص أذان وأمشي زي الغريب، وأسيب الجامع فاضي ومضلم".
كأني هتجوز من جديد.. سعادة مؤذن مسجد "أبي بكر الصديق" بعودة صلاة الجماعة
حال "عم إبراهيم" تبدل تماما بعد قرار الحكومة المصرية، بإعادة فتح دور العبادة لأداء الصلوات، وهو ما وصفه بأسعد خبر سمعه، قائلا: "كأن الواحد الدنيا كلها اتفتحت له من جديد، وأخدت طاقة من الحب والأمل، خلتني أنوي الزيادة في طاعة الله والعبادات، جايز يكون الوباء آية عشان نقرب منه أكثر ونعرف قيمة فتح المساجد".
من أمام منزله، أعلن المؤذن استعداده التام لأول فجر بعد فك الحظر جزئيا، حسب تعليمات وزارة الأوقاف: "جاهز من دلوقتي ومستعد لليوم، وحاسس أنه يوم فرحي، وكأني هتجوز من جديد"، على حد وصفه لـ"الوطن".
بخطوات نشيطة وابتسامة عريضة.. "عم إبراهيم" يتجه لرفع أذان أول فجر بعد تخفيف الحظر
عقارب الساعة دقت الثالثة إلا عشر دقائق صباحًا، ازدادت الحارة هدوء، وتبدل الصوت الخافت المنبعث من الراديو، وأصبح يشدو بتواشيح الشيخ النقشبندي، معلنًا اقتراب دخول وقت الفجر، وخطوات عم إبراهيم على السلم، تصدر ذلك الصوت الذي اعتاده الجيران منه في وقت الفجر، ولكن بدا عليها نشاط ملحوظ في هذه الليلة، حيث تسارعت لرفع الأذان بصيغته المعتادة، بدلًا من صيغة النوازل التي أحزنته سابقًا.
فرحة طفل بيوم العيد، ارتدى ابن حدائق القبة جلبابا جديدًا، وكأنه لبس العيد بالنسبة للأطفال، ووضع مِسْكه المميز، لأن الليلة "عيد" حسب وصفه، يمسك بسجادة الصلاة في يده، وعلى وجهه كمامة واقية، يُلقي السلام على من يُقابل، وهو في طريقه للمسجد القريب من بيته، وهنا التف حوله صبية صغار وسألوه: "عمو الحاج، هو احنا هنيجي نصلي عادي النهاردة؟"، ليرد ذو الشعر الأبيض فرحا: "أيوة تعالوا، بس كل واحد يلبس كمامة ويجيب مصلية معاه"، ثم أكمل طريقه تجاه الجامع.
على بعد خطوة من باب المسجد، خلع المؤذن حذاءه، ودخل بيت الله مبتسمًا، متجها نحو القبلة، ليفترش المُصلاة الخاصة به، ويصلي ركعتي السنة، ملتزمًا بالإشارات الأرضية التي وضعها بعد إعلان العودة للمساجد، وتحدث عنها بعد أن أنهى صلاته: "ده لزق حطيناه عشان نلزم المصلين بالتباعد، بيوضح لكل مصلي مكانه فين، بحيث ميكونش اتنين بيصلوا جنب بعض".
حي على الصلاة.. "عم إبراهيم" يرفع الأذان بصيغته المعتادة
في الثالثة و9 دقائق، اتجه الرجل الستيني نحو القبلة، ودنا من الميكروفون، ليرفع الأذان بصوت عذب عرفه سكان المنطقة، ولكن تلك المرة بالصيغة المعتادة التي عاد إليها من جديد، "حي على الصلاة حي على الفلاح"، وانتظر 10 دقائق فقط، ليقيم الصلاة بـ"قد قامت الصلاة" للمرة الأولى منذ نحو ثلاثة أشهر.
توافد المصلون على المسجد، ملتزمين بالتعليمات والإجراءات الاحترازية التي أرستها وزارة الأوقاف، والتي قالها "عم إبراهيم" بين الأذان والإقامة، بأن يحافظوا على التباعد بينهم، واصطحب كل منهم مصلاه الخاصة، مع ارتداء الكمامة، وعدم استعمال دورة المياه، فيما وقف أحمد همام أحد سكان المنطقة على باب المسجد، يرش الكحول على يد المصلين لتطهيرهم، قبل أداء الصلاة.