أمريكا الملتهبة
- د. محمود خليل
- مقتل الشاب الأمريكى الأسود
- جورج فلويد
- جائحة كورونا
- أمريكا
- د. محمود خليل
- مقتل الشاب الأمريكى الأسود
- جورج فلويد
- جائحة كورونا
- أمريكا
لم يكن حادث مقتل الشاب الأمريكى الأسود «جورج فلويد» على يد رجل شرطة أبيض الأول من نوعه. فكم من حوادث مطابقة وقعت قبل ذلك، فهناك مئات السود الذين لقوا حتفهم على يد رجال شرطة بيض. بعض هذه الحوادث قوبل بمظاهرات غاضبة، لكن الأمر مختلف هذه المرة كل الاختلاف، والسر فى ذلك أمران، أولهما حالة الضغوط التى يعيشها المواطن الأمريكى، وخصوصاً المواطن الأسود، وثانيهما طريقة أداء ترامب وأسلوب إدارته للأزمة.
واقعة مقتل «جورج فلويد» جاءت فى سياق الضغط النفسى العنيف الذى يعيشه السود فى الولايات المتحدة، ومعهم قطاع لا بأس به من البيض نتيجة جائحة كورونا. فترتيباً على الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها السلطات الأمريكية لمواجهة انتشار الفيروس فقد الكثير من المواطنين -وخصوصاً من السود- وظائفهم، وبدأوا فى مواجهة أزمات اقتصادية ومعيشية عنيفة، يضاف إليها حالة الاضطراب النفسى الناتجة عن الحظر والقلق من الإصابة بالمرض بعد أن تصدرت الولايات المتحدة دول العالم من حيث معدلات الإصابة بكورونا. فى ظل هذه الأجواء والأحاسيس وقعت حادثة مقتل «فلويد». وهى حادثة متكررة كما ذكرت لك، لكن تأثيرها كان عنيفاً على نفوس الكثير من الأمريكيين، لأنها ألقيت فوق صدر ناء بما يحمله. إنك يمكن أن أن تضع شرائح الحديد الشريحة تلو الأخرى فوق حامل، ويظل الحامل ثابتاً ما دام لديه القدرة على الاستيعاب، وقد تفاجأ فى يوم بانهياره بسبب «زلطة» صغيرة وضعتها فوقه، لأنها ببساطة تفوق طاقته على التحمل. هكذا الشعوب دائماً تظل فى حالة صمت أمام ما يفرض عليها من ضغوط ما دامت قادرة على استيعابها وتحمّلها، لكنها يمكن أن تنفجر أمام حدث سبق أن استوعبت مئات الأحداث الشبيهة به، لا لشىء إلا لأنه يفوق طاقتها على الاحتمال والاستيعاب.
تعالَ بعد ذلك للسيد «ترامب» الذى وقف مدهوشاً أمام المظاهرات الغاضبة وأعمال الشغب التى وصلت إلى البيت الأبيض، حيث يجلس على عرش الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية. المشكلة أن الرجل تعامل مع الحدث بمنطق التهديد وليس بعقل السياسى، فانطلق يرغى ويزبد، ويهدد وينذر باستخدام كل أدوات الردع فى مواجهة الشارع الغاضب، أمر الشرطة بالحسم، الذى وصل إلى حد قتل مواطنين من المشاركين فى الاحتجاجات، وصرح بأن الجيش مستعد للنزول إلى شوارع الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على الشغب. ثرثر «ترامب» بهذا الخطاب كثيراً، ولم يسمع له أحد، وتواصلت المظاهرات، لأن المواطن الأمريكى يدرك أن الرئيس لا يفكر إلا فى نفسه وكرسيه وفوزه بمدة رئاسة ثانية للولايات المتحدة، أما ما يعانيه الأمريكى العادى فلا يدخل فى حساباته.
مشكلة العنصرية واحدة من كبرى المشكلات التى تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، ودعك من وصول أمريكى أسود إلى سدة الحكم «باراك أوباما»، ودعك أيضاً من القوانين التى تحارب العنصرية داخل الدولة الأمريكية. فالعنصرية قائمة وموجودة فى النفوس. يساعد على استمرارها عدم تطبيق القانون وغياب العدالة. علة العدالة الأمريكية ليست فى القوانين بل فى نفوس من يطبقونها. مشكلة «ترامب» أنه يريد قيادة أكثر دول العالم تقدماً بعقلية حاكم من العصور الوسطى.