"الرجل بشنب أم بدون".. رسالة من صلاح عبدالصبور تكشف جانبا آخر للشاعر

كتب: إلهام زيدان

"الرجل بشنب أم بدون".. رسالة من صلاح عبدالصبور تكشف جانبا آخر للشاعر

"الرجل بشنب أم بدون".. رسالة من صلاح عبدالصبور تكشف جانبا آخر للشاعر

قبل رحيل الشاعر صلاح عبدالصبور (1931-1981) بقليل، طلبت منه مجلة "صباح الخير" أن يعاود الكتابة لها وكان من كتابها اللامعين لسنوات، فاختار العودة إليها بكتابة سلسلة مقالات بعنوان "إلى فتاة عاقلة" وكان في ذهنه أن يكتبها إلى ابنته الكبرى مي التى كانت وقتها تدخل أبواب الصبا يقدم خلالها نصائحه وخلاصة تجاربه فى الحياة، وفي أدراجه ركنها حتى تمر مرحلة الانكفاء على الذات التى كان يمر بها احتجاجا على مواقف ثورا المثقفين منه واتهاماتهم الظالمة له بأنه باع نفسه للسلطة، لكن هذه المقالات في أدراجه ومنعه الموت المفاجىء من نشرها.

ورغم أن أصدقاء الشاعر صلاح عبدالصبور، أطلقوا عليه لقب "خبير الأحزان"، كما وصفه بذلك الوصف الكاتب كامل زهيري فى أحد مقالاته، إلا أن مقالات صلاح عبدالصبور التى كتبها لـ"صباح الخير" والتى لم تنشر، تكشف جانبا مرحا من الشاعر سواء من حيث طبيعة الموضوعات التى تناولها أو اللغة الحميمة التى كتب بها المقالات أو الرسائل، التى نشرها الكاتب أيمن الحكيم في كتابه "رسائل لها تاريخ.. العوالم الخفية للمشاهير" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.

ومنها مقال يتناول فيه صلاح عبد الصبور بشكل مباشر رؤيته لمفهوم الأنوثة، فيبدأ المقال متوجها للقارئة ولابنته: "ما رأيك في شوارب الرجال؟ وهل الرجل تحبينه بشنب أم من غير شنب؟ سؤال غريب ولكن الذي دفعنى إلى توجيهه إليك أمران أولهما هو كثرة الشنبات بين الشبان هذه الأيام".

ثم يتحدث عن تجربته الخاصة: "وأنا شخصيا لى شنب ولى قصة مع هذا الشنب بدأت فصولها الأولى منذ ثلاثين عاما حين كنت أتوسل إليه بحد الموس أن يخضر ثم أتوسل إليه بحد الموسى وبالقلم الرصاص أن يسود ويتكاثف أما فصلها الأخير فهو أريد أن أتخلص منه لأنه أصبح في لون الملح والفلفل شعرة بيضاء وشعرة سوداء" .

ويستكمل الشاعر: "وأنا لولا الملامة - لسارعت إلى إزالته، ولكن ماذا أفعل في رأسي، وقد اندلع فيها الشيب كالفضيحة، وأنا لا أجرؤ أن استعمل الصبغة كما كما يستعملها بعض زملائنا الكتاب الذين يعرفون أن خدعتهم لا لا تجوز على أحد إلا عليهم، ولكنى رغم ذلك أكتم سرهم.ثم يقترب أكثر من هدفه قائلا: ولنعد إلى الشنب وشنبات الشبان، لقد كان أكبر رواج عرفته الشنبات - قبل هذا الرواج- فى فرنسا فى أواخر القرن التاسع عشر، كانت موضة الرجال هى الشنبات وكانت موضة النساء هي الكورسيه وكان أشهر كورسيه فى فرنسا هو كورسيه إيفيت جلبير مغنية المولان روج المشهورة التى كان يقال أن وسطها المحزوم كأنه فراشة ذات جناحين.

أما أشهر شنب فقد كان شنب ضابط فى فرقة الهوسار الشهيرة فى الجيش الفرنسي، يدعى مونسيرى برنان وكان يدلل شاربه باسم "الماركيز" وكان ينفق عليه بسخاء من وقته وماله يشترى له المخصبات والعطور وذات مرة انزلقت يده وهو يشذبه فذهبت بفردة منه فاضطر أن يحلق الثانية ولكنه ما لبث أن مات كمدا.

ويلفت "عبدالصبور" إلى كان النساء في تلك الفترة يرون أن الشوارب من بواعث الحب، متسائلا عن العلاقة بين الكورسيه والشنب؟ مشيرًا إلى "إنه سر العلاقة بين الرجل والمرأة فحين تحاول المرأة أن تبدو أكثر أنوثة يحاول الرجل أن يبدو أكثر رجولة، لقد كانت المرأة تريد أن تبدو ملائكية رقيقة لمسات النسيم تجرح خديها ولمس الورد يدمي أصابعها كما يقول الشاعر العربى القديم، وكان الرجل يريد أن يبدو خشنا بدائيا يحتفظ على جسمه ببعض ما أنبتت الطبيعة عليه من شارات الرجولة"

ويختتم المقال: ولكن ماذا عن عصرنا يا صديقتى العاقلة ؟ إن الرجال يريدون أن يظهروا في ثياب الرجولة بشواربهم وذقونهم الهمجية بينما تحاول النساء أن تظهرن أيضا فى ثياب الرجال بالإهمال المتعمد وبالإقبال على ملابس الرجال وبالتدخين وارتفاع الأصوات كونى أنت عاقلة يا صديقتي واعلمى أن الرجال ما دماموا قد عادوا إلى الشنبات فإن النساء ينبغى أن يعدن إلى الأنوثة.. كونى أنثى يا صديقتى العاقلة.


مواضيع متعلقة