لحظة استثنائية.. ستظل فى ريعان الشباب
على مر السنين قد يخبو البريق الذى يُكلل لحظات انطلاق بعض المناسبات حتى تتحول تدريجياً إلى طقس تقليدى.. لكن شمس يوم 30 يونيو 2013 أشرقت بإصرار وعزم على أن تبقى متوهجة فى الذاكرة الوطنية، ليس فقط على الصعيد العام، بل تحتل مساحة شخصية داخل كل فرد من 35 مليون ازدانت بهم شوارع مصر كى تجعل من هذا اليوم عيداً وليس مناسبة قومية فحسب.
القراءة العامة للمشهد كانت تؤكد الإصرار الشعبى على إعادة رسم الخريطة السياسية لمصر انطلقت فى صورة تكتل فريد من نوعه بعدما جمع الشعب الإحساس بالخطر والخوف على البلد.. امتلأت شوارع «المحروسة» فى تلاحم أعاد للأذهان ثورة 1919 التى وحدت مختلف شرائح وفئات الشعب. الحالة الاستثنائية جعلت 30 يونيو لحظة فارقة فى تاريخ المنطقة كلما مرت عليه السنون سيتكشف المزيد عن إيجابياته منذ أن وجه الشارع المصرى صفعة قوية على وجه من أطلقوا على أنفسهم «إخوان» وكل الأطراف الداعمة والممولة لجماعتهم، إذ كبدت ذيول «عصابة البنا» خسائر وأزمات هى الأكبر فى تاريخها الإرهابى. ثورة 30 يونيو نقلت علاقة المواطن بالحكومة إلى مستوى مختلف عما كان سابقاً.. بعدما ساد التجاهل والاستخفاف طبيعة العلاقة على مدى عقود سابقة. تغيرت الصيغة إلى اقتراب الحكومة بكل مسئوليها من الشارع والإحساس بنبض وهموم المواطن بدليل سرعة رد فعل الأجهزة الحكومية واستجابتها فى الأزمات.
إبداع ثورة 30 يونيو رغم حدوثها داخل الحدود الجغرافية لمصر، إلا أنها صهرت الحدود والجغرافيا.. حالة المواطنة الجارفة ارتقت لتجعل منه يوماً عربياً كبيراً ومحورياً يعيد ثوابت أمن المنطقة العربية التى لا يمكن إرساء قواعدها دون مصر بعد أن كادت تختطفها «عصابة» هدفها السيطرة على مفاصل الدولة وتمكين أفراد جماعتها فقط، وإن كان الثمن إراقة دماء شعب. وفق كل معايير المنطق ظهر الترحيب العربى وتضامنه مع إرادة الشعب المصرى لإنهاء ظلامية لو تمكنت من مصر لقضت على المنطقة بأسرها. الحرص العربى جاء متناسقاً لإنقاذ الهوية المصرية والعربية من مخططات تنظيم دولى تقسيم المنطقة كخطوة تتيح تمكينه من مفاصل الدول العربية، وبالتالى اعتبر المخطط أن السيطرة على مصر هى الجائزة الذهبية التى ستفتح للتنظيم أبواب المنطقة كى ينطلق منها مشروع الخلافة العابر للحدود لتغيير ملامح الهوية العربية برعاية تركيا وأموال قطر. لعل أكثر الأدلة العديدة خطورة اتجاه «عصابة البنا» إلى استنساخ تجربة ملالى إيران تأسيس قوات حرس ثورى لحماية النظام كقوة موازية تعمد إلى تهميش المؤسسات الأمنية الوطنية. تفاصيل المخطط وثّقت بالصوت والصورة خلال لقاء فى القاهرة بين خيرت الشاطر وقاسم سليمانى القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى، ثم سماح محمد مرسى دخول أكثر من 300 عنصر تكفيرى من أفغانستان إلى مصر بهدف تكوين نواة «جيش الخلافة». الإدراك العربى لم يكن غائباً عن اللحظة مع يقين تام أن ثورة 30 يونيو هى إنقاذ للأمن القومى العربى.
أمام كل الأبعاد الإيجابية التى تحققت من مصر انطلاقاً من يوم 30 يونيو 2013، جانب الصواب بعض الأقلام فى حصر اليوم الاستثنائى داخل أطر أو قيود محدودة مثل «كتلة» أو «تيار».. المؤكد أن هذا التاريخ هو يوم عربى مهم خصوصاً أن الدعوة الشعبية الجارفة التى انطلقت من مصر ما زالت أسبابها حاضرة فى صورة ترصُد تنظيماً إرهابياً دولياً يدير مخططاته عبر اللعب على كل الأوراق، حتى ولو كان الثمن دفع العرب إلى سفك دماء بعضهم البعض.