"كورونا" يكسر صمود الاقتصاد العالمي!

كتب: دينا عبدالفتاح

"كورونا" يكسر صمود الاقتصاد العالمي!

"كورونا" يكسر صمود الاقتصاد العالمي!

أعلن صندوق النقد الدولى على لسان مديرته «كريستالينا جورجيفا» دخول الاقتصاد العالمى مرحلة الركود كنتيجة مباشرة لتفشِّى فيروس «كوفيد - 19» المعروف باسم «كورونا المستجد».

وقالت مديرة الصندوق، فى تصريحات لإحدى الشبكات العالمية، إن هذه الأزمة قد تكون أسوأ من الأزمة المالية العالمية التى عانى منها العالم فى 2007.

وبهذا الإعلان نكون قد دخلنا مرحلة جديدة فى خط المواجهة مع فيروس كورونا، هذه المرحلة لا ترتبط فقط بتهديد حياة البشر، ولكنها ترتبط بمستقبل الدخل والتوظيف والإنفاق والتطور التكنولوجى والإنتاج والاستثمار وكل مصطلحات الاقتصاد الكلى.

وأصبحت مختلف الدول مطالَبة بنسيان كل خططها السابقة، التى وضعت فى ضوء الظروف الطبيعية التى كانت سائدة قبل ديسمبر 2019، الذى شهد ظهور هذا الفيروس وتفشِّيه من مقاطعة ووهان الصينية.

ومن المؤكد أن «العالم بعد كورونا» سيكون مختلفاً تماماً عن «العالم قبل كورونا»، حيث سيكون تاريخ ظهور هذا الفيروس بمثابة خط فاصل بين مرحلة زمنية ومرحلة زمنية أخرى، مثلما حدث فى 11 سبتمبر 2001، بعد ضرب أبراج التجارة العالمية وتغير السياسة الدولية، وما حدث كذلك فى 26 ديسمبر 1991 والإعلان الرسمى عن تفكك الاتحاد السوفيتى، وما تبعه من ظهور نظام عالمى جديد أحادى القطب تتحكم فيه واشنطن بشكل شبه كلى، بعدما ربحت فى السباق الذى انهار فيه مجلس السوفيت الأعلى وأعلن استقلال الجمهوريات السوفيتية عنه.

بكين تحرز تقدماً على واشنطن فى "موازين القوى"

فالمرحلة التالية لظهور فيروس كورونا أتوقع أن تتسم باختلاف كامل عن المرحلة السابقة، على عدة أصعدة، من بينها موازين القوى الدولية التى تأثرت على مدار الأسبوع الماضى بالنجاح الساحق لإدارة بكين للأزمة واحتوائها للفيروس الذى انتشر من مقاطعة صينية فى الأساس، فى مقابل فشل الإدارة الأمريكية فى السيطرة على الوضع، واحتلال الولايات المتحدة المرتبة الأولى بين أكثر الدول تسجيلاً لإصابات بهذا الفيروس القاتل.

وأدى هذا الأمر إلى سخط كبير من الأمريكيين على إدارة الرئيس ترامب، واتهموها بالتراخى وعدم التعامل مع الأزمة بشكل صحيح، وظهر هذا السخط فى تداول النشطاء الأمريكيين لهاشتاج يحمل عبارة «we are number one» الذى عبَّروا من خلاله بشكل ساخر عن احتلال الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى فى عدد الإصابات بـ«الفيروس الصينى»!، مقارنة باستخدامهم لهذا الهاشتاج فى السابق للتعبير عن احتلالهم المرتبة الأولى فى الاقتصاد والإنجازات المختلفة التى حققتها الولايات المتحدة.

وحتماً سيؤثر هذا الإخفاق الأمريكى فى التعامل مع الأزمة على رؤية الدول الأخرى لمركز قوة واشنطن عالمياً مقارنة ببكين التى تعد المنافس الاقتصادى والسياسى الأول للولايات المتحدة، ومدى ثقة العالم فى تعامل الولايات المتحدة مع الأزمات الخطيرة، وقيادتها لخطط المواجهة والمعالجة مثلما حدث فى السابق فى الأزمة المالية العالمية التى ضربت العالم فى العقد الأول من الألفية الثالثة.

وكشف الكثير من الخبراء السياسيين أن ما حدث على مدار الفترة الماضية أثبت للعالم أن حلول الأزمات ليست بالضرورة أن تخرج من واشنطن مثلما كان فى الماضى، وأن التقدم والتطور اللذين أحرزتهما بعض الدول الأخرى، وعلى رأسها الصين كفيلان بأن يدفعاها لمقعد القيادة فى العديد من الأزمات.

العولمة حوَّلت الأرض إلى قرية صغيرة فى عقود و"فيروس مجهرى" قسمها إلى جزر منعزلة فى أيام

كما ستتسم المرحلة المقبلة باختلاف كبير فى سياسات العمل الاقتصادى، بعد أن أثبتت الأزمة أن الاقتصاد العالمى لديه الكثير والكثير من مَواطن الضعف التى يجب أن تعالج، أهمها التقييم المبالغ فيه للأصول التى انهارت بشدة فى أعقاب ظهور الأزمة، وسياسة التحوط المنخفضة التى أدارت بها الحكومات المختلفة اقتصادياتها، وأدار بها المستثمرون شركاتهم، وعدم امتلاك الدول لأنظمة إنتاجية مرنة تستطيع أن تتواكب وتتماشى مع المتغيرات الطارئة. وستتسم المرحلة المقبلة كذلك بتغييرات جذرية فى النظام الصحى العالمى الذى ثبتت هشاشته فى مواجهة الأزمة برغم التريليونات التى تم إنفاقها عليه، وعدم قدرته على الوصول السريع لعلاج لهذا الفيروس، وعدم تحمُّل أعتى النظم الصحية فى العالم للضغط الناتج عن آلاف الإصابات الطارئة بـ«كورونا».

وستشهد هذه المرحلة أيضاً إعادة تقييم للتطور التكنولوجى الرهيب الذى وصل إليه العالم، والذى لم يستطِع أن يضع حلولاً سريعة للأزمات المترتبة على ظهور الفيروس، سواء على مستوى الكشف عن الحالات أو المعالجة أو توظيف أسلوب تحليل البيانات الضخمة فى وضع حلول عاجلة وسريعة وفعالة لهذه الأزمة عالمياً.

الأزمة الحالية تضع علامات استفهام حول كفاءة النظام الصحى العالمى وفاعلية التطور التكنولوجى

هذا على الصعيد العالمى، الذى حتماً سيؤثر على وضعنا المحلى فى مصر باعتبارنا جزءاً من هذا العالم الذى جعلته العولمة بمثابة قرية واحدة، بينما فصله فيروس يكاد يُرى تحت المجهر إلى جزر منعزلة من جديد! وأصبحنا فى مصر مطالبين بالتحوط ضد هذه الأزمة والتعامل مع المستجدات الخاصة بها، وعلى رأسها دخول الاقتصاد العالمى مرحلة الركود، ولا بد أن يُدرك الجميع أن الانعكاس الاقتصادى للأزمة على مصر لا يرتبط فقط بعدد المصابين الذين تكشف عنهم وزارة الصحة يومياً أو بالإجراءات التى يتخذها مجلس الوزراء لمنع الوصول إلى السيناريو الأسوأ فى المواجهة.

صندوق النقد يعلن دخول الاقتصاد العالمى مرحلة الركود

ولكنه يرتبط أكثر بوضع العالم المحيط بنا، والذى تكشف مؤشراته الحالية أنه سيظل يعانى لشهور أو لسنوات من هذا التطور السلبى، فى ضوء انتصار الفيروس على الاقتصاديات الكبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها، ودخول هذه الدول فى مرحلة طوارئ ستؤثر على إنتاجهم وقدراتهم التصديرية وطبيعة استيرادهم وكذلك استثماراتهم الخارجية ومستقبل أعمال الشركات التابعة لهم حول العالم، كذلك الأمر بالنسبة للصين التى روجت أمام العالم سيطرتها على الفيروس، ولكنها فى الحقيقة ما زالت تعانى مخاطر كبيرة نتيجته، وأصبحت مطالبة بمواجهة سيناريو أسوأ خلال الفترة المقبلة.

وبالتالى سيتغير فى الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة كل شىء تقريباً وأصبحنا مطالبين برسم سيناريو جديد للتعامل مع التطور الاقتصادى للأزمة، فحتما ستتقلص إيرادات مصر من النقد الأجنبى فى ضوء توقف حركة السياحة والطيران ومحدودية التصدير وعودة عشرات الآلاف من العمالة المصرية فى الخارج.

وهنا ينبغى على الدولة التدخل لترشيد إنفاق النقد الأجنبى ومنع تدهور الاحتياطى، واكتنازه للوقت المناسب، وقد يتم ذلك من خلال تغيير خريطة الاستيراد والتوقف التام عن استيراد السلع غير الضرورية، والسلع المعمِّرة وغيرها من البنود السلعية التى يمكن الاستغناء عنها فى أوقات الأزمات.

مصر مطالبة بوضع سياسات بديلة للاستيراد والتصدير والتوظيف وإدارة النقد الأجنبى

ومن المتوقع كذلك أن تشهد الصادرات المصرية ضربات قاسية فى بعض القطاعات نتيجة توقف الدول عن استيراد الكثير من البنود السلعية، وتعطل حركة التجارة وفرض المزيد من القيود عليها، وهنا لا بد أن يتجه المستثمرون لتعديل خطة مبيعاتهم والبحث عن مخرج للأزمة فى السوق المحلية، أو فى الأسواق التى لم يضربها الفيروس بعد، وخاصة فى أفريقيا التى يساوى عدد إصابات 40 دولة فيها عدد إصابات دولة أوروبية صغيرة.

أتوقع كذلك ارتفاع أسعار السلع الغذائية فى السوق العالمية، باعتبارها أهم السلع فى أوقات الأزمات، وبالتالى علينا وضع سيناريو للتعامل مع هذا الأمر سواء فيما يتعلق باستيراد هذه السلع أو بأسعارها المتداولة فى السوق المحلية والتى قد لا تتناسب مع الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل.

ستتباطأ حركة الاستثمارات الأجنبية حتماً خاصة خلال الشهور المقبلة، وسيؤثر ذلك بشكل كبير على فرص العمل الجديدة التى سيتم توفيرها، بالإضافة إلى مشكلات تتعلق بقدرة الموظفين الحاليين على الاحتفاظ بدخولهم ووظائفهم، وهنا ينبغى التحرك على وجه السرعة بتعزيز انتشار المشروعات متناهية الصغر التى تتسم بمخاطرة منخفضة وتكلفة منخفضة، وتوافر الطلب على منتجاتها، وقد يكون القطاع الغذائى وبعض المنتجات التى تستهدف الشرائح الغنية ملاذاً آمناً لهذه المشروعات.

السياسات الزراعية فى مصر مطلوب أن يتم تغييرها من الآن تحسباً لأى مشكلات قد تظهر فى المعروض العالمى من الغذاء، وذلك لحماية الاحتياجات الأساسية للسكان فى أسوأ السيناريوهات، ويتم ذلك بالتنازل عن المحاصيل التى يمكن الاستغناء عنها فى أوقات الأزمات، مثل الأعشاب ونباتات الزينة وبعض أنواع الفاكهة وغيرها، وذلك لصالح المنتجات الغذائية الرئيسية مثل القمح والذرة والبنجر. 


مواضيع متعلقة