رحمك الله يا سيدنا الشيخ الشعراوى
رحمك الله يا مولانا، فقد أَتَيْتَ ومضيْتَ، وعَبَرْتَ على هذه الحياة، إلى أن لقيت ربك، فما وجد الناس منك إلا العلمَ والحلمَ، والخُلُقَ المحمدىّ الرفيع، وقد ساق الله تعالى قلوب العباد إليك، بعد أن ألقى فيها محبتك، فمَلَأْتَها من معين القرآن، ومواريث النبوة، وتدفقت معانى القرآن، وعلومُ الشرع الشريف، على لسانك الطاهر، واحتك الناس بك، وتعاملوا معك، من مختلف فئات الشعب، فوجدوا فيك أخلاق النبوة، ولمسوا فيك من الصدق، وعفة اللسان، وسعة الصدر، ما حبب إليهم معالم الشرع، وربط على قلوبهم، فهنيئاً لك، يوم أن تَرِدَ إلى ربك فى موقف الحشر الأعظم، بإذنه سبحانه وكرمه، ومعك عشرات الألوف، ممن تحركت قلوبهم إلى الله بسبب ما رأوه فيك من معانى الدين، وملامح الربانية، وجلال القرآن، ووراثة النبوة، وإنى لأغبطك يا مولانا، يوم أن تأتى يوم القيامة، وقد قَرّتْ بك -بفضل الله وإحسانه- عين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنك أحسنت النيابة عنه فى أمته، رحمك الله يا مولانا، وقد رأى الناس فيك الخلق النبوى متجسداً، وكأنى بك كنت حاضراً مع سيدنا معاوية بن الحكم السلمى رضى الله عنه وهو يقول: بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرمانى القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكْلَ أُمِّيَاه! ما شأنكم تنظرون إلىّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أرجلهم، فلما رأيتهم يصمتوننى، لكنى سكتّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبى هو وأمى، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كرهنى، ولا ضربنى، ولا شتمنى، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شىء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، رحمك الله يا سيدنا الشيخ الشعراوى وقد أقمت المعاهد الأزهرية، وبنيت المساجد، وأنشأتَ كتاتيب تحفيظ القرآن، وشيدت فى قريتك وحدها مساجد ومعاهد تزيد تكلفتها على ثلاثة عشر مليوناً، فكنت سمحاً معطاء كريماً، واستخرجت من أرباب الأموال، ورجال الأعمال، ما لا يحصى، لرفع المعاناة عن المساكين، ولعمارة الأرض، وللتخفيف عن الفقراء، مع ما أقامك الله فيه من العلم، وتفسير القرآن، ونشر أنواره فى الثقافة الشائعة، حتى انغرس على يدك حب القرآن العظيم فى قلوب الناس فى المشارق والمغارب، والسعيد من أسعده الله، حتى كأنى بأحمد شوقى يقصدك وهو يقول:
وخُذْ لك زاديْنِ: من سيرةٍ *** ومن عملٍ صالحٍ يُدّخَرْ
وكنُ فى الطريقِ عَفِيفَ الخُطَى *** شريفَ السّمَاعِ كريمَ النَّظَرْ
وكُنْ رجلاً إنْ أَتَوا بعده *** يقولون: مَرّ وهذا الأَثَرْ رحمك الله يا مولانا، ورحم جيلك وطبقتك من العلماء الأزهريين المخلصين، أمثال الشيخ عبدالحليم محمود، والشيخ صالح الجعفرى، والشيخ محمد الغزالى، والشيخ محمد زكى الدين إبراهيم، والشيخ إسماعيل صادق العدوى، والشيخ محمد عبدالله دراز، والشيخ محمد الأودن، والشيخ رؤوف شلبى، وغيركم كثير، من أئمة الهدى، الذين نفع الله بهم العباد والبلاد، وتربّت على أيديكم أجيال من وراء أجيال، أحبة الله ورسوله، رحمك الله يا مولانا، فإنك قد أنتجت -بتوفيق الله تعالى لك- خطاباً دينياً راقياً محمدياً قرآنياً، ليس فيه قبح، ولا فحش، ولا ظلام ولا شرر، ولا تشنج ولا حمق، ولا فظاظة ولا غلظة، لا يكسر ولا يجرح ولا يهين، ويُبْقِى بين الناس وبين دينهم خيطاً يرجعون إليه، ولا يغرس فى نفوس أهل المعصية دواعى العناد والصدود والكبر، رحمك الله يا مولانا، وقد غضبتَ حيثُ يجبُ الغضب، وحلمت حيث يجب الحلم، وهَدَرَ صوتك وجلجل بالحق حيث يجب أن يهدر، وتلطفت حيث يجب اللين، فعرفتَ -بتوفيق الله لك- كيف تضع كل خلق فى موضعه، وكل هذا من توفيق الله لك، حيث رزقك البصيرة بطبائع الناس، وما الذى يصلحهم، ويقربهم إلى الله، دون ما يدفعهم إلى الإلحاد والعناد، ويخرجهم من دين الله أفواجاً، رحمك الله يا سيدنا الشيخ الشعراوى، حيث امتزج القرآن بلحمك ودمك، ففهمت عن الله، وما كان صدرك مظلماً، ولا عقلك مختلاً، ولا لسانك فاحشاً، وما كنت تدعو إلى الله، فتنفر الناس من حيث أردت أن تقربهم، ولا كانت نفسك تتسلط عليك، فتخيل لك الأوهام ديناً، والجهل علماً، بل كنت منير الصدر، رفيع الفهم، قد سرى فيك القرآن سريان ماء الورد فى الورد، فآنس الناس منك الرحمة والراحة، والعلم الذى خوطب به العباد رحمة وراحة، فى الدنيا والآخرة، رحمك الله يا مولانا الشيخ الشعراوى، وأخلف على المسلمين أمثالك.