طبيب بـ"عزل بلطيم": بشوف الخوف في عيون المرضى وأهلي دعموني

طبيب بـ"عزل بلطيم": بشوف الخوف في عيون المرضى وأهلي دعموني
- كفر الشيخ
- أبطال الجيش الأبيض
- كورونا
- عزل بلطيم
- فيروس كورونا
- كفر الشيخ
- أبطال الجيش الأبيض
- كورونا
- عزل بلطيم
- فيروس كورونا
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية ظهرا يجلس الطبيب بعيادته الخاصة، يمارس مهامه وواجبه في توقيع الكشف الطبي على مرضاه، دق هاتفه مرات متتالية، ما دفعه لترك الحالة ليرد، إذ بمديره في العمل يخبره أنه جرى اختياره ليكون بين الطاقم الطبي الذي سيتوجه في اليوم التالي لمستشفى العزل ببلطيم، ليواجه الوباء العالمي الجائح فيروس "كورونا المستجد"، صمت لثوان تبعه جملة واحدة "موافق يا فندم إحنا تحت أمر البلد"، ينهى محادثته الهاتفية ويستكمل عيادته ليعود في السادسة مساء نفس اليوم إلى أسرته ويخبرهم أنه سيتوجه لأداء واجبه الوطني داخل أول مستشفى للعزل بكفر الشيخ.
"دعموني من أول لحظة، وقالولي دي مسؤولية، أنا والدي طبيب وزوجتي طبيبة، وأخويا طبيب، فكلنا عارفين يعني أيه منتأخرش عن خدمة مريض، إحنا في الأساس دخلنا كلية الطب عشان نخدمه ونرعاه، لكن الظرف الاستثنائي ده لازم نكون على قدر المسؤولية"، بهذه الكلمات وصف الدكتور محمد أبو طالب، أخصائي الباطنة العامة والكبد والجهاز الهضمي، دعم أسرته للتجربة، التي يعتبرها مختلفة وقاسية، مؤكدا على أنه لن يتأخر عن أداء واجبه تجاه مرضاه، فوالده الذي كان من أوائل من تخصصوا في الباطنة المحافظة علمه كيف يكون إلى جوار المرضى وأن يحتسب جزءً كبيرا من عمله لوجه الله.
بطل الجيش الأبيض: "التجربة قاسية.. ونحارب عدوا خفيا لكننا على قدر المسؤولية"
يروى الطبيب الذي تخرج في كلية الطب عام 2008 والبالغ من العمر 36 عاما، تجربته داخل مستشفى العزل الصحي ببلطيم قائلاً: "أهلي تقبلو الخبر واستوعبوا لأنهم استودعوني عند ربهم منذ تخرجت من الكلية، أنا اشتغلت في مستشفيات كتير وكنت بغيب عن البيت كتير خاصة أيام العمل في مستشفى شرم الشيخ الدولي، ومستشفى سفاجا العام بالغردقة، بيدعولي وبيدعموني في كل قراراتي، لكن الرعب تملكهم خاصة بعد اللي بيشوفوه في التليفزيون.
وأضاف: "ابني عنده 8 سنوات ونص ومُدرك تماما لما يحدث في العالم حول بالنسبة للفيروس، فبكى بكاءً شديداً، لحظة وداعي على الرغم من تعوده على غيابي، لكنني احتضنته وطمأنته بكلمة اعتبرنى لسة في العمرة يا أنس وهغيب أسبوعين، أو في مستشفى بعيد وهغيب عنك شوية، لكن هكلمك فيديو كول كل يوم أطمنك".
كان الطبيب الشاب يعمل بمستشفى بلطيم المركزي، قبل قرار وزارة الصحة بتخصيصه كمستشفى لعزل الحالات المُصابة بالفيروس، يتردد عليه ويقابل عشرات المرضى يوميا، وعقب تخصيصه جرى توزيع الأطباء على المراكز الطبية والوحدات الصحية المجاورة، لكن دخوله المستشفى هذه المرة، جعله يشعر بالرهبة على الرغم من تعوده عليه، لكن مع اختلاف الظرف اختلفت أحاسيسه تجاه المستشفى: "برغم إني أصلا شغال في المستشفى، لكن المرة دي وعند وصولي كنت خايف ومرعوب ومش عارف أيه السبب، يمكن كان السبب تغيير أجواء المستشفى، من بداية الدخول وحتى الأعداد والتجهيزات، حسيت أنه مختلف بكل ما فيه، كنا متعودين على أصوات المرضى وضجيج بعضهم بشكل يومي لكن الوضع مختلف، الهدوء يعم المكان، والخوف يملئ عيون المرضى، لكن دعواتهم خففت علينا وهونت الأمر".
داخل جدران المستشفى، يتعامل الطبيب الشاب مع مرضى مختلفون، عيونهم تملؤها الخوف، يناجون الله ويسألونه الخروج، يتعلقون بالأطباء كأنهم ذويهم، لا يخالطون أحداً ولا أحداً يزورهم: "الوضع صعب علينا كلنا، إحنا في حبس اضطراري، المرضى متعلقين بينا وإحنا كمان، بيدعولنا وبندعوا لهم وندعمهم نفسيا ومعنويا وطبيا، إنك تبقى لابس ملابس واقية مش قادر تتنفس حاسس برهبة، مش ظاهر من ملامحك حاجة غير عيونك، أول 10 دقايق كنت حاسس إني هموت وأنا لابس البدلة الواقية، لكن اعتمدت على ربنا ويسرها لينا، بنتعامل بحذر لكن بنحاول تطمن المرضى، دا موقف صعب جداً، بتحس أنهم بيقولوك أرواحنا في أيديك وأنت لازم تكون قد المسؤولية، علشان كده إحنا كفريق هدفنا واحد وبنشتغل بكل طاقتنا لأجل إنقاذ المرضى".
الطبيب: نتسلح بالقرآن والدعوات أثناء الحبس الاضطراري وسننتصر على الوباء
وعن قضاء وقته داخل جدران المستشفى يقول بطل الجيش الأبيض:" بنقضي وقتنا في دعم بعض طواقم طبية ومرضى، مفيش فرق غير في الأدوار، وأنا بدعم المرضى وبقرأ قرآن، ومن رحمة ربنا عليا إني داخل المستشفى في شهر كريم، بيقربنا أكتر وبيخفف علينا وعلى المرضى، بنحاول نطمنهم ونقولهم كلنا في مركب واحد وبنحاول نعدي الأزمة مع بعض، بقول للمريض دول شوية فيروس وهيعدوا، أعتبر نفسك على غفلة حد ضربك والموقف هيعدي، أهم حاجة الدعم النفسي، المرضى لقوا نفسهم في وضع اضطراري مش عارفين ممكن ينجوا منه أو تكون أخر أيامهم ولحظاتهم، علشان كده الدعم النفسي مهم جدا".
يحكى الطبيب عن أصعب المواقف التي واجهها داخل المستشفى قائلاً: "أصعب حاجة هي شكوى المرضى، منهم مريضة نفسها تروح بس أنا عاجز عن ده، كنت حاسس إني عشمتها إنها هتخرج لكن لما لقيت المسحة إيجابية زعلت جدا، رغم إنها معندهاش أعراض، بحس بكسرة الناس، وبحس بسعادة لشفاء بعض الحالات وحزن أكبر لما حالات بتموت، وبنؤدي عليها صلاة الجنازة، وقتها بحس إن حد من أهلي هو اللي توفى، بدعيله كتير"، مختتماً حديثه قائلاً: "التجربة قربت ناس كتير مخلصة مع بعض، خليتنا في ترابط وتلاحم، وده هيخلينا ننتصر على الوباء".