كم من الجرائم الدرامية ارتكبت باسم فقدان الذاكرة؟
هل أصبح الأمر من المضحكات المبكيات، أم أن هناك مفارقات درامية وراء ما يحدث فى الحلقات الأخيرة من دراما مسلسلات رمضان 2020، أم أن الأمر يؤكد على أزمة النصوص، التى تحدثنا عنها كثيراً، فهى نقطة الضعف الحقيقية فى معظم الأعمال المعروضة مقابل تميز فى مختلف العناصر الفنية؟
تلك التساؤلات وأكثر تستحق أن نطرحها ونناقشها بصراحة شديدة فى ظل الحلقات الأخيرة فى أحداث المسلسلات المعروضة على القنوات المختلفة وما يحدث فيها من تطورات درامية متشابهة، وهو ما جعل الكثيرين من رواد وسائل التواصل الاجتماعى يسخرون من تلك الحالة، ثلاثة أعمال درامية يفقد أبطالها الذاكرة، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد بل إن اثنين من أبطال هذه الأعمال يدعيان فقدان الذاكرة، لتحقيق مآرب شخصية، وهذه الأعمال هى «فرصة تانية» إخراج (مرقس عادل)، و«نحب تانى ليه» إخراج (مصطفى فكرى)، و«لعبة النسيان»، (وأحمد شفيق) قد يكون الوحيد الناجى من فخ ادعاء فقدان الذاكرة حتى الآن.
مسلسل فرصة تانية بدا أنه يعانى من ضعف شديد فى البناء الدرامى منذ حلقاته الأولى (رغم أننى تفاءلت خيراً بسبب أن المعالجة الدرامية للعمل تحمل اسم المؤلف محمد السيد بشير)، ولكن للأسف جاء سيناريو المسلسل (مصطفى جمال هاشم) مليئاً بالتلفيق الدرامى والمبالغات وتحميل المواقف الدرامية أكثر مما ينبغى، ليس ذلك فقط بل تم «لوى ذراع» الدراما لصالح أزمة البطلة، التى تحاول أن تقنعنا أنها تعرضت لخيانة خطيبها، لمجرد أنها رأته يجلس فى كافيه مع فتاة تعرف مسبقاً أنها كانت معجبة به، ورغم محاولاته المستميتة أن يشرح لها أن الأمر أبسط مما تتخيل إلا أنها أصرت على إهانته، ليس ذلك فقط بل قررت أن تسقيه من نفس الكأس، وتدعى أنها فقدت الذاكرة، ألعاب درامية وحيل لا تحمل أى منطق، وبناء شخصيات فى منتهى الهشاشة الدرامية، ليس ذلك فقطـ بل إن الخطوط الدرامية بالمسلسل تحمل قصص حب أخرى لأطراف مختلفة، والمفارقة أن معظمها قصص غير سوية، وأعترف أنها المرة الأولى التى أشاهد فيها عملاً درامياً يحمل هذا القدر من العلاقات غير السوية.
دياب وعلاقته بزوجته تجسدها (هبة مجدى)، وقد تكون العلاقة الوحيدة التى تحمل ظلالاً من واقع العنف الذى يمارس أحياناً ضد المرأة، ولكن تطور العلاقة أصابه نفس العطب المرضى، وشيرين وزميلها فى العمل، الذى أخذ على عاتقه إفساد أى علاقة جديدة تدخلها بعد أن تركته، وصافى (هبة عبد الغنى) ورئيسها فى العمل. «فرصة تانية» عمل لا يقدم سوى العلاقات المعطوبة وغير المنطقية، وأعتقد أن صناعه عليهم أن يعتذروا من المتفرجين بسبب كم التلفيق والأخطاء. المدهش أن مسلسل «نحب تانى ليه» للنجمة ياسمين عبدالعزيز، الذى يعد من أكثر المسلسلات جذباً وتحدثنا سابقاً أنه عمل رائق، ودراما اجتماعية رومانسية مليئة بالتفاصيل، إلى أن فاجأنا مؤلف العمل «عمرو محمود ياسين» بأنه هو الآخر يلجأ إلى حيلة ادعاء فقدان الذاكرة، حيث تظاهر عبدالله (شريف منير) طليق غالية (ياسمين عبدالعزيز)، بأنه لا يتذكر شيئاً مما وقع له مؤخراً، ليس ذلك فقط بل إنه يؤكد أن غالية لا تزال زوجته، لتصبح غالية بين نارين، واجبها تجاه والد ابنتها الوحيدة وحب حياتها مراد السويفى (كريم فهمى). والغريب أن مؤلف العمل، الذى قدم لنا عبدالله كشخص أنانى بل شديد الأنانية ونرجسى ولا يرى سوى نفسه، وهو الذى اتخذ قرار الطلاق، ليس ذلك فقط بل قال لغالية «إنه كان يريد تطليقها منذ العام الأول» وإنه يكره الزواج والقيود، وإن أى امرأة تعرفه لا تستطيع الابتعاد عنه.. هل من المفترض أن نتعاطف مع تلك التركيبة لأنه ندم فقط، وأن الحادثة التى وقعت له جعلته يراجع نفسه، وأن يستعيد غالية التى ألقاها حتى ولو بالتحايل، كان من السهل أن يبحث المؤلف عن حيلة درامية أخرى بعيداً عن ادعاء فقدان الذاكرة. ولا أعرف حقاً كيف جاءت المفارقة بهذا الشكل فى أكثر من عمل، هل يتبادل كتاب السيناريو الأفكار معاً، أم أنه فقر الخيال والاستسهال؟
أتذكر جيداً أن الكاتب الكبير وحيد حامد وفى أولى محاضرات مادة السيناريو التى كان يدرسها لنا كان يحدثنا عن «الفلاش باك»، وأنه عكاز المؤلف الضعيف، وأن استخدامه يجب أن يكون بذكاء وبحرص، ولكن يبدو أن الأمر صار أبعد من ذلك، حيث إن عكاز المؤلفين حالياً صار هو ادعاء فقدان الذاكرة، الذى ارتكبت الكثير من الجرائم الدرامية باسمه فى هذا الموسم.