سيناء وروشتة «جمال حمدان»
أى قارئ للصحف فى مصر، من المؤكد أنه أمسك بين يديه يوماً ما أحد أعداد جريدة «الأهرام» وطالع فى قمتها السطر الشهير الذى يفيد أنها تأسست عام 1875 (منذ 145 عام)، وهو تاريخ سابق بكثير لإنشاء معظم دول منطقة الشرق الأوسط، فمصر كانت دولة ثم علمت الجميع معنى ذلك.. وبالتالى، وبالتراكم، أصبح لدينا مؤسسات راسخة، بها مشكلات وهذا عادى، لكن الدولة ليست سائلة، كبعض الدول الأخرى. بناء على كل ما سبق فلا يمكن لرأى أو فكرة أو اقتراح أو طرح أو تصور أو تلميح أو إيحاء أو غيرها أن يهز كيان دولة حقيقية مثل مصر.
نُشر فى جريدة «المصرى اليوم» بعنوان: «استحداث وظيفة» للكاتب «نيوتن» تناول فكرة تعيين حاكم لسيناء مع وضع قوانين خاصة لها تساعد على تخطى البيروقراطية وجعل المنطقة مزدهرة. وحدث هجوم كبير على الجريدة وعلى الكاتب، عدا بعض الأقلام الرصينة التى ردت على الفكرة نفسها.. من المفترض أصلاً أن كتابة المقالات ليست وجاهة اجتماعية أو مهادنة لتيار معين أو محاولة استقطاب لقطاع، أو أى شىء آخر غير طرح أفكار. فكرة المقال غير موفقة، ولكنها كأى فكرة يمكن مناقشتها. وهى مطبقة بالفعل فى أماكن متعددة، مثل إقليم بافاريا الألمانى، لكننا هنا لسنا فى وسط أوروبا، بل فى وسط جهنم، حيث تتم محاولات دؤوب لخلخلة دعائم الدولة المصرية على كل جبهاتها دون أى استثناء (حدودها الشرقية، والجنوبية، والغربية، والبحر الأبيض المتوسط، ومياه النيل، وتدفقات الغاز، وإرهاب داخلى، والقائمة تطول). وبالتالى فربما كانت هناك اعتبارات كثيرة لدى البعض، تحبذ عدم طرح الفكرة من الأساس. لكنها فى النهاية مجرد فكرة تُرفض أو تُقبل أو تُعدل أو تُطور.
انتصر الرئيس السيسى لفكرة تقبل الآراء والبُعد عن المزايدات التى لا لزوم لها حين قال بوضوح، الأربعاء الماضى، خلال افتتاح عدد من المشروعات القومية الكبرى، شرق قناة السويس: «إحدى المقالات تحدثت عن سيناء.. ومحدش أبداً لما حد يتكلم يقول له أهدافاً.. ولكن كنت أتمنى إن كل اللى عاوز يرد على أى حاجة يكون على علم بما نقوم به خلال الفترة الماضية فى 6 سنوات ماضية، ماذا فعلنا فى سيناء».
تنمية سيناء تتم الآن بالفعل، لكنها تحتاج وقتاً طويلاً ومجهودات كبيرة ومبالغ ضخمة؛ فالحكومة وجهت لسيناء استثمارات بقيمة حوالى 6 مليارات جنيه خلال العام الفائت، فى عدد كبير من القطاعات: (تعليم، المياه، الزراعة والرى، النقل والتخزين، الأنشطة العقارية والتشييد والبناء). وضع العظيم الراحل «جمال حمدان» روشتة لذلك، والدولة المصرية طبقت منها أجزاءً بالفعل.. اقترح «حمدان» ساحلاً سيناوياً شمالياً مُستغلاً فى الزراعة، وغرباً مشتغلاً بالتعدين، وشرقاً مشغولاً بالرعى.. كما رأى أن تكون قناة السويس مزدوجة وأن تكون هناك أنفاق تحتها.. نتمنى لو كان قد عاش ليرى أحلامه قد بدأت فى التحقق بالفعل. موقع سيناء، الأكثر تفرداً فى العالم، جعل من المُقدر لها أن تكون ساحة للمعارك، وطريقاً لعبور الجيوش. ويرى «حمدان» أن سيناء قد تحولت من عازل استراتيجى إلى موصل للخطر. كما يرى أن الفراغ العمرانى بسيناء هو ما جعلها دوماً مطمعاً للآخرين. ورأيه أن الحل الوحيد لذلك هو التعمير واستغلال ثرواتها الوفيرة وبيئتها الفريدة ومناظرها الرائعة ومناخها المتنوع. كل هذا فى إطار تخطيط استراتيجى مُحكم يربط سيناء بالوادى.. ولا يفصلها عنه أبداً.