هل تعرف قاسم أمين؟

وائل لطفى

وائل لطفى

كاتب صحفي

من فضلك.. لو سمحت.. هل تعرف قاسم أمين؟ وإذا كنت تعرفه.. هل تتذكره فى هذه الأيام؟ أنت تعرف حسن شاكوش، وعمر كمال، وإيناس عز الدين، وأحمد فتحى.. ولكنك لا تتذكر قاسم أمين محرر المرأة.. هل تعرف أنه مات مرتين.. أو ربما ثلاث مرات.. مرة حين اغتالوه معنوياً عقب صدور كتابه تحرير المرأة.. ومرة حين لاقى ربه عام ١٩٠٨، ومرة ثالثة حين ارتدت المرأة المصرية النقاب والخمار فى الصفقة المعروفة التى حدثت فى السبعينات. لسنوات طويلة كان قاسم أمين هدفاً لمشايخ السلفية وملوك الكاسيت المتطرف فى الثمانينات والتسعينات وما بعدها.. كانت المرأة المصرية هدفاً ثابتاً لهم، وكان من المهم تشويه الرجل الذى دعا إلى تحرير المرأة، وهو ما نجحوا فيه ببراعة.. وربما كان من المهم جداً لمصر الآن أن تتذكر قاسم أمين.

فى كتابه «أفكار ضد الرصاص» يسجل الكاتب الكبير محمود عوض معاناة قاسم أمين.. ويسجل حالة المرأة المصرية قبل أن يصدر قاسم أمين كتابه سنة ١٨٩٨، كيف كانت المرأة ممنوعة من الوجود.. من الخروج.. من العمل.. من أن تكون كياناً مستقلاً.. وكيف كانت أنوثتها وشخصيتها تختفى خلف طبقات كثيفة من الثياب، وكيف كان وجهها يختفى تحت النقاب الذى يحمل اسم (اليشمك).. أما سن الزواج المعتاد للمرأة فكانت اثنى عشر عاماً.. فى هذه الظروف أصدر قاسم أمين، رجل القانون والمستشار فى الاستئناف العالى وزميل سعد زغلول وصديق محمد عبده، كتابه تحرير المرأة.. ولم يكن يطالب بشىء سوى أن تلتزم نساء مصر بالحجاب المنصوص عليه فى الشريعة الإسلامية، وكان يقول فى كتابه: «إننى لا أزال أدافع عن الحجاب، وأعتبره أصلاً من أصول الأدب، غير أنى أطلب أن يكون منطبقاً على ما جاء فى الشريعة الإسلامية». ومع ذلك انفتح طوفان التخوين والاتهامات ضد قاسم أمين.. ودفع وحده ثمن شجاعته.. اتهمه البعض بالتآمر مع المعتمد البريطانى اللورد كرومر، واتهمه آخرون بأنه واجهة للإمام محمد عبده، وصدر أربعون كتاباً للرد عليه، وكانت كلها اتهامات له، وكان أشهر من وقفوا ضده مصطفى كامل وطلعت حرب.. والأهم أنه صار منبوذاً اجتماعياً.. وتكرست عزلته بشكل رسمى حين أصدر الخديو عباس حلمى الثانى قراراً بمنعه من دخول قصره.. وكان أقسى ما مر به أن شخصاً غريباً ذهب له فى بيته بالهرم وقال له إنه يريد زوجته! وعندما سأله لماذا تريد زوجتى.. رد قائلاً.. ألست تطالب بتحرير المرأة؟ دعنى إذن أجلس مع زوجتك!!

يقول محمود عوض إن قاسم أمين اعتزل المجتمع، ولم يكن له أصدقاء سوى سعد زغلول ومحمد عبده.. وبعد عشر سنوات من العزلة مات وعمره ٤٣ عاماً بسكتة قلبية.. وقال البعض إنه مات منتحراً.. الأهم أنه بعد سنوات من موته تحققت دعوته.. خلعت المرأة المصرية النقاب فى ثورة ١٩١٩ التى قادها صديقه سعد زغلول.. لكنها عادت لترتديه مرة أخرى فى السبعينات.. وأظن أنه حان الوقت لأن نعرف قاسم أمين من جديد وأن يحيا مرة أخرى.. هذا جزء من حقه علينا.