قراءة في أسباب تأخر الحضارة الإسلامية من كتاب "من مكة إلى الميتاداتا"

قراءة في أسباب تأخر الحضارة الإسلامية من كتاب "من مكة إلى الميتاداتا"
لماذا انهارت الحضارة الإسلامية؟ ولماذا خسر العالم العربى تفوقه على أوروبا وغيرها من الحضارات؟ وكيف حدث ذلك؟ أيرجع سبب هذا الانحدار إلى سمة متأصلة في الإسلام؟ وماذ يمكن فعله كي يستطيع العرب والمسلمون استعادة مكانهم المستحق في المسيرة نحو المستقبل؟ هذه الأسئلة وغيرها يطرحها الدبلوماسي الأمريكي مايل هاميلتون مورجان في كتابه "من مكة إلى الميتاداتا" الصادر عن دار نهضة مصر.
يحاول الكاتب تقديم إجابات لهذه الأسئلة فيبدأ قائلا: "عليَّ أن أصرح أولا بأنني لا أعتقد أن هذا الدين أو هذه الحضارة تنطوي على مقدرات فشل تزيد على ما لدى أي ما أي دين أو حضارة أخرى، فالإسلام والحضارة المحيطة به- مثل كل نظام أو عقيدة أو أيديولوجية أخرى- يعبر عنه وينفذ تعاليمه بشر، والبشر جميعهم قادرون على بلوغ آفاق العظمة أو السقوط في الفشل".
وأكد أن "الحضارة الإسلامية العربية لا تختلف عن غيرها من الحضارات في هذا السياق، لكن يوجد عدد من المقومات التي أسهمت - على ما يبدو - في وضع حد للعقلانية الإسلامية العربية المتوجهة نحو المستقبل".
ويقر مورجان "لا شك أن العالم العربي - على الأقل حاليا- فقد مكانه في مسيرة تطور العلوم، لكن علينا مراعاة أنه لا يوجد نظام بشري- مهما كانت قوته وتطوره- منيع على حتمية التدهور والانهيار"، لافتا إلى أن الأنظمة البشرية الضخمة المعقدة عرضة لمخاطر عدة مثل الحروب والكوارث الطبيعية والخلل الناتج عن مصادر طبيعية أو وبائية والتفاوت الاجتماعي والتلاعب السياسي والاستنزاف والملل ليس إلا.
ويستشهد مورجان، بالمقولات المنسوبة إلى كل من "كارك ماركس" و"مارك توين" منها "كل نظام يحمل داخله بذور فنائه"، "وما يحققه نظام من نجاحات قد يكون سبب فشله"، متابعا: "ومن أن التطورات السريعة غيرالمسبوقة في العقلية الإسلامية قد ولدت خوفا ثقافيا كامنا"
ويرصد: "في الواقع تحولت هذه الحضارة - التى نشأت في البقاع الحارة بصحراء شبه الجزيرة العربية من مجتمع رعوي إلى مجتمع فكري إمبراطوري متمدن- في غضون خمسين عاما فحسب، ويلفت إلى وكانت الثورة المضادة مستمرة منذ بداياته الأولى".
وأوضح: "نجد نموذجا على ذلك في عهد المأمون الحاكم العقلاني العظيم الذي كانت فرقته المعتزلة المتحررة فكريا على طرفى النقيض من المحافظين بقيادة ابن حنبل، شعر المأمون بضرورة بدء ما يعرف بـ(منحة خلق القرآن) وهى تحقيق قضائي بدأ في القرن التاسع الميلادي، كانت المحنة نخبوية نابعة من رأس السلطة الحاكمة بهدف الدفاع عن العقلانية التى لم تلق فهما حقيقيا من جموع الرعية وجماعة المؤمنين واستمرت إلى أن أوشكت في القرن التاسع الميلادى على التفاقم إلى معرضة صريحة وتذمر ينذر بانقلاب.
والنتيجة حسب رؤية "مورجان": هجر الخلفاء اللاحقون المحنة، وأصبحوا أكثر انحيازا إلى الجموع المحافظة، لكنهم ظلوا على دعمهم المعتاد للتطورات في العلوم والطب والتجارة وغيرها من المجالات. إلى ظهر العديد من الحركات المضادة للتوجه المستقبلى: الخوارج والأشعرية وغيرهم ومع نجاحهم فى اجتذاب الدعم الشعبي بدرجات متنوعة فقد استغرقوا وقتا أطول للتأثير على أركان السلطة وهو ما يصفه هليل أوفك قائلا :حقق رد الفعل العنيف ضد المعتزلة نجاحا هائلا، ومع حلول عام 885 بعد نصف قرن من وفاة المأمون بلغ الوضع حد تجريم حيازة نسخ من كتب الفلسفة وبدأت عملية تجريد الثقافة العربية من تأثير الحضارة الهيلينية إلى أن همش تأثير المعتزلة تهميشا شبه تام مع مقدم القرنين الثانى عشر والثالث عشر.ومن المصدر ذاته يتابع "وحلت محل المعتزلة مدرسة الأشعرية المعادية للعقلانية التى ترتبط زيادة نفوذها بتدهو العلوم العربية، ومع بزوغ نجم الأشاعرة أصبحت روح العالم الإسلام معادية أكثر فأكثر للمعرفة المبتكرة، وأى بحث علمي لا يدعم التنظيم الديني للجياة العامة والخاصة دعما مباشرا.
ويقف الكاتب عند نقطة مهمة: "لم ينحسر التيار تماما عن الحضارة الفكرية الإسلامية العربية، إلا في القرن الثاني عشر- مع انقلاب أحد المفكرين العرب - الغزالي- على ثقافة المفكرين المتأثرين بالحضارة الهيلينية (اليونانية والرومانية) كانت أفكار الغزالى تنتشر على المستوى الفكرى، لكن ما لعب دورا يعادل أهمية دور الغزالى فى إبطاء مسيرة التقدم بالعالم العربى كانت فاجعة غزوات المغول والتيموريين. كان تدمير بغداد 1258 صدمة نفسية ظل صداها يتردد على مدار قرن ولمسافات تبلغ مئات الأميال.