عيد فطر استثنائى

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

لعله أول عيد فطر فى العصر الحديث لا تباغتنا فيه حزمة التجهيزات المعتادة والتصريحات التى بات الجميع قادراً على سردها دون أن ينظر فى نصها. لن تكون هناك تنويهات عن مد ساعات العمل بمترو الأنفاق وأوتوبيسات النقل العام. ولن تكون هناك تحذيرات لهواة التحرش الجماعى ومحترفى التجمهر فى الميادين وأمام دور السينما لتحويل حياة الإناث اللاتى تجرأن على الخروج للاحتفال بالعيد إلى جحيم بالقول والفعل. ولن تكون هناك تعليمات صارمة للمراكب النيلية بعد تحميل أعداد أكبر من المسموح بها لمنع تكرار حوادث الغرق الموسمية. ولن تكون هناك حملات التفتيش المكثفة للتأكد من أن دقيق الكعك ليس فاسداً وأن الأسماك المملحة ليست مسممة. ولن تكون هناك موضوعات صحفية لا أول لها ولا آخر عن أسعار الكعك وفئاته ومذاقاته. ولن يخرج علينا الأطباء وخبراء التغذية لتبكيتنا وتحذيرنا من تناول الكعك المحمل بالسعرات والمثقل بالدهون والسكريات ثم تتبعهم فقرة كيفية إعداد الكعك المنزلى بالسمن البلدى الخالص.

هو عيد استثنائى بكل معانى الكلمة. فوضع الكوكب تحت خاصية الترقب المشوب بقدر غير قليل من الفزع، هو وضع غير مسبوق من الضبابية المعلوماتية. نتمنى أن يشكل الباقون فى البيت والمحتمون بجدرانه حماية لأنفسهم ومن حولهم الغالبية. ونتمنى أن يعرف المصرون على الالتفاف على تعليمات الحماية، والضاربون عرض الحائط بالإجراءات الاحترازية من منع التجمعات والحفاظ على التباعد الاجتماعى ظناً منهم أنهم سالمون أو عملاً بمبدأ «اللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين» أو اتباعاً لخرافة «أنا جدع ومايهمنيش»، نتمنى أن يعرفوا أن نتائج أنانيتهم لن تكون حكراً عليهم، بل على أحبابهم وأسرهم وتمتد آثارها إلى المجتمع كله. لماذا؟ لأنه وباء، وليس مجالاً لاستعراض العضلات فى خرق القوانين والفهلوة.

وفى العيد الاستثنائى نشير إلى أن آفة الفهلوة وسوءة الأنانية لا تقتصران على تحويل شقة سكنية إلى مكان لتقديم الشيشة أو تحويل باص مصنع إلى وسيلة لنقل الأهل والأصدقاء إلى شاطئ العين السخنة أو التقاط صورة مع الأصدقاء فى ساعات حظر التجول لجمع اللايكات على «فيس بوك وإنستجرام». فهناك من يمنعه الهسهس الأيديولوجى ووسواس الاضطهاد القهرى من فهم واستيعاب فكرة أن الفيروس لا ينظر فى خانة الديانة قبل أن يهاجم، وأن قرار إغلاق المساجد (وبقية دور العبادة) ليس حرباً من الدولة على الدين، وأن منع صلاة الجماعة ليس خطة ممنهجة للتضييق على المتدينين. وهذه الأفكار منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، ومعها «إبداعات» إقامة صلاة العيد فى مدخل العمارة أو على باب المسجد المغلق وكأننا فى حرب أمام قريش وعلينا إشهار إسلامنا لنصيبهم فى مقتل الخوف.

الاستطلاع الذى أجراه المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية يشير إلى أن الغالبية المطلقة من المصريين (98 فى المائة) تتابع أخبار الفيروس، وهى نسبة رائعة تعكس وعياً بحجم الوباء والمتابعة ينجم عنها فى الأغلب رفع للوعى وتغذية للمنطق. وبينما قال 76 فى المائة إنهم يرفضون إعادة فتح المقاهى والمطاعم الآن، طالبت نسبة مشابهة (نحو 74 فى المائة) بفتح المساجد مع تزويدها ببوابات تعقيم. الغريب هنا أن احتمالات انتقال العدوى فى داخل المساجد لا تختلف عن احتمالاتها فى المطاعم والمقاهى، بل إن احتمالات انتقالها فى الأخيرة أقل نظراً لأن مبدأ التباعد الاجتماعى متبع أصلاً حيث لا يجلس روادها عادة متلاصقين. وليكن السؤال الذى نسأله لأنفسنا: هل يتعرض تديننا لهزة عنيفة أو انكسارة رهيبة فى حال امتنعنا عن مظاهر الجهر بهذا التدين لفترة مؤقتة سببها وباء مهلك؟! شىء مؤسف جداً أن تمر أمام مسجد أو كنيسة وتجد الأبواب موصدة، لكن هل هذه الأبواب الموصدة ستضرب الإيمان فى مقتل؟ وهل اختفاء مشهد جموع المصلين وهم يدخلون أو يخرجون من دار العبادة لفترة ما من شأنه أن يقوى شوكة الكفار أو يعين الزنادقة على قهر المؤمنين. ومعلهش سؤال كده على الماشى، لكن أليست هذه فرصة لإعادة قدر من الهدوء والسلام النفسى، واستعادة الروحانيات التى ينبغى على المرء أن يبذل جهداً فكرياً ونفسياً من أجل الوصول لها وليس الاعتماد فقط على المؤثرات الصوتية والأنشطة البدنية؟ أكرر إغلاق دور العبادة شىء مؤسف ونتمنى انقشاع الوباء لحماية الأرواح التى تُزهق والاقتصاد الذى يُخرّب والحياة التى تتوقف وأماكن العبادة التى أغلقت أبوابها، لكن الإغلاق لا يعنى من قريب أو بعيد إلحاق الضرر بالدين أو كراهية المؤمنين والملتزمين، ولو كان الأمر كذلك، فيتحتم على المتدينين والملتزمين أن يراجعوا مفهومهم للدين ومنظورهم عن التدين. فالتدين الذى يتعرض للخطر لأن صاحبه لم يعد فى مقدوره أن يصلى فى مكان بعينه تديُّن هش ويحتاج إلى مقويات إيمانية حقيقية.

وليكن عيد الفطر المبارك الاستثنائى فرصة لترتيب أوراقنا الفكرية والمجتمعية والإيمانية.. وعيد سعيد.