بروفايل.. صاحب الجلالة

بروفايل.. صاحب الجلالة
- فريد شوقي
- ملك الترسو
- وحش الشاشة
- البخيل وأنا
- رصيف نمرة خمسة
- السينما المصرية
- هدي سلطان
- أفلام فريد شوقي
- أفلام وحش الشاشة
- المعمورة
- النادي الأهلي
- فريد شوقي
- ملك الترسو
- وحش الشاشة
- البخيل وأنا
- رصيف نمرة خمسة
- السينما المصرية
- هدي سلطان
- أفلام فريد شوقي
- أفلام وحش الشاشة
- المعمورة
- النادي الأهلي
على القمة تربع مستقراً فوق عرش النجومية كما ينبغى لصاحب جلالة فنية، وعند السفح ظهرت آثار أقدامه غائرة فى التربة.. من هنا بدأ مشواره الفنى وتواصل عبر أكثر من خمسين عاماً، قطعها صاعداً للأعلى خطوة خطوة، دون أن يتوقف لحظة واحدة ولو حتى لالتقاط الأنفاس، يكفيه أن يترك خلفه علامات مضيئة يصعب أن يمحوها الزمن.. «الأسطى حسن»، و«الفتوة»، و«حميدو»، و«أبوالدهب»، و«سلطان»، و«عنتر ابن شداد»، و«رصيف نمرة 5»، و«سوق السلاح»، و«بداية ونهاية»، و«صراع فى الوادى»، و«باب الحديد»، و«السقا مات»، و«قطة على نار»، و«يا رب ولد»، و«إعدام ميت»، و«إسكندرية ليه»، و«الباطنية»، و«الغول».. وعشرات غيرها من الأفلام السينمائية التى تقلب فيها بين شخصيات العامل، والسائق، والموظف، وضابط الشرطة، والمحامى، والقاضى، واللص، وتاجر المخدرات، والباشا، والمتشرد، ورب الأسرة، ورجل المخابرات، والسجين، والسلطان، والفارس، والجاسوس.. قناع يعقب قناعاً، ومن خلف ذلك كله يظهر الوجه الأصلى كعلامة مسجلة لممثل أسطورى، تعب وكافح واجتهد ليشق لنفسه طريقاً من السفح للقمة.. مستحقاً اللقب الذى أطلقته عليه جماهيره العريضة: «ملك الترسو» الشهير بـ«فريد شوقى».
تاريخ حافل وممتد لـ«وحش الشاشة»، يكاد ينافس تاريخ السينما المصرية نفسها، رغم ربع القرن الذى يفصل بين الميلادين، إذ ولد «فريد» عام 1920 فى حى السيدة زينب بالقاهرة، بعد 24 عاماً تقريباً على ميلاد أول عرض سينمائى فى مصر عام 1896، ولأنه كان الابن البكر للأب الذى كان يشغل وظيفة مرموقة فى مصلحة الأملاك، فقد حظى بكل الاهتمام والتدليل دون باقى أخوته الأربعة، اعتاد الأب أن يصحبه لمشاهدة عروض المسرح التى كانت تزدحم بها القاهرة وقتها، ليجذب العالم الساحر انتباه الصغير، ما يدفعه لتقليد يوسف وهبى أمام جيرانه من الأطفال، قبل أن يقرر لاحقاً أن يصبح ممثلاً.
إلى إحدى فرق هواة التمثيل انضم «فريد» صبياً، وحين أنهى دراسته كمهندس مساحة، كان زكى طليمات، فنان المسرح الشهير، يعلن عن إنشاء معهد عالٍ للفنون المسرحية فى منتصف الأربعينات من القرن الماضى لتعليم فن التمثيل والإلقاء، جاءت الفرصة لـ«فريد» على طبق من فضة، فسارع للالتحاق بالمعهد مع زملائه فاتن حمامة وحمدى غيث وعمر الحريرى وشكرى سرحان، وغيرهم من طلاب الدفعة الأولى، وعلى خشبة المسرح قدم مشروع تخرجه مسرحية «الجلف» للكاتب الروسى أنطون تشيكوف، فى حضور عدد كبير من نجوم التمثيل والإخراج، ليطلب منه يوسف وهبى المشاركة بدور صغير جداً لا يتجاوز المشهدين فى فيلم «ملاك الرحمة» الذى يخرجه ويلعب بطولته أمام راقية إبراهيم وسراج منير وفاتن حمامة.
عرف «فريد» الطريق لصناعة السينما التى راجت فى مصر وقتها، عبر عدد ضخم من الاستديوهات وشركات الإنتاج، وجيش جرار من الممثلين والمخرجين والمصورين والمونتيرين وعمال الإضاءة وكتاب السيناريو ومؤلفى الموسيقى التصويرية. راح يؤدى الأدوار الصغيرة التى لا تتجاوز مشاركته فيها النطق بعبارة أو عبارتين، وفى الوقت نفسه، كان يتلقف ما يسقط فى حجره من أدوار يعتذر عنها «مجرم الشاشة» محمود المليجى، لانشغاله المستمر، ومن ناحيته لم يقصر «فريد» فى لعب دور «الشرير الظريف»، يرفع حاجباً ويخفض الآخر، ويقسم بـ«شرف أمه»، أو «تربة أبوه»، يسرق وينصب ويغرّر بالفتيات ويهرّب المخدرات ويقع فى حب زميلته وزوجته وقتها هدى سلطان، ويشتبك فى معارك طاحنة مع عدوه التقليدى محمود المليجى، لتهلل له جماهير سينمات الدرجة الثالثة، أو «الترسو»، طالبين منه المزيد.
ولأن المزيد لم تكن تكفيه الموهبة فقط، وإنما يلزمه قدر ما من الذكاء، كان على «فريد» أن يغير جلده دائماً، حتى لا يمل منه المتفرجون، فيكتب وينتج ويمثل فيلم «الأسطى حسن» 1952، إخراج صلاح أبوسيف، لينتقل إلى أداء الأدوار الإنسانية، فى محاولة للإفلات من النمطية التى كاد أن يسقط فيها، وفى نفس الوقت فإن عدداً من مخرجى السينما المهمين وجدوا فيه خامة جيدة لأداء أى دور يطلب منه، ليحفل سجله السينمائى على مدار خمسين عاماً بعدد ضخم من الشخصيات المتنوعة، أجاد لعبها ببراعة شديدة، عبر ألوان الدراما المختلفة من الأكشن والكوميدى والتراجيدى، إلى الدرجة التى دفعت فرقة نجيب الريحانى المسرحية للاستعانة به للعب الأدوار الرئيسية فى الفرقة الكوميدية عقب وفاة نجمها الأول عادل خيرى فى بداية الستينات.
على أن «فريد» لم ينظر للتمثيل على أنه مجرد حرفة، تدر عليه الأموال الضخمة فحسب، وإنما آمن بأهمية الرسالة التى يمكن أن يحملها العمل الفنى للمجتمع والناس، فاستطاع أن يغير قوانين مهمة بأفلام مثل «جعلونى مجرماً» 1954 إخراج عاطف سالم، الذى كان له الفضل فى إزالة السابقة الأولى للمجرمين من سجل السوابق، و«كلمة شرف» 1973، إخراج حسام الدين مصطفى، الذى مُنح السجناء بمقتضاه الحق فى الخروج من السجون لزيارة أسرهم بالخارج ثم العودة مرة أخرى، وفى نفس الوقت سلطت أفلام مثل «حميدو» 1953، و«رصيف نمرة 5» عام 1956، إخراج نيازى مصطفى، الضوء على خطورة المخدرات والمتاجرة فيها، فى حين حاربت أفلام مثل «الفتوة» 1957، إخراج صلاح أبوسيف، جشع التجار، و«أفواه وأرانب» 1977، إخراج بركات، الزيادة السكانية، ما ضمن له عدداً كبيراً من التكريمات والجوائز، هذا بالطبع دون أن يتوقف عن المشاركة فى الأفلام ذات الطابع التجارى، والتى دفعته فى فترة من فترات حياته للسفر إلى تركيا ولبنان للعمل هناك، وقت أن كانت صناعة السينما فى مصر تعانى فى نهاية الستينات وأوائل السبعينات.
ومن السينما إلى التليفزيون انتقل «فريد» قاصداً جمهوراً جديداً، فقدم مسلسلات «الشاهد الوحيد» 1984، إخراج أحمد توفيق، «وصابر يا عم صابر»، 1988، و«البخيل وأنا» 1991، إخراج حسين عمارة، وكان فى سبيله لاستكمال المشوار لولا أن غافله الموت، فكتب النهاية الحزينة للمسيرة الحافلة عام 1998، حين أسلم الروح عن عمر 78 عاماً، تاركاً خلفه خمس بنات، من ثلاث زيجات، سبقها اثنتان دون أولاد، وعدداً كبيراً من الأحفاد، ورثوا منه ملامح الوجه وتفاصيل الجسد، كما ورثوا الموهبة الفنية فتفرقت بهم بين الإنتاج والإخراج والتمثيل، متلمسين فى ذلك مشوار عميد العائلة الذى قطعه ذات يوم، خطوة خطوة من السفح حتى استوى متربعاً على القمة.