«الاختيار».. كمان.. وكمان
المعايير الوطنية التى أثارت اهتمام والتفاف الشارع المصرى والعربى حول دراما «الاختيار» لم تكن العنصر الوحيد الذى اعتمد عليه صناع العمل، رغم إقبال المشاهد على أعمال فنية تمس مشاعر الانتماء الوطنى. العناصر الفنية شكلت الشق الموازى فى تقديم صورة إبداعية مكتملة العناصر.
صياغة المؤلف باهر دويدار انطلقت من سيرة بطل استثنائى فى الفرقة 103 صاعقة -أحمد منسى- إلى باقة رائعة استعرضت فى كل حلقة تضحيات بطل من مختلف قطاعات الجيش.
ارتقت قيمة العمل من رؤية درامية محددة الأحداث والشخصيات إلى سرد بانورامى لبطولات نخبة من أبنائه المخلصين، رغم أن عدد التضحيات والأسماء يفوق عددها حلقات أى مسلسل، ما أدى إلى خروج العمل فى شكل ملحمة وطنية انطلاقاً من فكرة تجسيد شخصيات أو أحداث.
ضمن إطار عمل فنى استعرض باقة من الأبطال نجحت الصياغة الدرامية فى رسم صورة لوحة شرف لشهداء الجيش المصرى وتضحياتهم. يُحسب أيضاً للسيناريو تلافى كل إغراءات المط والتطويل، رغم وجود مجموعة مشاهد كانت تحتمل مساحة حوار أطول، لكن تم اختصارها دون غياب قيمة المعلومة -تحديداً تفاصيل ما بين السطور- والرسائل التى يطرحها الحوار على عقل المتلقى. السرد الدرامى انتهج الموضوعية بعيداً عن صيغ المبالغة والمواعظ المباشرة، مكتفياً بعرض صورة حيادية عن حقائق الحرب ضد الإرهاب.. اعتمد على الدلائل بالأسماء والوقائع فى توثيق جذور انتهازية امتدت عبر تاريخ طويل من الدماء والجرائم والأطماع انتهجته «جماعة» باسم الدين.
استمد الحوار قوة الصدق من سلاسة وتلقائية السرد بعيداً عن صيغ الافتعال فى الكشف عن تلاعب تلك «الجماعة» سواء عبر الالتفاف على التأويلات الدينية خدمة لأغراض شخصية أو استباحة دماء الأبرياء كأقذر وسيلة لتحقيق أطماعها السياسية.
السيناريو لم يفقد عنصر الترابط رغم تنقله بين تفاصيل فكرية واجتماعية يجب أن يتكرر تسليط الضوء عليها لما لها من ارتباط بواقعنا المعاصر.مزج المؤلف والمخرج بيتر ميمى لقطات تسجيلية ترصد واقع الحدث والشخصيات الحقيقية ضمن النسيج الدرامى فى توظيف مدروس لتأكيد مصداقية العمل دون تشتيت المشاهد بين الدراما والواقع.
التوظيف الفنى لهذه التقنية سبق استخدام صورة مقاربة منه خلال احتفالية خاصة أقامتها وزارة الدفاع عام 1993 بمناسبة العرض الأول لفيلم «الطريق إلى إيلات» فى قاعة المؤتمرات، مع إضاءة المسرح بعد نهاية الفيلم وظهور اللقطة الأخيرة تحمل صور وأسماء أبطال ملحمة عملية إيلات، ثم واكبها صعودهم على خشبة المسرح إلى جانب الفنانين الذين قاموا بتأدية أدوارهم.
استخدام هذه التقنية دعّم الرؤية المحايدة التلقائية للسيناريو دون فرض أى دور دعائى على المتلقى، حتى مشاهد المواجهات الفكرية أثناء تنقل الكاميرا لعرض المساحة الفارقة بين البطولة والإجرام، أو عبر الحوار المتبادل بين الطرفين، ابتعدت عن صيغة فرض أحكام مباشرة.. احترمت عقل المشاهد وحكمه النهائى على الحقائق المعروضة أمامه. الصيغة الإبداعية فى تنفيذ التضافر بين الكلمة واللقطة.. بين السرد الدرامى والحدث الحقيقى لم تلمس المشاعر الوطنية فقط، لكنها خاطبت قناعة المشاهد بأن ما يُعرض عليه هو واقع عاش الشارع المصرى كل تداعياته.. وأن تجاهل أو إغفال حقائق الحرب ضد الإرهاب ما زال يمثل الفرصة التى يتربص بها تجار الدماء والدين، رغم التراجع الكبير لحجم جرائم ووجود التنظيمات الإرهابية نتيجة النجاحات الكبيرة التى حققها الجيش فى سيناء على الأصعدة الأمنية والفكرية والاجتماعية.
أخيراً، المشاهد يبقى رهاناً على سرعة التقاط شركات الإنتاج المهمة الرسالة التى تؤكد افتقاده نوعية أعمال مثل «الاختيار».