فيروس "الذكاء الاصطناعى"

ثلاثية: الأنانية، وجرف الضعفاء، وحماية الممتازين من البشر، تشكل فيما بينها أضلاع المثلث المتوقع للنظام الاقتصادى العالمى بعد «كورونا». عقب الحرب العالمية الثانية كان النظام الاقتصادى العالمى -سواء بوجهه الرأسمالى أو الاشتراكى- يتبنى بدرجات مختلفة من الإخلاص فكرة الدفاع عن الحقوق الاقتصادية للإنسان، بإتاحة فرص العمل له، ومنحه حقوقه كعامل، وتكوين نقابات قادرة على الدفاع عنه، ومخاطبة قوى رأس المال باسمه، بالإضافة إلى دعم العاطلين عن العمل بإعانات وتقديم الرعاية الاجتماعية أيضاً للفئات الضعيفة والمهمشة مثل ذوى الاحتياجات الخاصة وكبار السن وغير ذلك. النظام الاقتصادى العالمى المتوقع بعد كورونا سينتصر للآلة على حساب الإنسان. إنه ببساطة اقتصاد «الذكاء الاصطناعى» الذى يستغنى بالبرامج الذكية والروبوتس عن الإنسان. هو اقتصاد الشركات الكبرى الضخمة التى لن تجد الشركات الصغيرة -وربما أيضاً المتوسطة- مساحة تذكر للوجود إلى جوارها.

أواخر القرن الماضى، وتحديداً عام 1996، أصدر كل من هانس بيتر مارتن وهارالد شومان كتابهما الشهير «فخ العولمة». يشتمل الكتاب على إرهاصة حول التحولات المتوقعة فى الاقتصاد العالمى خلال القرن الجديد (الحادى والعشرين). وثمة تركيز من جانب الكاتبين على مفهوم مجتمع الخمس، أى المجتمع الذى يديره حفنة من الرأسماليين المتوحشين (توحش الأنانية) وتجد نسبة 20% فقط من القوة العاملة به فرصة للشغل (الممتازين)، فى حين يتم تهميش نسبة الـ80% المتبقية، والاعتماد على الإنتاج المدار عبر حواسب وبرامج وآليين. ستشكل الآلات الذكية الأساس فى الإنتاج الكثيف، بل وفى إدارة العديد من أنشطة الحياة، وربما أخطرها أيضاً. وقد بشرت العديد من التطورات التى شهدها العقدان الأول والثانى من القرن الجديد بتحولات عديدة تصب فى هذا الاتجاه.

وإذا سألت عن كيفية ترويض نسبة الـ80% التى لا يتوافر لها فرص عمل فى النظام الجديد فسيجيبك مؤلفا كتاب «فخ العولمة» عن ذلك بتلك التركيبة العجيبة لمصطلح «Titytainment» الذى اخترعه زيجنيو بريجنسكى مستشار الرئيس كارتر للأمن القومى، ويتركب من ثنائية «فائض الرضعة/ التسلية». والمعنى أنه من خلال منح المحبطين على سطح المعمورة «فائض الرضعة»، أى ما يلفظه الطفل بعد أن يبتلع كفايته، بالإضافة إلى تغذيتهم بالتسلية التى تدير رؤوسهم بعيداً عن حالة الإحباط التى يعيشونها، سيتم ترويض الجموع معدومة الفرص.

فكرة «فائض الرضعة» تجدها حاضرة فى الكثير من المشروعات التى تجمع فيها بعض الجمعيات فوائض الطعام والشراب والملابس وحتى الكتب الدراسية وبعض التبرعات المالية ليتم التوجه بها إلى المحتاجين. أما «الترفيه» فأوله وآخره وسائل الإعلام. وقد أحدثك يوماً عن الحدود التى ذابت مع مطلع القرن الحادى والعشرين بين صناعة الترفيه وصناعة الإعلام، والتزاوج الحادث بين المشروعات الترفيهية (سلاسل الفنادق والمطاعم والملاهى) والمشروعات الإعلامية (القنوات الفضائية والمواقع الصحفية) التى يملكها عدد من مشاهير رجال الأعمال فى عدد من دول العالم، ومن بينها مصر.

تلك هى المعادلة التى تتم، حماية «الأنانية» -القائمة على الاحتكار- من هبات المهمشين عبر آليات الإعانة والتسلية، والتى يشكل الممتازون (الـ20% أصحاب الفرص) رافداً أساسياً لها. وقد بدأت إرهاصة القادم بعد كورونا فى مشهد حالى اقترن بأحداثها وتفاعلاتها، حين أعلنت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن أكثر من 7 ملايين مواطن -على الأقل- تقدموا بطلبات حصول على معونة بطالة عقب أيام معدودات من اتخاذ الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا بأرض العم سام.