شهيد «طحانوب».. نشأ لأسرة ريفية وحفظ القرآن صغيراً وودعته قريته فى جنازة عسكرية

شهيد «طحانوب».. نشأ لأسرة ريفية وحفظ القرآن صغيراً وودعته قريته فى جنازة عسكرية
الجرأة والبسالة وشجاعة المواجهة، مِنَح إلهية يُودِعُها المولى عز وجل فيمن يختاره من عباده، يميزهم بها، ويهيئهم بفضلها، لتسرى على أيديهم إرادة الله ومشيئته بين خلقه، فى دفع الأذى والشرور عن الناس، والدفاع عن الحق والخير.
أحمد محمد عواد حيدر، الضابط الشاب الذى لقى وجه ربه، وهو يدافع عن نفسه، واحد من هؤلاء الذين أودع الله فيهم فضيلة الشجاعة والإقدام، فكان بشهادة أسرته وأصدقائه وزملائه فى القوات الخاصة بوزارة الداخلية مقاتلاً جريئاً، لم يخش فى الحق إرهابياً متطرفاً أو بلطجياً مُسلحاً.
وقف البطل ابن الـ22 عاماً فى ساحة القتال التى لم يكن له يد فى اختيارها، بل فرضها عليه بلطجية، استوقفوه وهو فى طريقه إلى عمله، مساء الثلاثاء الماضى، قرب قرية طحانوب، على طريق شبين القناطر، ودون أن يمنح نفسه أى فرصة للتفكير، قرر المواجهة، رافضاً الإذعان لهم، واثقاً فى نصر الله، آملاً أن يتحقق على يديه الجزاء العادل لمن يُفسدون فى الأرض ويسعون فيها فساداً، حتى لو كلفه ذلك حياته. وخلال لحظات دارت المواجهة، فانطلقت رصاصات سلاحه الميرى أولاً، باتجاه أحد البلطجية فأسقطته قتيلاً، فما كان من باقى البلطجية إلا أن يصبوا وابلاً من النار باتجاه الضابط، فلقى وجه ربه فى الحال.[FirstQuote]
واجه البطل عدوه بمفرده، «البلطجة» التى تهدد أمننا جميعاً، العدو الذى لا يقل خطورة وإجراماً عن «الإرهاب الأسود»، المتستر بالدين، والاثنان معاً يتفوقان على العدو التاريخى لمصر وأمتنا العربية «إسرائيل»، ويعملان فى خدمته ليل نهار، بترويعنا فى أوطاننا.
أعرف بشكل شخصى أسرة البطل الشهيد، ونشأته الريفية، وأصله الطيب من عائلة «حيدر» فى قريتنا طحانوب، وما تتمتع به هذه العائلة من محبة واحترام، فكان نموذجاً لشباب القرية الواعد الخلوق، الذى تتشرف به عائلته وقريته، ويعرف أصدقاؤه وزملاؤه وأبناء جيله قدر الشجاعة التى يتحلى بها، وكانت أبرز سماته الشخصية، وهو ما يظهر فى التدوينات التى كتبها بنفسه على موقع «تويتر»، مثل قوله «عزيزى الإرهابى الكافر. لا تقلق عندما ألقاك. سأرديك بطلقة واحدة فقط ترسلك لنيران جهنم. عزيزى الإخوانى الإرهابى عندما ترفع فى وجهى سلاح الخيانة سأقابلك بسلاح الحق لأن هذا هو ما تعودت عليه أما أنت فتعشق الإرهاب والتشفى والخيانة».[SecondImage]
وفى تدوينة أخرى، كان ينعى فيها زملاءه الذين سبقوه إلى الجنة، قال «أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون، اوعدنا يا رب». وقد استجاب له ربه، فمنحه الشهادة، قولاً وعملاً، وكان استشهاده مثالاً حياً على القول الشهير «إذا لـم يكـن للموت بُـدٌّ.. فمن العار أن تموت جبـاناً».
«أحمد»، كان نموذجاً لضابط واعد، يشهد له زملاؤه بالكفاءة، سواء فى التدريب أو العمل، منذ تخرج «حيدر» فى كلية الشرطة، دفعة عام 2013، ولأنه ما زال برتبة «ملازم» لم يكن مسموحاً له بالمشاركة فى مأموريات، خارج قطاع سلامة عبدالرؤوف للعمليات الخاصة (المحور)، وكان مكلفاً مع زملائه حديثى التخرج بالخدمة داخل مقر القطاع وحراسته فقط، ويقول زميله الملازم أول رامى نصر «حيدر كان مشهور عنه أنه متحمس جداً، وكان دايما يطلب من قائد القطاع العميد حسن موسى الخروج فى مأموريات للعمليات الخاصة، وكان القائد يقول له ما ينفعش، ويصبّره بأنه فى شهر 7 المقبل هيترقى لرتبة ملازم أول، ويمكنه ساعتها المشاركة فى المأموريات».
«راجل يا حيدر، شهيد بإذن الله، بطل يا أحمد» وعبارات أخرى كثيرة، رددها زملاء الضابط الشهيد وأبناء طحانوب الذين فجعهم رحيله، ولم يخفف عنهم وجع الفراق، سوى حُسن الخاتمة، الذى فاز به البطل، بعد أن نال الشهادة التى كان يتمناها من الله.[SecondQuote]
طحانوب، تلك القرية صاحبة التاريخ الطويل، إحدى قرى مركز شبين القناطر، بالقليويبة، شهدت صبا «أحمد» وبداية شبابه، وفيها حفظ سوراً من القرآن الكريم عن مشايخ القرية المعروفة تاريخياً باحتضانها لمدارس تحفيظ القرآن وإجازة قراءاته.
خرجت القرية، عن بكرة أبيها، تودع ابنها الشهيد، فى جنازة عسكرية مهيبة، لم تشهد لها مثيلاً، ولا خروجاً بهذا القدر، منذ الجنازة الشعبية التى نظمها أهالى القرية للزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
فى حادث استشهاد البطل أحمد حيدر معانٍ كثيرة تستحق التأمل والتدبر، فإذا كان الشهيد البطل قد انتهت حياته مدافعاً عن نفسه ووطنه، فهو ما يدعونا إلى التحلى بشجاعة القول والعمل، فقد صدق الشهيد ما عاهد الله عليه، وترك لنا الرسالة واضحة وكاشفة، بأنه لا سبيل إلى وطن آمن إلا بالمواجهة الجريئة الشريفة، التى تستأصل البلطجة وتقضى على الإرهاب، وهو ما يدعونا أيضاً إلى التحلى بنفس الشجاعة والجرأة فى مواجهة قضايا المجتمع كله، والنضال من أجل المستضعفين الذين أوصانا بهم ربنا فى قوله تعالى «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الْأَرْضِ». فهؤلاء وحقوقهم، هم الأولى بشجاعتنا وجرأتنا، وأول هذه الحقوق أن يعيشوا فى وطن آمن من البلطجة والإرهاب.
وإذا كان قدر طحانوب ومصر كلها أن تدفع ضريبة الانفلات الأمنى من دماء أبنائها، فحتما سيأتى اليوم الذى تعود فيه الطمأنينة لهذا البلد الأمين، وينتصر الشعب على من يريد ترويعه وتهديده، ويوماً ما سيعرف طريقه إلى حرية يستحقها ودفع فيها دماء شهدائه، وعدالة اجتماعية تنصف الفقراء والمستضعفين وتجفف منابع الإرهاب والبلطجة، وكرامة إنسانية جعلها الله لكل بنى آدم وميزهم بها، واستقلال وطنى لتعيش مصر مرفوعة الرأس.
وإذا كان من كلمة أخيرة، فهى للشهيد البطل، الذى يسمعنا الآن ويرانا، مع الشهداء، فهم «أحياء عند ربهم يرزقون»: وله نقول «ستظل ذكراك أيها البطل عامرة فى قلوبنا، تدعونا للدفاع عن الوطن والحق والعدل، وستحفظ لك قريتك العظيمة شهامتك وبسالتك، وسيظل اسمك مرتبطاً باسمها، على مر الدهر: الشهيد أحمد حيدر.. ابن طحانوب البطل».