عم رمضان: اتجوزت الحلل والأطباق

كتب: أسماء بدوى وأمينة مجدى

عم رمضان: اتجوزت الحلل والأطباق

عم رمضان: اتجوزت الحلل والأطباق

وهب نفسه وحياته كلها لخدمة آل البيت، يرى أنه مجند من الله لخدمتهم، يعمل لأجلهم فقط، يطعم كل من يأتى لزيارتهم، لا يترك مولداً إلا ويحضره، ابتداءً من مولد سيدى العوام فى أقصى الشمال فى مرسى مطروح حتى مولد سيدى أبوالحجاج فى الأقصر. فى خيمته المجاورة لسور مسجد السيدة زينب مباشرة، يجلس «عم رمضان»، خمسينى العمر، وكأنه شاب عشرينى، على كرسى، أمامه وابور ضخم عليه إناء كبير يحتوى على البطاطس، واللحم، رائحة طعامه تفوح فى المكان، تؤكد على أنه شخص ذو خبرة عالية فى الطهى، كل عدة دقائق ينادى «وحّد.. وحّد الله». يقول عم رمضان: «أنا من عابدين بس يعتبر مش ساكن فيها، أنا واهب نفسى لخدمة آل البيت، باسافر فى كل الموالد من أول مرسى مطروح لغاية الأقصر». ينادى على سيدة أربعينية العمر تدعى عفاف، لتساعده فى غسل الأطباق، ويتابع حديثه: «إحنا شغالين مع حضرة النبى وآل البيت». عم رمضان ذو شخصية غامضة تارة تجده مرحاً وتارة أخرى غاضباً دون مبرر واضح، يغضب حينما يسأله أحد عن مصدر الإنفاق على إطعام زوار آل البيت، ويرد بنبرة حادة: «اللى بيصرف على الأكل أحباب آل البيت، إحنا بنعمل خير مبنعملش غلط». تبتسم «عفاف»، قائلة: «متزعّلوش.. عم رمضان أصله من أولياء الله الصالحين، وصاحب كرامات، متخليهوش يزعل منك». يستأنف عم رمضان الحديث مرة أخرى، محاولاً إضفاء روح الدعابة والضحك، قائلاً: «أنا كنت متجوز بس ربنا ما أرادش إنى أكمل مع زوجتى، بس أنا واهب نفسى فى خدمة آل البيت، اتجوزت الأنابيب، والحلل، والأطباق». سرعان ما تتبدل ملامحه من الفرح للغضب مرة أخرى، عند سؤاله عن سبب إجادته للطهى، وهل كان يعمل طباخاً قبل ذلك، يرد: «قصدك إيه من السؤال، مش فاهم وراه إيه السؤال ده»، لتعيد السؤال مرة أخرى، فيبتسم قائلا، «آااه أنا فعلاً كنت جزار قبل ما أخدم آل البيت»، ويضيف، «كل الناس لازم تاكل، طالما جايين زيارة السيدة زينب، حتى لو واحد راكب خنزيرة». تتعدد الطرق من رفاعية، وإبراهيمية وإدريسية، إلا أن عم رمضان لا ينتمى لأى طريقة، بنبرة ثقة يغلب عليها الاعتزاز، والفخر بنفسه: «أنا ماليش فى موضوع الطرق ده، أنا مع الله وبس، وفى خدمة آل البيت»، ويشير بيده إلى مسجد السيدة زينب. يترك رمضان الحديث منادياً على أحد مساعديه قائلاً: «يا بنى هات عيش هنا للحاجة»، ترد عليه «شكراً يا حاج»، ليرد عليها بحزم: «اللى كرمك الله واللى ضيّفك الست». يرى عم رمضان أن قرار تقديم موعد الليلة الكبيرة لمولد السيدة زينب لتزامنها مع انتخابات الرئاسة كان له تأثير سلبى على الإقبال على المولد. ويقول: «السنة دى كانت الرِّجل قليلة حبتين من زوار مولد السيدة، لإنهم غيروا المواعيد، وكمان الناس مش حاسة بأمان زى الأول». بجانب خيمة عم رمضان، يقف «محمد» عشرينى العمر، بائع لعب أطفال، جاء من الفيوم بحثاً عن رزق أوفر فى قاهرة المعز، وليبتعد عن أخيه الذى توجد بينهما خلافات على إرثهم من أبيهم، ويقول: «قلت آجى أشتغل فى القاهرة وأكوّن نفسى، مش هاستنى لما أخويا يرجّع لى أرضى». افترش «محمد» بضائعه منذ أسبوع، لكن لا توجد زبائن كثيرة تتردد كالأعوام الماضية، ويضيف: «أنا حاطط أملى على الليلة الكبيرة، وتيجى الناس أكتر فيها، ما فيش حد بيشترى كتير، وأى حد بيشترى بارضى بالسعر، المهم آكل عيش». على الرغم من أن «محمد» اعتاد افتراش بضائعه فى الموالد، حتى تكون فرصة البيع أكثر، فإنه لا يعتقد بالموالد، يشير تجاه المسجد والناس الذين يجلسون بساحته قائلاً بصوت خافت حتى لا يسمعه أحد: «أنا باحب آل البيت، بس الحاجات دى ماليش فيها، إحنا بندعى ربنا وبس، ومن أى مكان بيستجيب لعباده». فى الوهلة الأولى تظن أن «محمد» حاصل على تعليم متوسط، لكنه يقول بابتسامة تغمر ملامح وجهه: «متفتكروش إنى جاهل، أنا دارس شريعة وعارف كويس الدين بيقول لنا إيه».