خبراء بمعهد ماساتشوستس الأمريكي يعددون مخاطر سد النهضة منذ 5 أعوام

خبراء بمعهد ماساتشوستس الأمريكي يعددون مخاطر سد النهضة منذ 5 أعوام
منذ الإعلان عن بناء سد النهضة الأثيوبي، والجدل مستمر حوله نظرا لأنه من الواضح إغفال العديد من المنقاط والملفات الهامة المرتبطة ببناء السد، وهذا ما ظهر جليا خلال الفترة الأخيرة.
وفي عام 2015 نشر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، تقريرا يعالج الآثار المحتملة لمشروع سد النهضة، بسبب الجدل الذي أحاط بالمشروع منذ الإعلان عنه في عام 2011، بخاصة فيما يتعلق بآثاره المحتملة على السودان ومصر، دولتي المصب، التي تعتمد بشكل كبير على مياه النيل في الزراعة والصناعة ومياه الشرب.
وعقد مختبر عبد اللطيف جميل العالمي للمياه والأمن الغذائي (J-WAFS) التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (M-WAFS) ورشة عمل صغيرة للخبراء الدوليين لمناقشة القضايا الفنية المتعلقة ببناء وتشغيل السد، على أمل تقديم تقييم مستقل ومحايد للمساعدة في صنع القرار.
وكان جون لينهارد، مدير J-WAFS، من بين منظمي ورشة العمل التي عقدت في المعهد الأمريكي، وقال حينها إنه تم اختيار المجموعة بعناية لتشمل كبار الخبراء في هندسة الموارد المائية واقتصادياتها وفي حوض النيل، وتم تكليف ورشة العمل بمراجعة الوضع الحالي للمعرفة التقنية بشأن سد النهضة وتأثيراته المحتملة على دول المصب. كانت الفكرة هي "تقديم المشورة والقيام بذلك بشكل محايد".
يقول لينهارد: "لقد بذلنا قصارى جهدنا للعثور على أشخاص يعرفون عن السدود الكبيرة والأنهار الكبيرة، والذين لا ينتمون إلى أي من الحكومات الثلاث"، بما في ذلك الأشخاص الذين لديهم "خبرة عملية مع السدود من هذا الحجم" . كما تضمن الاجتماع مراقبين من مصر والسودان وإثيوبيا.
وأثار التقرير خمسة قضايا فنية تتطلب حلها، أولها الحاجة لتنسيق شامل لإدارة وتشغيل السدود على مجرى النهر، حيث ينضم سد النهضة إلى السد العالي بأسوان كخزان كبير ثاني على نهر النيل، وتحتاج مصر وإثيوبيا إلى صياغة خطة لتنسيق تشغيل هذين السدَين، لتقاسم مياه النيل بشكل منصف خلال فترات ملء الخزان والجفاف، حيث لا يوجد مكانان في العالم يتم تشغيل سدين كبيرين على نفس النهر دون تنسيق وثيق.
وتابع الباحثون: "بهدف تحقيق استراتيجية إثيوبيا بعدم إحداث ضرر لدول المصب، فإنه من المهم أن تتم إدارة سد النهضة والسد العالى واحتياطى السودان من المياه بالتنسيق بين الدول الثلاث، حتى لا تكون هناك حالة من الإفراط فى مرافق التخزين يكون فيها حجم المياه المخزَّن أكثر مما هو مطلوب فعليا للحماية من الجفاف".
تقول ورقة العمل: "عندما يتم الانتهاء من سد النهضة، فإن حوض النيل سيكون لديه فائض مياه، وهو ما يحتاج من مديرى السدود أن يكونوا قادرين على التنسيق لاختيار مكان لتخزين المياه الزائدة لاستخدامها خلال فترات الجفاف لفترات طويلة، ورغم أن النيل متفرد فى بعض النواحى، فى جميع الحالات المماثلة القائمة التى عرفناها، فهناك اتفاقات بين دول المنبع ودول المصب حول كيفية تشغيل المرافق المتعددة الخاصة بتخزين المياه، وبالتأكيد إذا تم بناء خزانين كبيرين على نهر ما فى بلد واحد (مثل كولورادو وميسيسيبى وموراى دارلينج)، سيحتاج تشغيلهما إلى التنسيق بحرص للتأكد من تحقيق المنافع الاقتصادية والمالية ومن التقاسم العادل والمنصف للمياه بين جميع المستخدمين، فهذا النوع من التنسيق مفيد أيضا لجميع الأطراف على أى نهر دولى".
تضيف: "وإلى حد علمنا لا يوجد حاليا أى اتفاق لتنسيق تشغيل السد العالى وسد النهضة، وكذلك مرافق البنية التحتية فى حوض النيل، وهناك حاجة ماسة لهذا الاتفاق لضمان التزام إثيوبيا بتعهداتها أن سد النهضة سيقام ويتم تشغيله بحيث لا تتضرر دولتا المصب (مصر والسودان)، خلال فترة ملء الخزان أثناء فترات الجفاف الطويلة".
والأمر الثاني أنه لم يتم تقدير دقيق لمخاطر هذا السد وإمكانية تسرب المياه المخزنة، يتطلب تصميم سد النهضة بناء "سد سرج" كبير جدا لمنع تسرب المياه المخزنة خلف النهضة من الطرف الشمالي الغربي للخزان. ربما لم يتم تقدير المخاطر المصاحبة لفشل محتمل في هذا السد، ويجب إدارتها بعناية.
وأضاف: "التصميم الحالى لسد النهضة يتطلب بناء سد السرج ليحتفظ بـ89% من التخزين المباشر لخزان النهضة، وبناء خطوط نقل الكهرباء إلى مصر والسودان يستغرق 5 سنوات والمناطق الضعيفة فى الأساسات من المحتمل أن تكون موجودة، وقد تؤدي إلى زيادة تسريب المياه من خلال سد السرج ما يؤدى إلى تشقق سطحه ثم انهياره".
وتمثل الأمر الثالث في عدم القدرة على توفير المياه لمصر والسودان أثناء ملء الخزان أو خلال فترات الجفاف، هناك قلق بشأن موقع وقدرة منافذ الإطلاق المنخفضة المستوى في سد النهضة لتوفير المياه لمصر والسودان أثناء ملء الخزان أو فترات الجفاف.
أما الأمر الرابع فإن الحاجة لإدارة الطاقة الكهرومائية المولدة من السد. حيث تتجاوز الطاقة الكهرومائية المولدة من سد النهضة سوق إثيوبيا المحلية الحالية للطاقة، وبالتالي ستحتاج إلى بيعها خارج إثيوبيا.
وهناك حاجة إلى خطة لمثل هذه المبيعات، ولإنشاء خطوط نقل إلى الأسواق الإقليمية. ستضمن اتفاقية تجارة الطاقة حصول الشعب الإثيوبي على عائد مالي جيد على استثماراته.
وخامسا أن التراكم المستمر للأملاح في الأراضي الزراعية يمكن أن يتسارع بسرعة.
وأوضح التقرير أنه ربما يكون السؤال الأكبر بشأن السد الجديد هو كيف ستدير إثيوبيا عملية ملء خزانها الضخم، الذي تبلغ طاقته أكثر من تدفق النيل الأزرق لمدة عام، وقد أعربت مصر عن مخاوفها من أنه إذا تم ملء الخزان بسرعة كبيرة، فقد يقلل بشدة من التدفق الذي تعتمد عليه مصر، يأتي 60٪ من مياه نهر النيل من النيل الأزرق.
يقول كينيث سترزيبيك، عالم أبحاث في البرنامج المشترك لعلوم وسياسة التغيير العالمي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والرئيس المشارك بالورشة: "هناك قلق من انخفاض تدفق المياه وكيف ستدير إثيوبيا عملية ملء خزانها الضخم".
يقول دالي ويتنجتون، الأستاذ في جامعة نورث كارولينا والمحرر المشارك لتقرير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "تأمل مصر وإثيوبيا والسودان حاليا أن يتمكن فريق من الاستشاريين الدوليين من إيجاد حلول فنية لهذه المشكلات الصعبة بسرعة، من وجهة نظرنا، من المحتمل أن يكون هذا تفكير بالتمني. ستتطلب المفاوضات الصعبة المقبلة أن يكون لدى خبراء السياسة الخارجية والمياه من كل دولة من الدول الثلاث فهم مشترك للقضايا الفنية ورغبة في التنازل أثناء صياغة اتفاقيات تفصيلية حول سياسة تشغيل الخزان، واتفاقيات تجارة الطاقة، وسلامة السدود، ومراقبة".
ويقول دون بلاكمور، المدير التنفيذي السابق لهيئة حوض نهر موراي دارلينج في أستراليا والرئيس الحالي للمعهد الدولي لإدارة المياه: "ستحاول مصر والسودان وإثيوبيا العمل مع مستشاريهم لحل هذه المشاكل الخمس، مع الحاجة لتدخل المجتمع الدولي".
كما يمكن لبلاد أخرى أن تلعب ثلاثة أدوار محتملة، كما يقول بلاكمور: تقديم نصيحة علمية محايدة، جلب الخبرة القانونية والخبرة في المياه العابرة للحدود للمساعدة في صياغة نص الاتفاقات الفنية،والعمل على التحكيم في النزاعات التي تنشأ مع مرور الوقت.
ونظرا لاحتمال الصراع بين الدول التي تعتمد على هذه المياه، يضيف بلاكمور: "يحتاج المجتمع الدولي إلى التركيز على النيل على نحو عاجل".