الأزهر: كورونا وباء.. وللدولة حق تقييد الشعائر وفرض التزام البيوت

الأزهر: كورونا وباء.. وللدولة حق تقييد الشعائر وفرض التزام البيوت
نشرت الصفحة الرسمية لمركز الأزهر العالمي للفتوي بحثا شرعيا تحت عنوان "حكم تقييد ولي الأمر للشعائر الإسلامية"، جاء فيه أنّه مما أقرته الشريعة الإسلامية، وأولته مكانة كبيرة مقام ولي الأمر، فأمرت بطاعته، وحرمت معصيته؛ حتىٰ تستقيم أمور الرعية، ويتمكن من تحقيق الغاية التي نُصّب لها، وهي غاية عظيمة مكونة من أصلين:
الأول: نصرة الدين، والحفاظ علىٰ أصوله وقواعده.
والثاني: تدبير أمور الرعية، وسياسة الدولة الدنيوية بما تقتضيه المصلحة العامة المعتبرة.
وتابعت أنّ مراعاة المصلحة المعتبرة أصلٌ من أصول الدين، كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله : "استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد"، وأوضحه الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله بقوله: "إن مقصد الشريعة من التشريع حفظ نظام العالم، وضبط تصرف الناس فيه على وجه يعصم من التفاسد والتهالك"، ويقول أيضًا: "المقصد العام من التشريع هو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاح المجتمع، باستدامة صلاح المهيمن عليه وهو الإنسان".
وأضافات:"كفلت الشريعة الإسلامية لولي الأمر تدبيرَ كثير من الأمور الاجتهادية وفق اجتهاده الذي يتوصل إليه بعد النظر السليم، والبحث والتحري، واستشارة أهل العلم الأمناء وأهل الخبرة العدول، في القيام بتصرف ما، سواء كان هذا التصرف منعًا أو نهيًا أو تقييدًا أو إلزامًا بأمر من الأمور، ولا قيد عليه في تصرفه ذلك إلا التزامه بالشرع، وعدم مخالفته لنصوصه، ولقد كان من القواعد التي قررها أهلُ العلم في ذلك الباب أن "تصرف الإمام علىٰ الرعية منوطٌ بالمصلحة"، وأما تصرف ولي الأمر في تقييد الشعائر الإسلامية فقد تناوله الفقهاء والعلماء من حيث تنوع تقييدات ولي الأمر في الشعائر الإسلامية إلىٰ ثلاثة أقسام:
الأول: الشرائع الثابتة من الدين بالضرورة كالصلاة والصوم ونحوهما.
الثاني: ما يكون للاجتهاد فيه مدخل كفروع العبادات وفروع المعاملات.
الثالث: المباحات من الشرائع مما لم يرد فيه نص بوجوبه، ويحكمه باب المصالح والمفاسد (المصلحة المرسلة).
فأما النوع الثالث: فلولي الأمر تقييده بالمنع والنهي فيه باتفاق الفقهاء، إذ يدخل في دائرة المباح الذي تتغير أحكامُه بتغير الحال والمكان والزمان، وفق ضوابط التغيير الشرعية، فعندما يتخلف مقصود الحكم الشرعي عنه، سواء المندوب أو الواجب أو المكروه أو المحرم، لزم ولي الأمر -وهو المنوط به بحكم الولاية العامة- صيانة تحقيق المقاصد الشرعية الخمسة ورعايتها، وأعلاها حفظ الدين، بأن يتدخل بتصرف يعيد تحقيق المقصود الشرعي من الحكم.
وأما النوعان الأول والثاني، فتحكمهما الضرورة والمصلحة العامة، ويكون تقدير الضرورة والمصلحة، وكيف تقدر، ومن له حق التقدير، وعن نوع الضرر هل هو واقع أو متوهم؟ ... إلخ لأهل العلم والفتوى في البلد، وليس لولي الأمر إلا إن كان من أهل الاجتهاد في ذلك.
وعلى ذلك يجوز لولي الأمر أن يستعين بأهل العلم في مراكز البحوث المتخصصة لعمل الإحصاءات اللازمة، ثم عرض تلك النتائج علىٰ لجنة شرعية متخصصة من أعيان البلد وعلمائه ممن يحق لهم تقرير هذه الأمور، وكونهم أهل تقدير للمصالح و المفاسد.
وقد قيّد الفقهاء هذه العملية ببعض الضوابط الشرعية، والتي من أهمها:
- موافقة الشريعة، وتحقيق مقاصدها.
- التقييدات تفرضها دراسات أهل العلم والسياسة الشرعية وليس الهوى.
- تقييدات الشعائر الإسلامية توقيتية؛ فهو تعطيل مؤقت.
وعلىٰ ما سبق: فإذا تبيّن بالتقارير والدراسات المتخصصة أن مرضًا ما (مثل كورونا) صار وباءً عامًّا، وأنّ من طرق حدِّه والوقاية منه منعَ الاجتماعات، والتزام المنازل والبيوت، فيجوز لولي الأمر وقتئذٍ تقييد الشعائر الإسلامية المبنيّة علىٰ الجماعات بمنع الاجتماع لها، كالجماعة وصلاة الجمعة والعيدين، وغير ذلك، وتأدية تلك الشعائر بصورة منفردة، حفاظًا علىٰ النفس، وتحقيقًا للمصلحة العامة المعتبرة شرعًا.