الحياة وكورونا.. صديقان متلازمان!
كلما يسقط منا سهواً متابعة أخبار «فيروس كورونا»، يطل علينا برأسه من حيث لا نحتسب، شبحاً وحقيقة! كلما حاولنا إغلاق الأبواب فى وجه كورونا ولا نريد أن نسمع ما يفعله فى العالم، يلتف ويدخل إلينا من شبابيك السوشيال ميديا المفتوحة طوال الوقت، سئمنا كثرة الأخبار المحبطة، وهاجس الإصابة المتوقعة، وفزع الموت، وترقب الأسوأ، تتأرجح المناعة بين الهبوط والصعود رغم رباطة الجأش التى نحاول دوماً أن تلازمنا، أنهكتنا حالة الترقب، فى رحلة البحث عن إجابات شافية، فى ظل ضبابية المشهد الصحى والبحث العلمى فى العالم كله، وأخشى أن تخور القوى مع الوقت، فما زالت رحلة البحث طويلة مرهقة، سيقول البعض إننى أصدر لهم الإحباط، لكننى أبحث معكم عن إجابات لأسئلة حائرة منذ اكتشاف هذا الوباء القاتل، بالنسبة للأطباء فإن محاربة فيروس كورونا الجديد يعتبر بمثابة حرب ضد المجهول، وبالنسبة للإنسان فقد بدأ يفقد عقله واتزانه لأن كوفيد التاسع عشر يتسلل إليه دون استئذان ودون استشارة، فلا يدرى متى ولا كيف غزا جسده؟
ما سقف اختبار قدرتنا على التحمل؟ بدأنا نسلم بنمط حياتنا الجديدة، لأنها مستمرة لأجل غير معلوم، فالعلماء والباحثون لم يستطيعوا التوصل لشىء حتى الآن، لكن الأصعب ألا نتوقع المرض أو استحالة الإصابة به، كأننا محصنون بدون منطق، فماذا لو استمر الفيروس متعايشاً معنا وملازماً لحياتنا، كما تقول معظم الدراسات البحثية والعلمية فى هذا الشأن؟ من الضرورى استيعاب الصدمة حتى نستطيع التعامل مع تبعاتها، لا بد أن نسلم بأن نمط وأسلوب الحياة تغير عما كان قبل انتشار كورونا، وأن هذا النمط من الحياة سيستمر لأجل غير مسمى، كيف نتعايش معه؟ إنه التحدى المقبل للدول والإنسان!.
بعض الدول التى أصابها الضرر فى مقتل بسبب كورونا، أُنهكت ولم تعد تحتمل الإغلاق الشامل، فقررت تخفيف الحظر على مواطنيها، الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الدول التى تدرس تخفيف الحظر رغم استمرار انتشار كورونا فى معظم الولايات، فضلاً عن إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، وهى من أكثر دول أوروبا التى تضرر اقتصادها، لكنّ هناك دولاً نفذت بالفعل، فمن الممكن للأشخاص فى جمهورية التشيك مثلاً، التسوق الآن فى متاجر الأجهزة والدراجات، ولعب التنس، والذهاب للسباحة. بينما قررت النمسا إعادة فتح متاجر أصغر. وقامت الدنمارك بإعادة فتح رياض الأطفال والمدارس، بشرط أن تظل حالات فيروس كورونا مستقرة، وعاد الأطفال فى النرويج إلى رياض الأطفال. هذه الدول هى الأولى فى الغرب التى تبدأ بشق طريقها تدريجياً خارج حدود الحياة اليومية التى تفرضها الحكومات للحد من انتشار الفيروس. ورغم تحذير منظمة الصحة العالمية من أن الوضع فى أوروبا ما زال مثيراً للقلق، وأن الوقت ليس مناسباً لتخفيف الإجراءات، فإن الدول سترغب فى معرفة الدروس التى يمكن تعلمها، لأنها تتطلع أيضاً إلى طريق خروج آمن من الإغلاق وسط تزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية فى المنزل. ورغم اقتراح دراسة تستند إلى تفشى المرض فى الصين، ونُشرت فى مجلة «ذا لانسيت» الطبية، أن عمليات الإغلاق فى جميع أنحاء العالم لا ينبغى رفعها بالكامل حتى يتم العثور على لقاح للمرض.
لقد حُسم الأمر. وفشلت كل التوقعات بانصراف قريب لهذا الوباء، وأصبح يقيناً علينا المعايشة ونحن نتلمس خطواتنا الأولى بكثير من الحذر والالتزام. اختراع نسق جديد لحياتنا هو المطلوب حتى نستطيع استيعابها، واستكمال ما توقف بعد انتشار الوباء، الحيطة والحذر واتباع الإجراءات الوقائية من تباعد اجتماعى وارتداء الكمامات، سيكون أسلوب الحياة الجديدة، شئنا أم أبينا، فالأصعب ألا نحتاط ونقع فريسة لمرض شرس، لم يرحم أحداً، كبيراً ولا صغيراً، غنياً ولا فقيراً، بات ضرورة علينا الاقتناع بأن الحياة والمرض صديقان متلازمان، لا نملك ترف الاختيار بينهما، وأن الوقاية الذاتية والاهتمام بالتعليمات هى الحل الوحيد المتاح الآن، والاستهتار معناه الهلاك والذهاب إلى نفق مظلم، فى ضوء وقاية طبية لا تسمن ولا تغنى من جوع.