أفيجان.. حلم "فوجي فيلم" للخلاص من "كورونا"

كتب: أحمد عاطف

أفيجان.. حلم "فوجي فيلم" للخلاص من "كورونا"

أفيجان.. حلم "فوجي فيلم" للخلاص من "كورونا"

من يدرى! لعل الخلاص من شبح «كورونا» المرعب يأتى من تلك الشركة العملاقة «فوجى فيلم»، التى ارتبط اسمها لسنوات بأفلام كاميرات التصوير، ذات اللون الأخضر المميز.

من منا لا يحتفظ بذكريات وثقتها كاميرته الخاصة باستخدام أفلام «فوجى»!. كثيرون حول العالم ما زالوا يحتفظون بألبومات صور لأيام كانت الكاميرا وأفلام «فوجى» سلاح المولعين بالتوثيق وحفظ الذكريات. لكن ماذا عن «فوجى فيلم» اليوم؟

المتتبع لنشاط الشركة اليابانية العملاقة يعرف أنها واحدة من كبريات شركات الأدوية والرعاية الصحية فى العالم، لكن ما يستحق التأمل والاهتمام هو الطريقة التى تمكنت بها «فوجى فيلم» من تغيير جلدها واستراتيجية عملها، للإفلات من مصير الإفلاس الذى واجهته منافستها القديمة فى مجال إنتاج أفلام التصوير «كوداك»، حيث تحولت «فوجى فيلم» فى سنوات قليلة إلى أيقونة للشركات التى يمكنها التكيف مع العصر، خصوصاً بعدما قررت فى منتصف العقد الأول من القرن الـ21 التحول إلى مجال «الرعاية الصحية والأجهزة الطبية» ودفعت نحو (1.2 مليار دولار) لشراء شركة «توياما كيميكالز» للأدوية التى توصلت إلى العقار «أفيجان» المنافس القوى لـ«تاميفلو» فى علاج الإنفلونزا.

اليوم تتعلق أنظار العالم بـ«فوجى فيلم»، بعدما أثبتت تجارب سريرية أجريت فى الصين والولايات المتحدة ومصر ودول أخرى لعقار «أفيجان» فاعليته بنسبة كبيرة فى علاج فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، وسط آمال وتوقعات كبيرة بأن يحقق نفس النجاح الذى سحق به أفيجان فيروس إيبولا فى أفريقيا قبل سنوات.

"أفيجان" VS "كورونا وإيبولا"

ذاع صيت «توياما كيميكالز» ومعها «فوجى فيلم» عالمياً بتطويرها عقار «أفيجان» المضاد للإنفلونزا وإثبات فاعليته فى علاج فيروس إيبولا، الذى تسبب فى وفاة نحو 90% من المصابين به، وفى دول غرب أفريقيا تفشى بين 13 ألف مصاب توفى منهم 5 آلاف، حسب إحصاءات عالمية.

اللافت أنه بينما يتفوق «كورونا» على «إيبولا» بتجاوزه حاجز المليونى مُصاب حتى الآن يبدو التشابه واضحاً فى خطر الفيروسين من زاوية أنه فى بداية ظهورهما لم يكن لأى منهما علاج أو تطعيم فعّال يوقف نشاطهما، حتى تم استخدام «أفيجان» للعلاج منهما.

علماء «توياما كيميكالز» انتبهوا إلى الفاعلية الكبيرة التى حققها «أفيجان» فى علاج «إيبولا»، وفطنوا إلى تشابه كبير فى خواص كورونا وإيبولا، وأوصوا بإجراء تجارب إكلينيكية وسريرية سريعة له على مرضى الفيروس المستجد، وكانت المفاجأة ظهور مؤشرات إيجابية تدعو للتفاؤل.

ماذا تبقى ليكون «أفيجان» أول سلاح فعال فى مواجهة كورونا؟ بحسب الشركة اليابانية فى بيانين منفصلين لها فى 27 مارس و9 أبريل 2020 فإنها تأمل فى التأكد من عاملى الفاعلية والأمان بعد انتهاء المراحل الأخيرة من التجارب السريرية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اليابان بادرت بمد يدها للعالم ضمن جهود مكافحة «كورونا» بموافقتها على التوسع فى إجراء تجارب سريرية على «أفيجان»، الذى يخضع إنتاجه لضوابط صارمة من الحكومة اليابانية، ويتم تخزينه لمواجهة الطوارئ فحسب، وغير مسموح بتداوله. وبالفعل تم إجراء تجارب سريرية على أفيجان من خلال 100 مريض بكورونا فى اليابان و70 فى الصين، وفى مرحلة ثانية تمت تجربته فى الولايات المتحدة على 50. ووفق وسائل إعلام عالمية فإنه من المتوقع أن تنتقل «فوجى فيلم» إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من الاختبارات على «أفيجان» فى نهاية يونيو المقبل.

تجارب سريرية على "أفيجان" فى مصر

مصر لم تكن بعيدة عن هذه النافذة الجديدة للأمل التى أطلت منها «فوجى فيلم» على العالم المذعور من الوباء، وتمكنت مصر من الحصول على كميات من «أفيجان» تكفى لتجربته على 50 مريضاً بكورونا ورصد تأثيره الإكلينيكى عليهم. وعلى مدار الأسبوعين الماضيين لاحت مؤشرات إيجابية عديدة عبر تصريحات مسئولين عديدين عززت موقف «أفيجان» بين مختلف الأدوية التى تخضع للاختبار حالياً فى مصر سواء من خلال الفم أو الحقن.

الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية لشئون الصحة والوقاية، وزير الصحة الأسبق، أكد فى تصريحات صحفية له أن علبة واحدة من العقار تكفى كـ«كوروس علاج كامل» لمريض واحد، ويمكن بعدها رصد تأثيره على المرضى، وإذا ثبت أن له تأثيراً إيجابياً ستسعى مصر للحصول على المادة الخام لإنتاج أفيجان وتداوله محلياً. وأضاف أن الصينيين أكدوا أن بعض التجارب الإكلينيكية أثبتت كفاءة أفيجان فى تقليل فترة حضانة الفيروس إلى 4 أيام، فضلاً عن دوره فى التقليل من شدة أعراض المرض على الحالات الحرجة التى تخضع لرعاية مركزة.

الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، قال لـ«الوطن» إن النتائج المعملية لاختبار عقار «أفيجان» على عينات تمت زراعتها معملياً من الفيروس حققت فاعلية كبيرة حتى الآن، فضلاً عن تجارب سريرية على مصابى الفيروس فى بعض مستشفيات العزل، والهدف من هذه التجارب هو الاطمئنان بشأن النتائج الكبيرة التى حققها العقار فى الصين وبحث إمكانية إدراجه ضمن البروتوكول العلاجى المعتمد فى مصر. وأكد الوزير أن مصر لديها كميات أكثر مما تم الإعلان عنه من «أفيجان» حصلت عليها من اليابان.

وحسب مصادر مسئولة بوزارة التعليم العالى المصرية فإن «إفيجان» الذى أنتجته «فوجى فيلم»، و«فافيبيرافير» الاسم الصينى لـ«أفيجان»، يخضعان لدراسة وتجارب مكثفة فى مراكز بحثية مصرية، أبرزها المركز القومى للبحوث، ومن المنتظر انتهاء تلك الدراسات خلال أيام قليلة. وعن «أفيجان» أكد الدكتور أشرف حاتم، وزير الصحة الأسبق، عضو اللجنة العليا للفيروسات التابعة للوزارة، أنه لم تُسجل أى أعراض جانبية لاستخدامه حتى اليوم، اللجنة العليا للفيروسات وأصدرت توصية لوزارة الصحة ووزارة التعليم العالى بتسجيله وإحضاره بشكل سريع وبدء استخدامه، وفقاً للدراسات والأبحاث التى وصلت مصر من الدول المستخدمة له (خصوصاً الصين واليابان)، حيث أثبت نجاح فاعليته فى علاج حالات «كورونا» فى الدولتين بنسبة 70%، لافتاً إلى أن «أفيجان» من الأدوية التى استُخدمت بنجاح لعلاج إنفلونزا الخنازير.

"اليابان" تستعد لدور "منقذ العالم"

فى الوقت الذى لجأت فيه دول كبرى مثل الالويات المتحدة الأمريكية إلى القرصنة على شاحنات المساعدات الطبية، جاء أمل الشفاء بـ«أفيجان» ليهيئ اليابان لأداء دور تاريخى هو «منقذ العالم» .. الحكومة اليابانية بشَّرت العالم قبل أيام بأنها تبحث طرق توريد الدواء إلى دول أخرى بالمجان، وذلك استجابة لطلبات تلقتها من 30 دولة لشراء العقار، كما تحركت حكومة اليابان لضمان توافر المواد الخام اللازمة لتصنيع العقار محلياً، وطلبت من شركة دينكا كو «Denka Co» لصناعة الكيماويات، وهى الشركة اليابانية الوحيدة المتخصصة فى إنتاج تلك المادة الفعالة اللازمة للدواء استئناف إنتاجها لصالح «فوجى فيلم».

الشركة اليابانية طوَّرت العقار "قاهر الإيبولا" لمكافحة الفيروس المستجد.. واختباره فى مصر أثبت فاعلية كبيرة

وبين الحين والآخر تحرص اليابان على أن تبعث برسائل طمأنة للعالم بشأن «أفيجان»، كان آخرها أنها تتجه لزيادة إنتاجه. ووفق وكالة «رويترز» فإن اليابان تأمل من خلال «فوجى فيلم» فى زيادة إنتاج العقار 3 أمثال مستواه الحالى الذى يكفى لعلاج 700 ألف حال استخدمه مرضى كورونا.

وفى حوار مع صحيفة «فايننشيال تايمز» أكد جونجى أوكادا رئيس «فوجى فيلم» أن الحكومة تحتفظ بمخزون يكفى مليونى شخص، ورفعت حالة الطوارئ لإنتاج المزيد مطلع مارس 2020.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن السلطات اليابانية فى 2014 كانت قد وافقت بشكل مشروط لـ«فوجى فيلم» على إنتاج «أفيجان» لعلاج الإنفلونزا الجديدة أو الناشئة، وليس الإنفلونزا الموسمية، على ألا يستخدم إلا فى حالات تفشى العدوى الشديدة التى تعجز الأدوية العادية عن التصدى لها، وبعد أن أثبت «أفيجان» فاعليته بات إنتاجه قاصراً على تلبية طلب الحكومة اليابانية التى تخزن الكميات المنتجة من العقار لاستخدامها فى حالات الطوارئ، لهذا لا يتوافر «أفيجان» فى الأسواق أو الصيدليات أو حتى المستشفيات، لكن فى وقت لاحق من 2014 سمحت الحكومة اليابانية باستخدامه لعلاج مرضى إيبولا فى غرب أفريقيا.

ما هو موقع أفيجان من السباق المحموم الذى يشهده العالم للتوصل إلى لقاح لعلاج مصابى كورونا؟ الإجابة لدى منظمة الصحة العالمية التى أفادت بأن سباق شركات الأدوية العالمية وصل إلى مرحلة تطوير ٧٠ لقاحاً مضاداً للفيروس المستجد، مع ٣ أدوية يتم اختبارها بالفعل فى التجارب البشرية، ويعد أفيجان أحد هذه الأدوية الثلاثة، فيما كشفت وكالة بلومبرج أن الدواءين الآخرين تطورهما شركتان أمريكيتان، وأوضحت أن عمالقة صناعة الأدوية مثل «بج فارما» و«سانوفى» و«فايزر» يسابقون الزمن للتوصل إلى لقاح فعال لنشره فى الأسواق فى غضون العام المقبل، فضلاً عن أن لديهم لقاحات بالفعل لم تخضع لتجارب سريرية، وحتى يثمر هذا السباق الذى يغذى الصراع السياسى بين القوى الكبرى فى العالم، ولحين التوصل إلى لقاح شاف، يعول خبراء عالميون فى مجال الأدوية واللقاحات على أمل الشفاء من كورونا بواسطة أفيجان باعتباره العلاج المتاح أمام البشرية حتى الآن لإنقاذها من الجائحة المروعة.

بالابتكارات والمسئولية المجتمعية.. "فوجى فيلم" تواجه الوباء العالمى

لم يكن «أفيجان» الخطوة الأولى لـ«فوجى فيلم» باتجاه الخلاص من شبح «كورونا» الذى يحصد أرواح الآلاف حول العالم، وفور اندلاع أزمة الفيروس ابتكرت الشركة جهاز اختبار جديداً يخفض الوقت المطلوب لظهور نتيجة الإصابة من 6 ساعات إلى ساعتين فحسب، ومن المقرر طرحه قبل نهاية أبريل 2020.

منتجة "أفلام التصوير" قاومت شبح الإفلاس باقتحامها المجال الطبى فى 2004.. و"أفيجان" يرفع أسهمها لأعلى مستوى منذ 1974

وإلى جانب ابتكاراتها فى مجال الدواء والأجهزة الطبية، تؤدى الشركة دوراً مجتمعياً راقياً فى أوروبا وفى إيطاليا على وجه الخصوص. وبينما تسمّر العالم أمام شاشات الفضائيات والمواقع الإلكترونية، مشدوهاً وحزيناً لما يراه من مآس إنسانية مروعة فى المدن الإيطالية، كانت «فوجى فيلم» ضمن داعمين محدودين لهذا البلد المنكوب. وتعامل فرع فوجى فيلم إيطاليا مع الجائحة على أنها «لحظة طوارئ كبرى وخطيرة تعيشها إيطاليا»، ودعت للعمل بروح الفريق الواحد لعبورها، ومنح فرع الشركة المستشفى الحكومى فى مدينة كريما بإقليم لومبارديا 15 سريراً تكنولوجياً جديداً مجهزة بتقنيات متقدمة تسهل الرعاية الصحية لمرضى كورونا وتوفر لهم الراحة التامة، ومزودة بمحركات كهربائية تضمن انسيابية الحركة ومصنوعة من مواد سهلة التنظيف ومضادة للبكتيريا.

دعم «فوجى فيلم» للمستشفى الحكومى فى «كريما» ترافق مع خطة طوارئ كبرى طبقها المستشفى بعد اجتياح الفيروس للمدينة الإيطالية، حيث حولت الأقسام الطبية بها، باستثناء التوليد وأمراض النساء، إلى أقسام استقبال ورعاية مصابى كورونا، وهو ما ألقى على الطواقم الطبية فى المستشفى عبئاً كبيراً. وحرصت «فوجى فيلم» على أن تكون قريبة من هذه الجهود لاحتواء الفيروس فى المدينة، تفعيلاً لشراكتها مع المستشفى الحكومى فى مجال التكنولوجيا الطبية والبحث العلمى، وتم تجهيز أقسام الجهاز الهضمى والطب الرئوى بتقنيات «فوجى فيلم» المتطورة لتشخيص وعلاج الآفات.

وبحكم انتشارها فى مختلف دول أوروبا، أعلنت «فوجى فيلم» مع بداية اجتياح الوباء للقارة حزمة ضوابط تضمن استمرار عملها وخدمة عملائها مع الحفاظ فى ذات الوقت وبنفس القدر على صحة موظفيها فى أوروبا «Fujifilm Europe»، البالغ عددهم 4500. وفى 26 فبراير 2020 شكلت لجنة أزمات للتعامل مع تداعيات كورونا ومتابعة تطبيق توصيات منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبى والحكومات الوطنية فى أوروبا. وشملت ضوابط الشركة اليابانية أن يعمل نحو 80% من موظفيها من المنزل، فضلاً عن اعتماد بروتوكولات نظافة ووقاية مشددة فى مواقع العمل واعتماد ضوابط جديدة للسفر منعاً لنقل العدوى، وتعليق الحضور والمشاركة فى المعارض والفعاليات التجارية.

ونوهت «فوجى فيلم» بأنه ضماناً لاستمرارية العمل وسلامة العملاء ستتأثر سلسلة التوريد العالمية بالكامل بسبب اضطراب التصنيع والشحن، وهو ما تعمل على مواجهته من خلال خطط طوارئ للإنتاج والخدمات. ولم يفت الشركة العملاقة أن تناشد عملاءها وشركاءها حول العالم الالتزام بتوصيات «الصحة العالمية» الخاصة بالتباعد الاجتماعى والبقاء فى المنازل.

"أفيجان" يعد "فوجى فيلم" ببعث جديد

تحت عنوان «اليابان تعلق آمالاً على مكافحة كورونا وتدعم فوجى فيلم»، نشرت وكالة بلومبرج للأنباء تقريراً رصدت فيه صعود أسهم «فوجى فيلم» فى البورصة إلى رقم قياسى منذ بداية عام 2020، متأثرة بترحيب العالم بعقار أفيجان الذى تنتجه والآمال التى أشاعها هذا الدواء لعلاج كورونا، فضلاً عن دعم الحكومة اليابانية للشركة بحزمة حوافز اقتصادية لمساعدتها على التوسع فى إنتاج العقار وتخزينه بحيث يكفى مليونى شخص.

حكومة اليابان تدعم الشركة لمضاعفة إنتاج العقار وعلاج 2 مليون مصاب.. و30 دولة تطلب منها "المادة الفعّالة"

وحسب «بلومبرج» فإنه مع إقرار العقار رسمياً فى الصين وإنتاجه باسم «فافيبيرافير» قفزت أسهم «فوجى فيلم» فى مارس الماضى بصورة كبيرة، وأضافت أنه رغم أن العقار قيد التطوير والتجارب السريرية والإكلينيكية لاعتماده فى علاج كورونا، لم ينتظر المستثمرون النتائج، وارتفعت أسهم فوجى فيلم 17٪ منذ بداية العام مقابل انخفاض بنسبة 22٪ فى مؤشر توبكس الأوسع نطاقاً. وسجل السهم أعلى مستوى له عند 6420 ين فى طوكيو وهو أعلى رقم قياسى وفقاً للبيانات التى جمعتها بلومبرج منذ عام 1974.

كارولين ستيوارت، المحللة الاقتصادية فى وكالة «بلومبرج» قالت إنه «مع فشل تجربة أدوية عديدة فى علاج Covid-19، يتوجه الاهتمام بشكل كبير نحو أفيجان»، فيما قال محللون آخرون إن تدبير مخزون كبير من العقار لصالح الحكومة اليابانية من شأنه أن يعزز إيرادات «فوجى فيلم» لتقترب من 20 مليار ين يابانى حال تضاعف الإنتاج الحالى.

"فوجى فيلم" نموذج للتصالح مع التكنولوجيا ومواكبة العصر

مع انتشار كاميرات «الديجيتال» والهواتف المحمولة ذات الكاميرات فائقة الجودة، بدأ عصر «أفلام التصوير» فى الأفول، وطُويت صفحة شركات إنتاج الأفلام مثل «كوداك» التى تسمرت فى مكانها ولم تطور قدراتها فتعرضت للإفلاس. على العكس فعلت «فوجى فيلم» بدءاً من 2004، حيث عمدت إلى إنقاذ نفسها والاستفادة من أنواع التكنولوجيا المتاحة لديها بما يتماشى مع التكنولوجيا الحديثة، وأجرت مصالحة مذهلة بين نشاطها الأساسى فى «أفلام التصوير» ومجال الرعاية الصحية. وخلال أعوام قليلة ابتكرت تقنية لتحليل صور ثلاثية الأبعاد للأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسى، بحيث يمكن تمييز الشرايين والأوردة داخل الأعضاء وتصوير الأورام بجودة عالية.

أحدث ابتكارات "فوجى": اختبار إصابة "كورونا" فى ساعتين.. وتصوير الأورام "3D" وجهاز محمول للموجات فوق الصوتية

وفى مجال الكشف المبكر عن سرطان المعدة ابتكرت تقنية لاستخدام أشعة الليزر فى عمل منظار داخلى عبر الأنف.

وطورت «فوجى فيلم» جهاز تشخيص صغيراً بالموجات فوق الصوتية يمكن حمله فى الجيب ويسهل إجراء فحوصات الموجات فوق الصوتية فى الأماكن النائية مثل منازل المرضى ومواقع الطوارئ. كما توصلت «فوجى فيلم» إلى آلية لاستخدام الأشعة السينية لفحص الصدر وتحديد بؤر السرطان الصغيرة فى مرحلة مبكرة، ما يساعد الأطباء على إجراء تشخيص دقيق.

لكن الانتعاشة الأكبر التى أحدثتها «فوجى فيلم» لنفسها هى الاستحواذ على شركات رائدة فى مجال الأدوية والأجهزة الطبية فى السوق اليابانى، ومن أبرز هذه الشركات «توياما كيميكالز»، التى اشترتها «فوجى فيلم» عام 2008 وأنتجت عقار «أفيجان» المضاد للإنفلونزا. كما اشترت «فوجى فيلم» 49% من أسهم شركة الأمصال الأمريكية «كالون بيوثيرابيوتيكس»، وذلك فى مقدمة لاستحواذ فرع الشركة اليابانية فى الولايات المتحدة لاستكمال شراء 100 فى المائة من الأسهم. كما اشترت «فوجى فيلم» شركة تابعة لشركة «بيوجين آيدك» بالدنمارك مقابل 890 مليون دولار لدعم أعمالها فى مجال الرعاية الصحية، وتمتلك هذه الشركة 6 مفاعلات حيوية بسعة 15000 لتر يمكنها تصنيع المستحضرات البيولوجية، كما تنتج أدوية اضطرابات الأمراض العصبية واضطرابات المناعة الذاتية والسرطان.

وبعد دراسة معمقة لخطوط إنتاجها، طورت «فوجى فيلم» التقنيات التى تعمل بها فى مجال أفلام التصوير لاستخدامها فى مجالات أخرى، فاستغلت تقنية الحفاظ على جودة الصورة المطبوعة فى إنتاج مستحضرات حماية البشرة وأدوات التجميل، وطورت أسرع تقنية طباعة فى العالم، بحيث يمكن من خلالها طباعة أوراق بحجم B2 بمعدل ورقة فى الثانية و3600 فى الساعة بجودة فائقة، وابتكرت تقنية لتلميع العدسات بصورة أحدثت تطوراً هائلاً فى مجال تصوير الفيديو.

وبلا شك تستحق «فوجى فيلم» أن تكون مضرب الأمثال بالنسبة للكيانات التى تبحث عن موطئ قدم فى عصر العولمة وتكنولوجيا الاتصال، ولعلها اليوم فى طريقها لتكون أيقونة جديدة لكن ليس فقط فى مجال الأعمال والرعاية الصحية الذى تفوقت فيه، بل أيقونة إنسانية بما تقدمه من جهود وعقارات طبية لإنقاذ الإنسانية من جائحة لا ترحم.

 


مواضيع متعلقة