عن فرج فودة والغزالى والرافعى
ثار فى مصر جدل كبير عقب تصريحات للمثل الشاب أحمد الرافعى وصف فيها المفكر فرج فودة بـ«النافق».. التصريحات اكتسبت أهميتها من النجاح الذى حققه الممثل فى دور الإرهابى عمر رفاعى سرور ضمن أحداث مسلسل «الاختيار». طبيعة الدور الذى يلعبه الممثل وطبيعة المسلسل أحدثت حالة من الارتباك لدى الجمهور الذى تلقى التصريحات.. هذا ممثل يقول إنه مؤيد للدولة، بل إنه يظهر فى مسلسل يجسد بطولات أبناء القوات المسلحة المصرية ومع ذلك يتورط فى تصريح يُفهم منه تكفير مفكر مصرى يصفه الكثيرون بأنه شهيد لحرية الفكر.. قد يكون هذا الممثل مرتبكاً بالفعل.. ولكن الحقيقة أن هذا الارتباك له تاريخ.. لقد كان من اللافت أن يستشهد الممثل الرافعى فى تصريحاته بما قاله الشيخ محمد الغزالى حول مجموعة من المطالبين بمدنية الدولة فى مصر (ربنا يهديهم أو يأخذهم)!! إن هذا التصريح تكفيرى بامتياز.. ولا يمكن فهمه ولا فهم موقف الممثل الرافعى نفسه دون فهم الشيخ محمد الغزالى نفسه.
والقصة تعود إلى عام ١٩٥٤ وهو عام الصدام بين الثورة المصرية وبين جماعة الإخوان، كانت إحدى أدوات الرئيس جمال عبدالناصر فى مواجهة الجماعة أن يقسمها من داخلها وأن يستوعب العناصر التى خرجت منها داخل جهاز الدولة المصرية، كان من هؤلاء الشيخ الباقورى الذى صار وزيراً للأوقاف وهجر الفكرة الإخوانية تماماً، كان منهم أيضاً الشيخان محمد الغزالى والسيد سابق اللذان أصبحا وكيلين لوزارة الأوقاف المصرية، حمل محمد الغزالى أفكار الإخوان فى داخله وكان من أهم أسباب عودة الإخوان للساحة فى السبعينات، وفق شهادة د. عبدالمنعم أبوالفتوح (طبعة الشروق ٢٠٠٩)، فقد رعى الغزالى شباب الإخوان فى الجامعات، وعندما خرج قادة الإخوان من السجون اختاروا أن يصلوا وراءه فى المساجد التى يؤمها، وعندما سأله نائب المرشد العام أحمد الملط: ماذا بعد، أو ماذا سنفعل فى المستقبل؟.. قال له: «الإجابة لديكم أنتم».
مع خروج الإخوان من السجون واتساع المد الدينى أصبحت الساحة ممهدة لظهور دعاة يؤمنون بفكرة الدولة الإسلامية لكنهم لا يناصبون الدولة العداء، ولا يؤمنون بالعنف، وغالباً كانوا يلعبون فى المنطقة الوسط الدافئة بين السلطة وبين دعاة الدولة الدينية بأطيافهم المختلفة.. كان الشيخ الشعراوى مثلاً يصف الإخوان بأنهم شجرة وارفة ويدعو الله أن يسامح من استعجل جنى ثمارها.. كان الرجل وزيراً للأوقاف وعلاقته بالدولة معروفة، فيما بعد ظهر داعية مثل عمرو خالد من رحم جماعة الإخوان المسلمين، ولا شك أنه فى فترة من الفترات كان يعمل برضاً من الجهات المسئولة وكان فى المنطقة الوسطى بين الدولة والإخوان المسلمين.. هناك آخرون من الدعاة الجدد أيضاً يعادون أفكار الحداثة ومدنية الدولة ويتطوعون بتصريحات التأييد للدولة المصرية فى حربها ضد الإرهاب.. الممثل أحمد الرافعى تلميذ لهؤلاء الدعاة، وتلميذ لوالدهم محمد الغزالى الذى كفَّر فرج فودة وتمنى الموت للمطالبين بمدنية الدولة. الفكرة الآن أن الدولة المصرية فى مواجهة مصيرية مع تحالف التكفيريين والإخوان المسلمين وأن اللعب فى المنطقة الوسطى بين الدولة المصرية وبين الإخوان المسلمين أصبح صيغة مكشوفة ومذمومة تمرد عليها الناس ورفضوها.. وهنا تكمن أزمة الممثل أحمد الرفاعى الذى عليه أن يراجع نفسه وأن يختار بما أنه أحد أبطال مسلسل «الاختيار».