طبيب بـ"عزل بلطيم": بكيت لاستقبال زميل مصاب وتأثرت بمريض فاقد البصر

كتب: سمر عبد الرحمن

طبيب بـ"عزل بلطيم": بكيت لاستقبال زميل مصاب وتأثرت بمريض فاقد البصر

طبيب بـ"عزل بلطيم": بكيت لاستقبال زميل مصاب وتأثرت بمريض فاقد البصر

ترك أسرته ورسالة الماجيستير الخاصة به من أجل تلبية نداء الوطن، فلم يتأخر حينما جرى اختياره ليكون ضمن الطاقم الطبي الذي سيتوجه لمستشفى عزل بلطيم لعلاج مصابي الوباء العالمي الجائح فيروس كورونا، وبرغم الخوف الذي انتاب أسرته وبكاء والدته إلا أنه قرر أن يكون بين الصفوف الأولى لعلاج المصابين، هو الدكتور محمد عبد الوهاب حجازى، البالغ من العمر 28 عاماً، الطبيب المقيم بقسم القلب والأوعية الدموية ورعاية القلب و الحالات الحرجة بمستشفى كفر الشيخ العام، فضلاً عن عمله كطبيب مقيم زائر بجامعتى كفر الشيخ والمنصورة.

"لم أخف حينما أبلغنى صديقى الدكتور محمد ياسين، عن اختيارى للانضمام للفريق الطبي بمستشفى العزل، لكننى فكرت للحظات لأننى سأنضم 14يوماً ومثلهم عزل منزلى، ولم أستطع الانتهاء من رسالة الماجيستير الخاصة بى، لكن يقينى أنه دور وطني ولا يجب أن نتخلى عن بلدنا فى هذه المرحلة، كان دافعاً لموافقتى الفورية"، بهذه العبارات بدأ الطبيب الشاب حديثه لـ" الوطن"، مؤكداً أن ما تقوم به الأطقم الطبية بمختلف مستوياتها واجب فى هذه المرحلة الحرجة.

24ساعة كانت أمام حجازى، لتجهيز نفسه والتوجه للمستشفي مع زملاءه، خلال هذه المدة كانت عليه مهاما كثيرة أولها كيف سيقنع أسرته، إنتهى الطبيب الذى تخرج في كلية طب المنصورة عام 2015، من عمله بالمستشفى العام، وتوجه لمنزله الكائن بقرية الخادمية التابعة لمركز كفر الشيخ، فطوال الطريق كان يفكر بمن يبدأ من ذويه، بوالده الذي يعمل معلما لمادة الفيزياء، أم بوالدته التي تعمل وكيلا لإحدى المدارس، لكنه فضل ان يخبر شقيقته الصغري التى تدرس بالفرقة الثالثة فى كلية طب كفر الشيخ، وشقيقه طبيب الإمتياز بنفس الجامعة، ليكونا داعماً له في موقفه، "كنت بفكر ازاى إقنع اهلى مع انهم كانوا عارفين أن الدور هيجى علينا كلنا، دى أزمة لوازم نقف جنب البلد، حكيت لأختى واخويا الأول، علشان يدعمونى، وقدرنا نقع أهلى ووالدى دعمنى لأنه علمنا أزاى نتحمل المسئولية، كلنا دارسين طب بشرى ماعدا شقيقتى الكبرى مى، طبيبة بيطرية، ومتفهمين لكن الخوف من اللى بيسمعوه وبيقرأو عنه كل يوم من الفيروس".

بطل الجيش الأبيض: "كورونا معادلة غير مفهومة لكننا سننتصر"

وبرغم إعتياد الأسرة على غيابه منذ تخرجه حيث قضى عام كامل بمحافظتى أسوان ومطروح، وقتما تخرج فى الكلية، بالاضافة الى عمله بجامعتي كفر الشيخ والمنصورة، الا ان تلك المرة، كانت بالنسبة لذويه فارقة حسبما روي الطبيب الشاب،" إتخرجت وعملت لفترة طويلة كطبيب مقيم في وحدة رعاية الأطفال المبتسرين وكنت بسافر كتير وإتعودوا على غيابى لكن المرة دى مختلفة وفارقة، أنا رايح مش عارف هرجع ولا لا، الخوف والهلع سيطر على أسرتى، رسالتى ستتوقف، عملى الخاص، البعد عنهم، لكننى أؤمن أن ذلك جزء من واجبى ، لا فرق بينى وبين من سبقونى من ابطال، لم يهابوا المرض ووقفوا مؤدين عملهم بتفانى وإخلاص وأخيرا اقتنعوا بكلماتى وودعونى مع دعواتهم لى بالتوفيق والسداد".

لحظات خوف إنتابت بطل الجيش الأبيض، حينما وصل الى مستشفي عزل بلطيم، فالمكان يسكنه الهدوء الا من صافرات سيارات الإسعاف التي لا تهداً، أفراد أمن يوقفونه وزملائه على البوابة الرئيسية، يرتدون ملابساً مختلفة عن تلك التي كانوا يرتدونها من قبل، دقائق وجد نفسه داخل مستشفي، وبمهام جديدة غير الذي تعود عليها طيلة الـ 5 أعوام الماضية، لكنه سرعان ما تغلب على خوفه وبدأ مهامه بشجاعة:"خفت أول ماقربت من المستشفي، الوضع صعب، على الرغم من انى متعود على مدار حياتى المهنية ان اتعامل مع اصعب الحالات الحرجة وكنت دائما ما يستهوينى التعامل مع المرضى في لحظاتهم الصعبة ومحاولة انقاذهم من براثن المرض والموت ، لكن المرة دى برضو كانت مختلفة، وبسرعة تغلبت على خوفي وبدأت مهامي واندمجت مع المرضى، كنت بحاول أطمنهم علشان ينسوا الخوف اللى ممكن يموتوا بيه، الناس كانت معذورة، جايين بدون ونيس ولا اهل من أماكن بعيدة وقريبة، فجأة بدون ذنب لقوا نفسهم معزولين، بندعمهم نفسيا قبل العلاج".

طبيب بـ"عزل بلطيم": تركت والدي المعاق وجدتي المسنة تلبية لنداء الوطن

يؤكد الطبيب، أن العمل في مستشفيات الحجر الصحى، يعلمنا الكثير من الدروس و العبر فهناك المريض ذو التسعين سنة ونراه يخرج سليما معافى وفى المقابل الشاب ذو العشرين سنة نراه يتدهور سريعا في معادلة غير مفهومة لنا كأطباء، فنحن أمام فيروس عنيد شرس يقلب كل موازين الطب، يصيب اى فئة من البشر دون تفرقة بين طبيب او ممرض او مهندس او محامى او عامل، فالكل سواسية في المرض، لكن علينا أن ننصح المواطنين بالبقاء في المنزل أن لم تكن هناك حاجة للخروج، وكما اخبرونا دائما منذ انتشار الكورونا "ابق في المنزل .. تبقى آمنا، لحين التوصل للقاحات وعلاج له، فالبقاء فى المنزل يجنبكم الاصابة، وبطمئنم اننا سننتصر".

 

الطبيب: "البعد عن أسرتى صعب لكن الواجب الوطني أهم ودعواتهم تدعمني"

لحظات صعبة مرت على بطل الجيش الأبيض، خلال عمله الذي يؤديه حاليا بمستشفي العزل، " أصعب موقف لما كنت بمر على مريض، في منتصف الليل، فهو فاقد البصر لا يرى شيئا، وطلب منى مرارا وتكرارا ان اسمح له بالخروج حيث انه يتونس بصوت الناس، على حد وصفه، تحدثت معه، طمأنته وتركته وقلبى يدعو له، وتأثرت وبكيت لحظة إستقبالى طبيب شاب في مرحلة الامتياز ، لم يمر عليه سوى شهرين في حياته المهنية ويعمل بمستشفى سيد جلال الجامعى، وجائنا مصاباً بالفيروس، جاء الينا وحيدا بنفس الحقيبة التى وضع فيها، اغراضه قبل الذهاب للمستشفى، ولكن هذه المرة ليس للعمل كطبيب وانما لتلقى العلاج كمريض، كما تآثرت بمريض آخر، بلغ من العمر أرزله، لم يستطع رفع كوب الماء لنفسه، و مقيم بغرفة وحيدا وكانت مشكلة فعلا ان المريض بحاجة لوجود مرافق طيلة الوقت لخدمته، ولكن كان ذلك غير متاح في وضعنا هذا فهو يشكل مصدر عدوى لغيره من الأصحاء، أوصيت التمريض عليه و خرجت وأنا أدعو له".

 

إقرا ايضا:طبيب بـ"عزل بلطيم": تحملت مسؤوليتي تجاه وطني وتركت طفلتي لأجل المصابين

يختتم الطبيب الشاب حديثه قائلا: "مريت بمواقف طريفة، منها اننى كنت أمر بصحبة زميلى الطبيب واثنين من التمريض، لابسين، جميعا نفس الزى ونجد صعوبة في التعرف على زميلى لنناقش الحالات سويا، فيقوم كل شخص بنطق اسمه بين كل غرفة وأخرى حتى نميز الطبيب من التمريض في طريقة بالغة الفكاهة".


مواضيع متعلقة