بين «جورج فلويد» و«إياد الحلاق».. تختنق الحقيقة!!

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

صدم مقتل المواطن الأمريكى من أصول أفريقية «جورج فلويد» على يد أحد رجال الشرطة دون مبرر العالم وهز ضميره، واجتاحت المظاهرات الغاضبة معظم الولايات الأمريكية، وامتدت لتطال دولاً عديدة فى أوروبا، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وأستراليا وغيرها. طبيعى أن يشعر الإنسان أنه غير آمن فى ظل عنصرية أفرزتها سياسة التفرقة والاستعلاء، وتراكمت تداعياتها على مر السنين، وعندما ثارت كبركان خامد، انفجرت فى وجه الجميع، لتلتهم الأخضر واليابس، هذا بالضبط ما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد عقود من العنصرية الواضحة فى معاملة السود فى المجتمع الأمريكى رغم غطاء الديمقراطية والادعاء بممارسة حرية المعتقد والرأى، طفح الكيل وانكشف المستور وتفجر الغضب لينتشر مثل النار فى الهشيم بعد حادثة مقتل فلويد على مرأى العالم، ووسط توسل المارة بتركه وإصرار عنصر الشرطة إحكام قبضته على عنقه لعشر دقائق متواصلة لفظ بعدها فلويد أنفاسه دون مقاومة، وهو يردد «لا أستطيع التنفس»، لتصبح هذه الجملة شعار المحتجين الغاضبين الناقمين على سياسة التمييز العنصرى الذى عانوا منه لسنوات.

انتفض العالم تضامناً مع هذا المشهد المؤلم الذى يجسد جريمة قتل مع سبق الإصرار دون تهديد واضح يستدعى رد الفعل العنيف، وعرى النظام العنصرى الذى تتعامل به السياسات الأمريكية تحت غطاء الديمقراطية المزيف، لكن هذا المشهد لم يكن بعيداً عن مشاهد متكررة تكاد تكون يومية فى الأراضى الفلسطينية، أبطالها قوات الاحتلال الإسرائيلى الذين يمارسون فنون الإعدام بحق الفلسطينيين يومياً على الحواجز والطرقات والبلدات دون أن يحاسبهم أحد أو توجه لهم تهمة! وكم من جرائم القتل التى ارتكبتها قوات جيش الاحتلال وشرطته بحق الشعب الفلسطينى ومرت مرور الكرام، رغم بشاعتها وقسوة تفاصيلها، ولعل آخر تلك الممارسات الوحشية التى تقوم بها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين هى جريمة قتل الشاب الفلسطينى المعاق «إياد الحلاق» مع سبق الإصرار والترصد، رغم التحذيرات بأن الشاب من ذوى الاحتياجات الخاصة ولا يشكل أى تهديد أو خطر على عناصر الشرطة التى صمت أذنيها وقتلته بدم بارد!.

ربما أثارت تلك الجريمة الرأى العام فى إسرائيل كونها مفضوحة، لشدة بشاعتها، وعجز الشرطة الإسرائيلية عن تبريرها كما يحدث دائماً، فاستنكر عدد من المسئولين الإسرائيليين الجريمة، وحولت عناصر الشرطة المتورطة إلى المحاكمة، غير أن النتيجة معروفة مسبقاً وعقوبتها لا تتعدى لفت النظر أو التوبيخ، أو الوقف المؤقت عن العمل!. إن جريمة اغتيال الشاب المعاق «إياد الحلاق» ابن مدينة القدس، على يد عناصر الشرطة الإسرائيلية بإطلاق النار عليه وهو ملقى على الأرض لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولم يشكل خطراً داهماً على قوات الاحتلال -كما تتذرع دائماً- لم تأخذ البعد العنصرى والأهمية التى نالها «جورج فلويد»! وأن تمر تفاصيل الجريمة كخبر عابر فى وسائل الإعلام العالمى، فهو أمر يدعو للأسى، ويُوجب المقارنة. خصوصاً بعد أن انتفض العالم على جريمة مقتل «فلويد»، وعم الغضب والمظاهرات الاحتجاجية دولاً عديدة! رغم أن مقتل الشاب الفلسطينى من ذوى الاحتياجات الخاصة، لا يقل أهمية فى بشاعته عن جريمة مقتل فلويد، الذى أصبح «أيقونة» تذكر العالم بسياسة (العنصرية والعرقية والتمييز) التى ما زالت تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية أكبر ديمقراطيات العالم!!.

خرجت أصوات فلسطينية وعربية غاضبة منددة لمقتل «إياد الحلاق»، مطالبة بتحقيق دولى، ورفع الحصانة عن إسرائيل، ومحاسبتها على جرائمها المنظمة، ووقف التعامل معها كدولة فوق القانون، لكن هل يمكن أن يتحقق مطلب واحد من هذه المطالب؟! بالقطع لا. فالتجارب مع إسرائيل فى ممارسة القتل ضد الفلسطينيين بكافة الوسائل لا تعد ولا تحصى، وإثبات جرائمها واضح لا يحتاج إلى دليل، وكم من فيديو وثق جرائم الإعدام لفلسطينيين سواء على الحواجز العسكرية أو فى أماكن أخرى بحجة أنهم يشكلون تهديداً محتملاً!! ومع ذلك لم يُتخذ بشأنها إجراء واحد يكون رادعاً، ويجعلها تفكر ألف مرة قبل الإقدام على جريمة مماثلة، إسرائيل هى الطفل المدلل لدى العالم، وإدانتها ومعاقبتها دولياً تحتاج إلى جرأة وقوة غير موجودة، غير أن الاحتجاجات الغاضبة التى صحبت جريمة مقتل «فلويد»، شكلت رأياً عاماً دولياً يرفض السياسة العنصرية الأمريكية، خاصة بعد أن امتدت المظاهرات إلى دول عديدة عبرت عن رفضها نظام التمييز العنصرى الذى يعانى منه السود. لكن هل الفلسطينى بمعزل عن هذا التمييز الذى يحمل فى طياته أبشع أنواع الاضطهاد ونظام الأبرتهايد؟!. ومن يحمى الفلسطينيين من عنصرية إسرائيل؟.