التاريخ الأسود للأوبئة في مصر.. البداية طاعون والنهاية كورونا

التاريخ الأسود للأوبئة في مصر.. البداية طاعون والنهاية كورونا
- كورونا
- الأوبئة ومصر
- الطاعون
- الكوليرا
- جفاف نهر النيل
- ضحايا الأوبئة
- كورونا
- الأوبئة ومصر
- الطاعون
- الكوليرا
- جفاف نهر النيل
- ضحايا الأوبئة
لحظات عصيبة عاشها الشعب المصري مع انتشار الأوبئة على مر العصور، وعلى الرغم من فتك تلك الأمراض بآلاف المصريين عبر التاريخ إلا أن المؤرخين لم يشيروا إلى تدني المستوى الطبي في مصر في تلك العصور بل أجمعوا على أن الظروف الاقتصادية حينها كان لها الدور الأكبر في تفشي تلك الأوبئة إلى جانب عنصر المفاجأة في انتشار تلك الأمراض حال دون تصدى الأطباء لها، واقتران ظهور تلك الأوبئة بفيضان النيل من عدمه.
البداية كانت مع وباء الطاعون والذي هاجم مصر على فترات متعددة، بدايته كانت في أكتوبر من عام 1347 حتى يناير 1349م وحينها استطاع الوباء حصد أرواح ما يزيد عن 200 ألف مواطن مصري، وفي عام 1791 عاود الطاعون مهاجمة المصريين وكذلك طاعون عام 1800م والذي حدث أثناء وجود الحملة الفرنسية في مصر ومحاولة دخول الشام، وحينها قتل نابليون عددا كبيرا من الأسرى وترك الجثث تحللت في الشوارع ما أدى إلى إصابة جنوده بالوباء، ونقله إلى مصر، وتوفي حينها ما يقرب من 75 ألف شخص في القاهرة و125 ألفا في المحافظات لتكون حصيلة ضحايا الفيروس 200 ألف مواطن.
ثم جاء الدور على الكوليرا والتي هاجمت مصر ثلاث مرات متعاقبة الأولى منها عام 1883 ثم 1902 و1947م، وحصدت أرواح ما يزيد عن 95 ألف ضحية، ثم ظهور إنفلونزا الطيور عام 2006، وإنفلونزا الخنازير 2008 حتى وباء كورونا الذي تفشلا مؤخرا في عدد كبير من دول العالم.
يقول الدكتور أحمد عبدالدايم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، إنه في عام 1800م مع دخول الحملة الفرنسية مصر، اجتاح الطاعون مصر، ما أدى إلى فشل الحملة في دخول بلاد الشام بعد تفشي الوباء بين جنود نابليون، وحينها اتخذ الفرنسيون إجراءات وقاية عديدة للحيولة دون انتشار الوباء، فكان يتم عزل البيت المصاب وتطهيره ثم تبخير أهل البيت المصابين بأبخرة نباتات طبية كان لها دور كبير في القضاء على الوباء حينها، ويضيف أنه حينما فكر محمد علي باشا والي مصر في تكوين جيش قوي من المصريين، وضع نصب عينيه وباء الطاعون ما دفعه إلى اتخاذ إجراءات وقائية للحد من خطورة المرض، واتخذ من منطقة "الأزاريطة" بالإسكندرية، موقعا للحجر الصحي بشكل علمي، لتكون تلك المنطقة هي الأولى التي يتم عمل حجر صحي بها وتكون خارج المدينة، وهذا الأسلوب أتى بثماره وقلل نسب الإصابة في المدن والأقاليم.
ويؤكد أستاذ التاريخ الحديث أن فكرة العزل بدأت في عهد محمد علي، مشيرا إلى أن الأوبئة في السابق كان كثيرا ما يرتبط ظهورها بتغير رائحة الهواء، فعندما تتغير الرائحة يشعر المواطنين أن هناك وباء يقترب منهم، وكان يطلق على تلك الظاهرة "الوخم" ولم تكن تنتشر الأمراض والأوبئة بالتلامس بل كانت تنقل عبر أبخرة الماء المتصاعدة في الهواء.
وعن وباء الكوليرا يقول عبدالدايم إنه يعد من أكثر الأوبئة التي اجتاحت مصر، حيث وصل عدد مرات انتشارها في مصر إلى 7 مرات.
ويروي "عبدالدايم" قصة انتشار الكوليرا ويقول: "السفن كانت بتعدي في مصر على المدن الساحلية، وفي عام 1883م، أحد الموظفين الإنجليز كان مصابا بالمرض، ونقله للمدن الساحلية ومنها انتشر في الداخل، وقضى وقتها على ما يقرب من ربع سكان الإسكندرية، باعتبارها الميناء الرئيسي في تلك الحقبة".
وبدوره، يقول الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي، إن الأوبئة في مصر دائما ما كانت ترتبط بنهر النيل في سنوات العجاف، وظهر ذلك جليا في عهد يوسف، حينما أتت على مصر 7 سنوات عجاف، ودائما ما ترتبط تلك السنوات بالأمراض، نظرا لنقص المحاصيل الزراعية في تلك السنوات ومن ثم نقص الغذاء وما ينتج عنه من أمراض، ومع نقص مناعة المصريين حينها بسبب نقص الغذاء يكونون أكثر عرضة للأوبئة، مشيرا إلى أن مرحلة الدولة الإسلامية كانت قد شهدت ظاهرة مرضية عظيمة في شدتها، سميت حينها بالشدة العظمى وذلك بعدما حدث قصور في مد النيل ما تسبب في بوار أراضٍ زراعية عديدة، ما أدى إلى تعرض البلاد إلى مجاعات، ووصل الأمر إلى عزل أحد أئمة الدولة الفاطمية، داخل منزله ووصل الضيق والمرض حينها إلى بيع الزخارف والتحف الخاصة بالفاطميين بأسعار بخس، حتى يتم مواجهة تلك الأزمة والوباء، ومع وجود الوباء ونقص الغذاء استفحل المرض داخل مصر، ولم يكن لأحد مهما كانت قدرته العلمية والطبية أن يواجهه، ولم يذكر المؤرخون اسم هذا الوباء، وذلك لعدم وجود أدوات دقيقة لتصنيف الأوبئة كما هو الآن، وفي عام 805 و806 هجريا، جاءت المحنة الأكبر في مصر والوباء الذي ذكره المقريزي في كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة" عام 808 هجريا، بعد أن أزهق الوباء روح ابنته، وذكر في هذا الكتاب تفاصيل الأزمات والأوبئة والمشاكل التي مرت بها مصر منذ عهد يوسف.
ويتابع المؤرخ ويقول: "قبل عهد المحن وتحديدا في نهاية القرن السادس الهجري، في 598 هجريا، جاءت إحدى الأزمات وظهر الوباء الأعظم كما كان يسمى حينها، وذكر تفاصيله عبداللطيف البغدادى في كتاب الإفادة والاعتبار، وكان بيتكلم عن عدد القتلى حينها"، ويتابع قائلا إنه في منتصف القرن الثامن الهجري، جاء ما يعرف بالوباء الأسود، واستمر لما يقرب من 15 سنة، وحينها فقدت دول حوض البحر الأبيض المتوسط ما يقرب من ثلث سكانها.
ويقول الدكتور محمد صبرى الدالي، أستاذ التاريخ، إن مصر تعد بيئة فيضية تعتمد على نهر النيل، وهذا يعد أحد أسباب الأوبئة وذلك لأنه عندما كان يقل الفيض، دائما ما كانت تظهر الأمراض والأوبئة، إلى جانب ارتباط تلك الأزمات بالأوضاع الاقتصادية، حيث يعد العامل الاقتصادي أحد أهم عوامل انتشار الأوبئة، هذا عن العامل الداخلي وأما العامل الخارجي في نقل الأوبئة وانتشارها فيتمثل في السفن التي تأتي من بعض الدول التي تنتشر بها الأمراض حيث كانت تحمل مأكولات تشتم رائحتها الفئران وعند اقتراب السفينة من الشاطئ تقفز إليه وتنتشر حاملة الأمراض، مشيرا إلى أنه كان هناك نظام حجر صحي يسمى "كارنتينه" وكان لزاما على أي أجنبي يدخل إلى مصر أن يمكث في هذا الحجر لمدة 30 يوما وربما يصل الأمر إلى 40 يوما، ويطبق هذا الإجراء أيضا على المصريين القادمين من الخارج.
ويقول أستاذ التاريخ إن الأوبئة ظلت تنهش في الجسد المصري حتى تطوير أساليب الري وعدم ترك النيل يتحكم في الأمور، بعدما تم إنشاء القناطر الخيرية إلى جانب بناء السد العالي فمن هنا لم تتعرض مصر لمجاعات نتيجة نقص المياه، ومن ثم قلت الأوبئة في الظهور، وكان انتشار الوباء يقتصر فقط على القادمين من دول أوروبا أو غيرها عبر السفن: "كان لما يظهر مرض في دولة ممكن يوصل لينا بعدها بشهور عكس اليومين دول بيوصل سريعا بسبب الطيران"، ويؤكد "الدالي" أن القرن السابع عشر يعد أكثر القرون التي انتشرت فيها الأوبئة في مصر، حيث حصدت الأوبئة أرواح مئات الآلاف من المصريين، وفي تلك الأثناء لم يكن هناك جهاز تعبئة وإحصاء يمكنه الكشف الدقيق عن عدد الموتى: "بعض المؤرخين، ذكروا في كتبهم إن عدد الموتى كان زايد بشكل مخيف، لدرجة إن صلاة الجنازة كانت ممكن تكون على 5 أو 6 متوفين داخل مسجد واحد".
ويتابع أستاذ التاريخ الحديث ويقول إن وباء الكوليرا والذي انتشر في مصر في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات من القرن الماضي، جاء نتيجة الإهمال الصحي بعدما تم فرض حصار اقتصادى على مصر بسبب الحرب العالمية الثانية، ومنذ عام 1939 وحتى 1945م، ومصر تعاني بعدما تفشي هذا الوباء في الريف والمدن وكانت الجثث تنتشر في جميع الأنحاء، وما زاد الطين بلة بحسب تعبيره، هو تحلل تلك الجثث في الهواء بسبب خوف المواطنين في الأماكن النائية من العدوى، ما أدى إلى ظهور الكوليرا في مصر، وقضت حينها على عدد كبير من السكان، مشيرا إلى أن هناك أوبئة يمكن لها أن تتفشى بعدما تأتي من الخارج وأوبئة أخرى تنتشر بسبب أساليب الدفن الخاطئ وكثرة الجثث.
ويذكر الباحث التاريخي أنه في عام 1562 ميلاديا، ظهر وباء الطاعون وبدأ من الإسكندرية نتيجة قفزة فأر، وحينها أودى بحياة المئات، ثم انتقل الوباء إلى دمنهور وحوش عيسى، بمحافظة البحيرة، ثم استقر في القاهرة، وحصد حينها أرواح مئات الآلاف من المصريين ويضيف: "القرن الأول من الحكم العثماني ارتبط بظهور الكوليرا واللي في الغالب دورة الوباء كانت بتكون مرتبطة بقلة مياه النيل، في أوائل القرن 19، كان عدد السكان ما بين 4 إلى 5 ملايين، وقتها الطاعون حصد أرواح 400 ألف مصري، وغالبا ما كان بيتكرر بمعدل 7 سنوات في المتوسط"، ويشير" الدالي" إلى وجود أمراض أخرى انتشرت في مصر بخلاف الكوليرا والطاعون، على، رأسها الشلل النفسي والبلهارسيا.