« الوطن» فى قرية الـ25 قتيلاً: «شطورة».. المأساة مستمرة

« الوطن» فى قرية الـ25 قتيلاً: «شطورة».. المأساة مستمرة
30 يوماً مرت.. والأحزان مستمرة.. 30 يوماً ومشاهد «مواكب الموت» عالقة فى أذهان الجميع.. المشاهد ممتزجة بحريق هو الأكثر قسوة وحصداً للأرواح فى قرية شطورة بسوهاج.. الحريق أنهى حتى الآن حياة 25 من الأهالى بينهم شباب وأطفال ونساء.
رغم الأسابيع التى مرت على الكارثة والانفجار، الذى وقع بمخزن بنزين «غير شرعى»، ترى الدموع حاضرة والآلام باقية.[FirstQuote]
مفيش أفراح
الأفراح «معلقة» أو مؤجلة.. يكفى أهل القرية أن من بين الضحايا «عريس».. هو الشاب عماد طلب 28 عاماً.. الذى مات متأثراً بإصابته رابع يوم الحادث.. وكان الشاب يستعد لزفافه منتصف الشهر الحالى وتحديداً فى 15 أبريل.. مات «عماد» قبل 12 يوماً من زفافه.. تصرخ والدته دون دموع: «ولدى مات.. ولدى العريس مات.. مات بعد ما رمى نفسه فى النار عشان يطلع أخوه محمود.. ومحمود كمان مات.. مات يوم الحادثة.. أقول إيه.. بيت راح منه 2 شباب زى الورد.. قلبى اتحرق عليهم.. وساكتة.. فيه كلام يتقال؟! مفيش كلام بعد دول ما راحوا».. الأفراح ليست فقط ممنوعة أو مؤجلة.. الضحكات هناك ممنوعة.. كيف تضحك أو يعلو صوتك بضحكة وبلدتك صاحبة الـ90 ألف نسمة ودعت فى جنازات جماعية هذا الرقم من الموتى؟![SecondQuote]
صناديق الموتى
حتى كتابة هذه السطور.. يتبقى 5 حالات فى مستشفى الحلمية العسكرى بالقاهرة الذى استقبل 19 مصاباً بطائرة عسكرية.. 13 ودعوا المستشفى والمصابين وخرجوا.. خرجوا فى صناديق الموتى إلى سوهاج.. حيث انتظرهم آلاف من أبناء القرية ليلقوا عليهم نظرة الوداع.. أسر المصابين لا يتمنون أن يتلقوا اتصالاً هاتفياً يقول لهم: «البقية فى حياتكم.. فلان مات».. وبعيداً عن مستشفى الحلمية.. يتبقى من المصابين 9 أشخاص داخل مستشفى طهطا المركزى واثنان داخل مستشفى جامعة سوهاج وحالتهم العامة مستقرة.[ThirdQuote]
الموت ثمن الشهامة
«الوطن» انتقلت إلى القرية المنكوبة.. الحادث خلف وراءه عدداً من المآسى التى لا تنتهى.. ولن تكون الأيام كفيلة بطى صفحتها التى سطرت أحرفها بدماء ضحايا تحركوا لمساعدة جارهم الذى التهمت النيران منزله، فلقوا حتفهم بالجملة وسط نيران غاضبة وقاسية.. وقودها الناس وبراميل البنزين التى تفجرت تباعاً لتحصد أرواح بريئة ساقها القدر للموت بالجملة.
عائلة عسكر
كان نصيب عائلة عسكر التى ينتمى إليها صاحب المنزل الذى شهد الواقعة 12 ضحية ينتمون لـ6 أسر.
.. وعن مأساة هؤلاء الضحايا يقول أحمد على أحمد عسكر 64 سنة بالمعاش، إن الحادث كان بمثابة الكارثة على شطورة التى يعيش أهلها فى ود وتراحم.. وظهر ذلك واضحاً فى الحادث حيث تسابق جميع أبناء القرية ليساهموا فى إطفاء النيران النساء والأطفال والشيوخ.. كل من شاهد النيران تسابق على المشاركة فى إنقاذ جارهم من الحريق الذى نشب بمنزله فكانت الكارثة كبيرة بحجم عدد الأشخاص الموجودين.
اليتيم
المحزن كما يقول أحمد، أن كوارث عائلته لم تتوقف هنا على من ماتوا حرقاً بل على جيل من الصغار ما زالوا فى أحشاء الأمهات وفقدوا آباءهم الذين منهم مصطفى عبدالنعيم عسكر 22 سنة حاصل على دبلوم تجارة يعمل باليومية وهو شاب مهذب يحبه الجميع وتزوج من إحدى قريباته منذ عام ونصف تقريبا، وعندما شاهد النيران لم يكن بوسعه سوى الهرولة إلى داخل المنزل ليسهم فى إطفاء النيران بالتعاون مع رجال الحماية المدنية لكن القدر كان يسبقه إلى الموت فكان أول من لقى مصرعه فى الحادث تاركاً وراءه زوجة تحمل فى أحشائها جنيناً فى الشهر السابع وهى لا تملك من حطام الدنيا شيئاً.. وما ذنب هذا الطفل الذى أصبح يتيماً قبل أن يأتى إلى الحياة. يتابع «أحمد» وكأنه يمد خيط المأساة إلى مدى أبعد؛ شقيق الضحية ويدعى عسكر عبدالمنعم هو الآخر مصاب وحالته حرجة وتم نقله لمستشفى الحلمية العسكرى ضمن من أقلتهم الطائرة العسكرية.
صاحب الكارثة
صاحب مقبرة «شطورة» الجماعية أو صاحب الكارثة وضحيتها الأولى، هو صاحب المنزل الذى شهد الحريق ويدعى محمد محمد عسكر (55 سنة) عامل باليومية ولديه أسرة مكونة من 3 أولاد وبنتين وزوجة.
نشأ محمد كغيره من أهالى قرية شطورة فى أسرة فقيرة لم ينعم بطفولته مثل بقية الأطفال، وبدأ فى العمل باليومية قبل أن يكمل عامه العاشر، يخرج الصغير فى الصباح الباكر يساعد الفلاحين فى حقولهم ومرت حياته سريعاً وهو لا يكل ولا يمل من العمل باليومية وتزوج من عرق جبينه وأنجب أسرة كبيرة، ومع ارتفاع متطلبات الأسرة وضيق ذات اليد بدأ يفكر فى مصدر دخل غير العمل بالأجر لدى الناس.
وقود غير شرعى
«أحمد» يواصل حديثه عن صاحب المنزل: هداه تفكيره إلى الاتجار فى الوقود رغم ما يمثله من خطورة على حياته وحياة أسرته، لكن لم يجد أمامه سبيلاً آخر وخاصة مع انتشار تلك التجارة فى أعقاب ثورة 25 يناير وضعف الرقابة من رجال التموين، واشترى مجموعة من البراميل لتخزين السولار والبنزين داخل منزله، ولم يكن الحصول على الوقود صعباً فهناك العشرات من محطات الوقود التى غابت عنها الرقابة تمنحك ما تريد وبسهول بل إن بعض المحطات يمنح زبائنه بالآجل، وبدأ «محمد» فى ممارسة مهنته الجديدة، ولكن كان القدر له بالمرصاد وتحول منزله فى ثوان معدودة إلى مقبرة جماعية لأهالى شطورة.
.. وبقى الفقر والحزن
«محمد» ترك خلفه أسرته الفقيرة، ابنه الأكبر محسن (30 سنة) متزوج ولديه بنتان فى عمر الزهور، وعلاء (26 سنة) متزوج ولديه ولد وبنت، وعبدالرحمن (18 سنة) أخرس وأصيب هو أيضاً فى الحادث وتلقى العلاج داخل مستشفى سوهاج الجامعى، وسماح (28 سنة) وهى الأخرى فتاة خرساء، وفاطمة (17 سنة) طالبة بمعهد التمريض، تلك الأسرة الكبيرة كانت تعيش على ما يجنيه رب الأسرة من أرباح بيع الوقود وكل ما يمتلكونه من حطام الدنيا منزل التهمته النيران و5 آلاف جنيه قدمتها محافظة سوهاج إليهم «إعانة متوفى».
شقيق «عسكر»
شقيق صاحب المنزل المحترق ويدعى محمود (50 سنة) عامل باليومية هو الآخر لقى حتفه أثناء مشاركته الأهالى فى إخماد النيران، تاركاً وراءه أسرة مكونة من 5 أولاد وبنتين قتل منهم فى الحادث ابنه الأكبر مجدى (25 سنة) تاركاً وراءه طفلاً رضيعاً عمره عام ونصف العام، وزوجة مترملة، وبقى من أسرة محمود، على (22 سنة) مجند بالقوات المسلحة، وأحمد طالب فى الصف الثالث الإعدادى، ومحمد فى الصف الثالث الابتدائى، ومحمود عمره 5 سنوات، وبنتان نورا ووردة، لتعيش الأسرة ما تبقى لها من العمر فى حزن وكمد ينتظرون ما تخبئه لهم الأيام بعد أن فقدوا الأب والأخ ولا يعرفوا كيف سيواجهون الحياة القاسية بمفردهم.
فاطمة
فاطمة محمد عسكر (48 سنة) ربة منزل شقيقة صاحب المنزل المحترق، بمجرد أن شاهدت النيران ترتفع من منزل شقيقها هرولت مسرعة هى وابناها أشرف (23 سنة) وكرم (26 سنة) فلقيت حتفها على الفور، بينما أصيب ابناها بحروق بالغة وتم نقلهما لمستشفى الحلمية العسكرى، ليتبقى من الأسرة زوجة كرم المصاب الثانى وثلاثة أطفال فى عمر الزهور، أما الضحية أحمد محمد شبيب عسكر (55 سنة) مساعد شرطة فترك أسرة كبيرة مكونة من زوجة و5 أبناء أكبرهم محمد (32 سنة) وأصغرهم على (6 سنوات) وثلاث بنات أصغرهن عمرها 5 سنوات وإحداهن اسمها «تونية» متزوجة من أحد الأشخاص ويدعى مصطفى عبدالمنعم الذى لقى مصرعه هو الآخر فى الحادث لتفقد «تونية» زوجها ووالدها فى الحريق وتسكن فى منزل مبنى بالطين مساحته 60 متراً على ضفاف ترعة السكة الحديد ويقع المنزل فى منافع الرى وتأمل «تونية» أن تحن عليها الدولة وتهب لها تلك المساحة من الأرض لتقضى ما تبقى لها من العمر هى وأطفالها الصغار أو تقوم الدولة ببيعها لها حتى تضمن ألا يتم هدم المنزل بين يوم وليلة بحجة التعدى على أملاك الدولة.
ودائماً المصائب لا تأتى فرادى فى قرية شطورة؛ فمحمد مهدى أحمد عسكر (45 سنة) محصل بالضرائب متزوج ولديه 4 أبناء أكبرهم مجند بالقوات المسلحة وأصغرهم ولد عمره 10 سنوات، محمد ترك أسرته وغادر الحياة محترقاً فى الحادث، كما أصيب ابن شقيقه «محسن» ويتلقى العلاج فى مستشفى جامعة سوهاج.
فارس الشهم
يقول أحمد ماضى عبدالعال (37 سنة) بدون عمل إنه فقد شقيقه الأصغر فارس (34 سنة) فى الحادث وشقيقه ترك أسرة مكونة من زوجة وطفلين؛ مهند (4 سنوات) وتهانى (سنة ونصف) ويشير إلى أن شقيقه كان يسكن فى شقة بالإيجار وعندما سمع بالحادث هرول مسرعاً ليلقى مصرعه وسط النيران، ويشير إلى أن زوجة شقيقه تركت الشقة التى تسكن فيها وذهبت لتقيم مع عائلتها لأنها لن تتمكن من دفع إيجار الشقة وشقيقه لم يترك لها من حطام الدنيا شيئاً؛ فهو كان عامل باليومية، وعن الحادث يقول «أنا كنت موجوداً مع الأهالى أشاركهم فى عملية إخماد النيران وبعد أن تمت السيطرة على النيران قام مجموعة من الناس الموجودين بإفراغ محتويات براميل البنزين الموجودة داخل المنزل على الأرض، وذلك خوفاً من أن تقوم الشرطة بتحرير محضر بتجميع الوقود، وأدركت أن المكان ستحدث به كارثة لأن هناك نيراناً موجودة تحت الرماد وحذرت الأهالى من عملية سكب البنزين، إلا أنهم لم يقتنعوا بكلامى وقاموا بسكب 4 براميل بنزين على الأرض بعدها أسرعت مهرولاً خارج المنزل، وعقب وصولى إلى الشارع الرئيسى طريق سوهاج أسيوط الزراعى دوى انفجار هائل.
العريس و«ميسرة»
رفعت طلب (23 سنة) عامل قال: «فقدت شقيقى عماد، 28 سنة، فى الحريق وكان شقيقى من المقرر أن يتزوج فى 15 من الشهر الحالى بعد أن قامت والدتى بخطبة إحدى فتيات القرية له منذ عدة شهور ومات هو وشقيقه الأصغر محمود وابن عمهما محمد عبدالعلى طلب، أما ميسرة على، 7 سنوات، وهو أصغر ضحية فى الحادث فكان عائداً من درس خصوصى لدى أحد المدرسين، وكان الصغير يمسك كتبه فى يده وعندما اقترب من منطقة الحدث وجد النيران تشتعل فى المنزل فخلع الصغير حذاءه وشمر بنطلونه ودخل إلى المنزل ليساعد الأهالى فى حمل الأوانى الممتلئة بالمياه للسيطرة على النيران إلا أن ميسرة أصيب فى الحادث وتوفى أثناء تلقيه العلاج داخل المستشفى».. عن ميسرة قال: «كانوا بيطفوا فيه وهو يقول.. لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. وميسرة اتنقل إلى مستشفى الحلمية فى طيارة الجيش.. ومات بعد يومين وهو أصغر ضحايا الحادث».