"كورونا" و"صنع فى مصر"!
حتى لو أرقام إصابات كورونا فى مصر فى المنطقة العادية غير المزعجة والمطمئنة بدرجة أو بأخرى إلا أن علينا التخطيط للأزمة على أنها ستستمر شهوراً طويلة.. هذه هى الأزمة الوحيدة منذ عشرات السنين التى يعانى منها الكوكب كله بلا استثناء، ويخوض من على الكوكب معركة واحدة.. وهى معركة خطرة ليست سهلة ولا استثناءات منها.. وبالتالى نقف أمام اختبار مختلف قد لا نتمكن بسببه فى لحظة ما الاعتماد على غيرنا.. وهنا يكون جزء من التخطيط هو كيف يمكن أن نحول السلبى فى الأزمة إلى إيجابى أو على الأقل نحول جزءاً من السلبى الموجود إلى جزء إيجابى نستفيد منه ويكون نتاج الأزمة؟!
الأسبوع الماضى وعلى المساحة نفسها من «الوطن» الموقرة تحدثنا عن «كورونا وفرصة إعادة صياغة الشعب المصرى» بتحويل الأزمة إلى مناسبة مهمة لإعادة سلوكيات المصريين التى افتقدناها السنوات الطويلة الماضية، منذ تراجع دور الدولة تجاه شعبها قبل أكثر من أربعين عاماً، جرت فى حياة شعبنا مياه كثيرة أدت إلى ما نراه منذ فترة من خروج مؤسف عن السلوك اليومى القويم فى النظافة والنظام ومخالفة النظام العام عند بعض الفئات الموجودة فى شارعنا المصرى، تحولت هى الأخرى بتطورها إلى ظواهر أشد خطراً من ذوق هابط وتحرش جماعى فى المناسبات العامة وغش جماعى لاستسهال الأمر فى الامتحانات المدرسية وغيرها.. وقلنا إن الأمر يحتاج خطة تثقيف واعية يشرف عليها مسئولو الإعلام فى بلادنا تستفيد من حالة حظر التجول وبقاء الناس فى منازلها، فضلاً عن حالة الفزع من الفيروس الخطير!
اليوم نكمل اقتراحات الاستفادة القصوى، إذا جاز التعبير، من أزمة «كورونا» واستثمار الأزمة، وهذا حق مشروع فى إعلاء قيمة المنتج المصرى واستعادة مكانته وإحلاله محل المستورد واعتبار الأمر وطنياً بالدرجة الأولى ثم انتهازياً بالدرجة الثانية، بمعنى أنه مفيد للمواطن المصرى الذى سيحصل على منتج ربما يكون أقل فى الجودة بعض الشىء لكنه من المنطقى أن يكون أقل سعراً بفارق كبير.. فلا جمارك ولا دولار ولا أسعار دولية مبالغ فيها.. وهذا يتطلب إجراءات عديدة، أولها توافر المواد الخام، إذ السلعة مفكوكة وقبل تحويلها إن لم تتوافر بسعر مناسب وبكميات مناسبة بقيت المشكلة بغير حل!
الثانى هو حصر ما نستورده وتحديد البديل له ووضع خطة الإحلال تشرف عليها وزارة التجارة والصناعة بلقاءات مكثفة وعاجلة مع الغرف التجارية، ووزارتا المالية والاستثمار تمنحان تشجيعاً إضافياً للمنتج المصرى وبالتالى للمستثمر، بغض النظر عن جنسيته ما دام يقدم منتجاً محلياً مصرياً خالصاً أو شبه خالص!
قراءة فى الأرقام تبرز وصول حجم واردات مصر مع دول العالم فى الشهور العشرة الأولى من عام 2019 إلى نحو 62.815 مليار دولار، كانت 67.66 مليار الفترة نفسها من العام السابق 2018، أى إن هناك انخفاضاً بنسبة قدرها 7.1%!
فى الإطار نفسه نجد أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تقول دلالات كثيرة، وباستبعاد استيراد الوقود، ليس بسبب انخفاضه ولكن لأنه ليس سلعة يمكن تصنيعها عندنا وتحتاج اكتشافات فعلية على الأرض، ندعو الله أن يرزق بلادنا بها، لكن على سبيل المثال تم استيراد سلع وسيطة بقيمة 23.1 مليار وكذلك استيراد سلع استهلاكية معمرة بقيمة 4.8 مليار، إضافة إلى استيراد سلع استهلاكية غير معمرة، بقيمة 11.3 مليار خلال تلك الفترة، كان من بين هذه السلع استيراد خلاصات للدباغة ومواد دابغة تدخل فى صناعة الدباغة من «مواد تلوين وأصباغ وألوان ظاهرية وخلافه وأحبار رسم» بـ5.3 مليار جنيه، فضلاً عن زيوت عطرية ومواد خام لصناعات التجميل والمساحيق النسائية، منها على سبيل المثال مياه مقطرة عجائن البنفسج والياسمين وعجائن عطرية بلغت لوحدها ما قيمته 1.8 مليار جنيه!
الاستيراد يتمدد ليشمل مصنوعات جلدية جاهزة كالحقائب والأحزمة الجلدية للرجال والنساء على السواء والمحافظ الجلدية وحقائب اليد الصغيرة وحمالات قفازات وتيكيت وبادجات سيور للأحذية، وكذلك سلع أخرى غير جلدية منها المكاوى الكهربائية وأفران مجففات شعر المستخدمة فى محلات التجميل ومجففات الأيدى للفنادق والأندية وسخانات ومكانس وبطاريات مصابيح ومفاتيح كهربائية مولدات، محركات، محولات وماكينات إزالة الشعر بدرجاتها المختلفة، أجهزة حلاقة لصالونات الحلاقة العادية والمتخصصة!!
ننشر قائمة السلع المستوردة لنضع الصورة كاملة أمام القارئ العزيز، خصوصاً أنها سلع يمكن تصنيعها فى مصر، وهناك بالفعل بدائل محلية يتم استغلال حرية التجارة لضربها بحجة مستوى السلع أو حجم إنتاجها الذى لا يكفى.. وهذا لا يصح قوله فى بلد شهد فى الستينات نهضة صناعية كبيرة عرفت مصر من خلالها شركات عملاقة مثل سيماف وترسانة الإسكندرية وكيما والنصر للسيارات وراكتا للورق ورينز للأحبار وطنطا للكتان وطنطا للزيوت والصابون ونسر للكاوتشوك والإطارات والمراجل البخارية أساس صناعة المكثفات التى تبنى عليها عشرات الصناعات، فضلاً عن تليمصر بالهرم والنصر للتليفزيون بكورنيش المطبعة بالمعادى وبنها للإلكترونيات وأوليمبك وإيديال للأجهزة الكهربائية.. صحيح كل هذه الصناعات ضُربت بفتح باب الاستيراد على مصراعيه بقوانين الانفتاح وبقيت بغير حماية تمهيداً لتصفيتها فيما بعد وهو ما جرى فعلاً فى الخصخصة.. لكن أيضاً جزء من هذه الصناعات حمتها القوات المسلحة وتستعيد العديد منها بعد ٢٠١٤، ونبقى اليوم أولى وأولى فى استكمال ذلك وبشكل عاجل جداً لسرعة استثمار الأزمة ووقف الاستيراد، بما يعنى مزيداً من التشغيل وخلق فرص عمل وتراجع البطالة التى ستزداد فى قطاعات أخرى للأسف كالسياحة!
التوسع فى الاعتماد على الذات يعنى مزيداً من تراجع الاستيراد كما قلنا، أى مزيد من انخفاض سعر الدولار، أى انخفاض فى أسعار السلع، أى حياة أفضل للمصريين!
نحتاج إلى خطة عاجلة تسبقها إرادة قوية لقيادة وطنية.. نراهما موجودين.. الإرادة والقيادة، تتبقى حملة استنهاض همة شعبنا ووعيه!